اتحاد الشغل وجدلية السياسي والنقابي: هل أصبحت المنظمة العمالية حِزْبًا مُعَارِضًا؟
أعاد تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد حول
الدور السياسي لاتحاد الشغل للسطح جدلية الدور النقابي والسياسي للمنظمة العمالية.
لا أحد في تونس ينكر الدور التاريخي للاتحاد العام التونسي
للشغل في العمل النقابي من خلال الدفاع عن حقوق العمال، وفي العمل السياسي منذ زمن
مقاومة الاستعمار، وذلك مرورًا بمحطات تاريخية عديدة وصولًا إلى الثورة حينما ساهمت
قواعده الجهوية في تحركاتها، وأيضًا من خلال الدعوة إلى إضراب عام احتجاجًا على الممارسات
القمعية للنظام السابق. ودفعت المرحلة الانتقالية بعد الثورة الاتحاد العام التونسي
للشغل، وفي أكثر من مناسبة، للدخول في المعترك السياسي، وأهم هذه المناسبات هو الحوار
الوطني.لكن يواجه الاتحاد، من جهة أخرى، انتقادات كثيرة حول ما يسميه
البعض تدخلًا في العمل السياسي. أي دور يلعبه الاتحاد في تونس اليوم؟ وهل يمكن اعتبار
الاتحاد منظمة نقابية فقط أم أنه أكثر من ذلك ؟
فالانتخابات الرئاسية الأخيرة كشفت “وهم” حياد
الاتحاد العام التونسي للشغل ووقوفه على نفس المسافة من جميع الأحزاب السياسية في الاستحقاق
الرئاسي.
وذلك حين اصطفت القيادة المركزية النقابية مع المرشح
الرئاسي عبد الكريم الزبيدي سواء تصريحا أو تلميحا.
فقد أكّد الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي بالاتحاد
العام التونسي للشغل، لسعد اليعقوبي أن المنظمة الشغيلة ساندت وزير الدفاع عبد الكريم
الزبيدي في الانتخابات الرئاسية.
وقال في تدوينة على
موقع فيسبوك: “أنا ابن الاتحاد ودفعت من أجل منظمتي ما استطعت ولكني سأقولها منظمتي
انخرطت وراء الزبيدي وللأسف خسرت رهان لم يكن رهان العمال ورهان التونسيات والتونسيين
كالعادة أضعنا البوصلة”.
جدلية النقابي والسياسي
يتجدَّد الجدل حول دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الشأن
السياسي عادة عندما يحصل التوتُّر بين المنظمة النقابية المركزية والسلطة السياسية
الحاكمة، التي تتهم المنظمة النقابية بتجاوز وظيفتها الطبيعية: من المطلبية الاجتماعية
إلى الشأن السياسي، إلّا أنّ دفعها بمرشح المنظومة القديمة والمدعوم من الإمارات أثار
ردود أفعال التونسيين على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك وتساءلوا عن الدور الحقيقي
للمنظمة الشغيلة.
ويرى مراقبون أن المنظمة الشغيلة في حال دخولها غمار السياسة
ستخسر موقعها المريح كوسيط وحكم بين فرقاء السياسة.
ويتساءل البعض عما إذا كان سيتحول إلى حزب سياسي على النمط
البريطاني.
مسارات النقاش
حوّل الاتحاد العام التونسي للشغل، عقب تنفيذه يوم الخميس
17 جانفي 2019 إضرابًا عامًا في قطاع الوظيفة العمومية، مسارات النقاش في تونس من مآلات
وتداعيات الإضراب على مستقبل الحكومة والبلاد إلى نقاشات سياسية وشعبية بشأن الدور
السياسي للاتحاد إثر إعلان نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسيى
للشغل، أمام حشود من أنصار الاتحاد، أمام مقر البرلمان ، أنّ المنظمة النقابية ستكون
مهتمة بشكل كُلّي في المستقبل بأي انتخابات تجرى في تونس، قائلاً : “إنّ اتحاد
الشغل تَهُمُّهُ الانتخابات التشريعية والرئاسية ولن نتخلى عن حقنا في أي من الانتخابات
القادمة.
