اقتصاد مصر يهتز ولا يقع (2)

نستكمل فى هذه الحلقة نقاط القوة فى الاقتصاد المصرى رغم التحديات والأزمات العالمية. فعلى صعيد القطاعات الإنتاجية، لعبت مبادرات التمويل المدعوم دورا مهما فى تشجيع مختلف القطاعات، حيث شملت هذه المبادرات كلا من القطاع الصناعى والزراعى والسياحى والبناء والتشييد إلى جانب مبادرات التمويل العقارى المتنوعة بين مبادرات موجهة إلى محدودى الدخل، وأخرى موجهة الى متوسطى الدخل، حيث تحمل البنك المركزى فارق أسعار الفائدة، التى قدرت كلفتها بعشرات المليارات من الجنيهات وبلغ رصيدها حتى نهاية أكتوبر الماضى نحو ٣٧١مليار جنيه حسب البنك المركزى المصري.
اما على صعيد شبكة الحماية الاجتماعية فقد شهد الإنفاق الاجتماعى نموا متواصلا على مدى السنوات السبع الماضية، وتضمن هذا الاتفاق العديد من المبادرات الهادفة لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل فئات عديدة من المواطنين وفى مقدمتها، تأتى مبادرة تكافل وكرامة وهو برنامج للدعم النقدى المباشر للأسر الفقيرة، بلغ آخر رصيد له ٢١مليار جنيه يستفيد منه نحو عشرة ملايين مواطن.
كما تمت زيادة المخصصات المالية الموجهة لدعم الخبز والسلع التموينية وبعض أنواع الوقود، خاصة السولار الذى يستخدم فى نقل البضائع وتشغيل ماكينات الرى فى المناطق الريفية كنوع من الدعم غير المباشر للمزارعين.
وقبل عامين جاءت مبادرة «حياة كريمة» لتتوج جهود الدعم الاجتماعى وتحسين حياة المواطنين المعيشية خاصة فى الريف والمناطق النائية، حيث تبلغ التكلفة المبدئية للمشروع نحو ٦٠٠مليار جنيه سوف يستفيد من نتائجها نحو ٤٨ فى المائة من إجمالى السكان, وتستهدف المبادرة تطويرا شاملا للبنى التحتية والخدمية فى هذه المناطق منها إدخال خدمات الصرف الصحى وتوصيل الغاز ورصف الطرق وبناء آلاف المدارس والمستشفيات ووحدات الإدارة المحلية المتطورة، والتى تعتمد فى عملها على الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات فى تقديم خدماتها للمواطنين، حيث تم الانتهاء بالفعل من المرحلة الأولى بتكلفة تجاوزت ١٥٠مليار جنيه شملت نحو ٩محافظات يتركز معظمها فى صعيد مصر، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة وسوء الخدمات نتيجة الإهمال المتراكم لهذه المناطق.
آفاق وتوقعات: من هنا يمكن القول إن الاقتصاد المصرى لايزال قابضا على عدد لابأس به من عناصر القوة التى سوف تساعده على تجاوز تداعيات الأزمة الراهنة، منها على سبيل المثال أن معظم المشروعات القومية الكبرى التى استنزفت الأرصدة المالية الضخمة للبلاد أوشكت على الانتهاء والدخول فى الخدمة مما يترتب عليه الحصول على بعض العوائد من وراء تشغيل هذه المشاريع، ومن أبرز هذه المشاريع مشروع العاصمة الإدارية الجديدة التى بدأت الوزارات وبعض المؤسسات الحكومية فى الانتقال التدريجى إليها منذ مطلع هذه السنة.
أيضا فإن الخفض المتتالى لسعر العملة المصرية من شأنه ـ ضمن عوامل أخرى مثل إقرار وثيقة ملكية الدولة ـ أن يسهم فى اجتذاب استثمارات خارجية مباشرة إلى جانب دعم جهود زيادة الصادرات وعائدات السياحة، الأمر الذى من شأنه أن يعزز من موارد النقد الأجنبى للبلاد بما يسهم تدريجيا فى سد فجوة التمويل التى يعانيها الاقتصاد الكلى وتقدر بنحو ١٣مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
كذلك فإن برنامج بيع الأصول لصناديق ثروة سيادية خليجية يترافق معه الأمل فى إمكانية تطوير هذه الأصول، خاصة الإنتاجية منها، عبر ضخ استثمارات جديدة تسهم فى دعم قوتها التنافسية ورفع معدلات النمو.
وعلى صعيد الطاقة فإن الحكومة تراهن على زيادة مواردها من صادرات الغاز فى السنوات المقبلة على ضوء المزيد من الاكتشافات التى بدأت تظهر تباعا مع ارتفاع أسعار الغاز عالميا وخطط الربط مع أسواق جنوب أوروبا بما يضمن تصريف هذا الغاز فى أسواق مستقرة عبر اتفاقيات إمداد طويلة الأجل، وتؤدى لأن تلعب إيرادات الغاز دورا متزايدا فى خفض عجز ميزان المدفوعات.
وثمة قطاعات اقتصادية تشهد تطورات إيجابية فى الفترة الأخيرة وسوف تحصد ثمار هذه التطورات بما يفيد الاقتصاد الكلى وفى مقدمة هذه القطاعات، القطاع الزراعى الذى نجح فى مضاعفة أهدافه التصديرية من الخضار والفاكهة، إلى جانب بعض الصناعات التحويلية التى نجحت فى إحراز حصص تصديرية جيدة، ومنها صناعات الأسمدة ومواد البناء والبتروكيماويات والملابس الجاهزة والمفروشات وبعض الصناعات الهندسية، الأمر الذى يتوقع معه تنامى عوائد صادرات هذه القطاعات.
أيضا فإن القطاع العقارى مرشح لإمداد الاقتصاد المصرى بموارد دولارية لا بأس بها بعد تطوير آليات تملك الأجانب للعقارات فى مصر، خاصة العقارات الفاخرة والساحلية لاسيما مع انخفاض سعر العملة، ومن ثم زيادة جاذبية العقارات المصرية التى تعد منخفضة مقارنة بالأسعار فى بعض بلدان المنطقة مثل لبنان وتونس.
وفى النهاية سوف تستمر المصادر التقليدية لدعم الاقتصاد المصرى فى رفد هذا الاقتصاد بموارد دولارية جيدة ومنها تحويلات العاملين بالخارج التى تجاوزت ٣١مليار دولار، وعوائد قناة السويس التى تجاوزت ٨ مليارات دولار العام الماضى، ثم عوائد السياحة وغيرها من مصادر القوة التى حافظ الاقتصاد المصرى على استمراريتها رغم الأزمات وبما يبشر بإمكان انفراج الأزمة قريبا، خاصة إذا ما توقفت الحرب الروسية الأوكرانية وبما يؤكد من جديد مقولة إن اقتصاد مصر يهتز لكنه لا يقع.
لمزيد من مقالات رؤوف أبو زكى رابط دائم:
#اقتصاد #مصر #يهتز #ولا #يقع