وجاء هذا الإعلان بمنزلة رسائل متعددة الأبعاد، حين كشف نورالدين
الطبوبي عن عزم المركزية النقابية المشاركة بكامل ثقلها في المحطات الانتخابية المقبلة.
هذا الإعلان أثارجدلاً واسعًا في الأوساط السياسية ، بين
مؤيد ومتخوف، وطرح بصفة علانية حزمة من الاستفهامات حول مستقبل المنظمة النقابية وأدوارها،
إِنْ أَقْحَمَتْ نفسها بصفة رسمية في عالم السياسة.
ويرى عدد من الملاحظين أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يجري
التلاعب به وتوظيفه من بيروقراطيّته لأهدافٍ حزبيّة فئوية صرف، في حين من الأنفع له
أن يكتفي بلعب دوره النقابي.
أمّا المعارضون لنظام الخصخصة والعولمة الليبرالية في الاقتصاد،
فيقولون إِنَّ على الاتحاد أن يكون مستقلاًّ، ويتدخّل بشكلٍ فعّالٍ في الحياة السياسية
كَسُلْطَةٍ مُضَادَّةٍ.
حزب معارض
فيما بات الرأي العام في تونس يتعاطى مع الاتحاد العام التونسي
للشغل كما لو أنه يتوجه إلى طرف سياسي معارض، ولعله كان مُدْرِكًا كما أدرك الذين من
قبله أنّ الاتحادَ لا يُقْرَأُ فحسب من زاوية نقابية، فهو طرف اجتماعي يَخْتَزِنُ مجموعات
ضغط سياسي، وتنويعات إيديولوجية، وناشطين حزبيين يساريين.
فقد عاش المشهد السياسي التونسي حربًا باردةً حقيقيةً بين
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس حكومة تصريف
الاعمال يوسف الشاهد.
الخلاف مع الشاهد
يعود جوهر الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة
يوسف الشاهد إلى شهر نوفمبر2017، حين أبرم الطرفان اتفاقًا يلتزم فيه الاتحاد بمواصلة
دعم الحكومة وعدم التشويش على قانون المالية لسنة 2018، مقابل تعهد الحكومة باحترام
خطوط الاتحاد الحمراء ولا سيما منها عدم الزيادة في أسعار المواد الأساسية وعدم خوصصة
مؤسسات القطاع العام، وهو اتفاق تجاوزه الشاهد.
وارتفعت وتيرة الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ويوسف
الشاهد، حين اتهم الأخير نور الدين الطبوبي
بمحاولة إسقاط حكومته.
وفي رده, عبر الأمين العام المساعد
لإتحاد الشغل كمال سعد عن رفض المنظمة لما جاء في تصريحات الشاهد، قائلا “كلام الشاهد مرفوض ومرود عليه”.
وأضاف أنّ الاتحاد صمت عن فشل الشاهد في تسيير البلاد وعن
ما يعرفه وعن الملفات المعطلة، مؤكدا أنّ اتحاد الشغل يعلم من دفع بالشاهد إلى توجيه
هذه الإتهامات، حسب قوله.
ويطرحُ دخول اتحاد الشغل غمار العمل السياسي إشكالياتٍ عميقة
مرتبطة بتحوّل النضال النقابي إلى عملٍ سياسي. ما سيستدعي، دخول مجال السياسة من خلال
الأحزاب، وليس عبر المنظمات.
أن يصبح العمل النقابي والدفاع عن العمال مطية وغطاء لممارسة
العمل السياسي فذلك ما قد يفقد صاحبه جزء من المصداقية، أما إذا تحول هذا الدور النقابي
إلى ممارسات سياسية دورية, فذلك هو التضليل السياسي بعينه.
المصدر
الصورة من المصدر : essada.net
مصدر المقال : essada.net