الاقتصاد التونسي يفقد قدراته التنافسية في عشر سنوات | خالد هدوي

تونس – حذّر خبراء من تداعيات هبوط الاقتصاد التونسي إلى مستويات غير مسبوقة وفقدانه قدرتَه التنافسية في الأسواق العالمية، وسط دعوات ملحة تطالب بضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية المعتمدة وإرساء استقرار سياسي بالبلاد لتسهيل استقطاب الاستثمارات في ظل أزمات سياسية انتفت معها كافة فرص تحسين أداء الاقتصاد.
وكشف تقرير المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية عن فقدان الاقتصاد التونسي تنافسيتَه بين 2010 و2019، وبلغ معدل النمو الاقتصادي في تونس 1.6 في المئة خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2019 مقابل 4.4 في المئة بين سنتي 2000 و2010.
ووفق ما نشره المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية على موقعه استندت توقعات سنة 2020 إلى انخفاض غير مسبوق يقدر بـ -7.3 في المئة ليصل في عام 2021 إلى 4 في المئة.
وحددت وثيقة المعهد هدفا يتمثل في وضع تشخيص شامل قدر الإمكان لقدرة الاقتصاد التونسي التنافسية على مدى العقد الماضي، بالإشارة إلى مجموعة من المؤشرات التي تعكس جوانب متعددة من الاقتصاد.
وسجل المعهد ضمن هذا التمشي انخفاضًا كبيرًا في جهود الاستثمار خلال فترة ما بعد الثورة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد تفاقم هذا الوضع إثر وصول جائحة كوفيد – 19 وتأثيرها على النشاط الاقتصادي محليّا وعالميّا.
وأفاد وزير التكوين المهني والتشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن بأن “الانتقال الديمقراطي لم يهتم بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” “من 2011 إلى 2014 كان هناك خصام كبير وصراع هوية واغتيالات سياسية وكتابة دستور، ومن 2014 إلى 2019 كوّن حزب نداء تونس توافقا مع حركة النهضة فزادت الصراعات والمناكفات”.
فوزي بن عبدالرحمن: لا بد من حكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية على مدى ثلاث سنوات
وتابع “من سنة 2019 إلى الآن غاب الاستقرار السياسي وبرز الاستقطاب الثنائي الحاد، ولم نخرج من دائرة الصراعات نحو بناء نسيج اقتصادي متماسك”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “كل المؤشرات الاقتصادية وصلت خطوطا حمراء، علينا أن نتجاوز الإشكال السياسي، والأزمة سياسية في مؤسسات الدولة وحول ممارسة الحكم والسلطة وليست حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية”.
وأردف “علينا على الأقل أن نحيّد الصراعات عن العمل الحكومي والاعتماد على الشأن العام والنهوض بالاقتصاد، فضلا عن التفكير في بناء حكومة مستقلة عن الأحزاب السياسية وليس مثل حكومة هشام المشيشي التي لبست غطاء الأحزاب”.
واستطرد “علينا التفاهم على حكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية على مدى ثلاث سنوات وندعها تشتغل”.
ويجمع مراقبون على أن كلفة الانتقال السياسي في تونس كانت باهظة اقتصاديا، حيث أغرقت البلد في المناكفات السياسية وأهملت الملف الاقتصادي ما أدى إلى اختلالات على أكثر من واجهة في تونس، في حين تواصل الأزمة السياسية تعطيل كافة الإصلاحات في ظل احتجاجات شعبية واسعة تطالب الحكومة بتحسين الأوضاع المعيشية ومباشرة تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها.
وتستند توقعات سنتي 2020 و2021 على الاستثمار بنسبة 13 في المئة و14 في المئة (مقابل 24.6 في المئة في سنة 2010).
ومن جهته شهد الاستثمار الأجنبي المباشر انخفاضًا خلال فترة ما بعد الثورة ليصل إلى معدل متوسط قدره 2.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 4.2 في المئة بين عامي 2000 و2010).
وأفاد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، في تصريح لـ”العرب”، بأن ” التنافسية تقوم أساسا على المناخ العملي، والاقتصاد حتى ينافس عليه أن يكون قادرا على الإنتاج بأسعار منخفضة وقادرا على جلب الاستثمار”.
رضا الشكندالي: مناخ الأعمال سيء جدا في تونس وخسرنا من 50 إلى 60 مرتبة
وأكد أن “مناخ الأعمال في تونس سيء جدا وخسرنا مراتب كبيرة منذ 2010، والتصنيفات تؤكد أننا خسرنا من 50 إلى 60 مرتبة، وسبب ذلك العمل السيء الراجع بالأساس إلى عدم الاستقرار السياسي وتذبذب المشهد عموما”.
وحسب رأي الشكندالي فإن “السياسات الاقتصادية لا تشجّع القطاع الخاص على المبادرة، وتعتمد على سياسة نقدية حذرة أدت إلى ارتفاع نسبة الفائدة، وأصبح المستثمر يمول مشروعه عن طريق القروض”.
وتابع “سياسة الصرف المرنة أيضا ساهمت في ذلك، والدينار التونسي تراجع مقابل ارتفاع التكلفة، علاوة على اختلال السياسة الجبائية، حيث ارتفع الضغط الجبائي من 20 إلى 25 في المئة”.
وحول الحلول العاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الاقتصاد التونسي المتهاوي قال الخبير الاقتصادي “لا بد من تجاوز الصراعات السياسية، ومن غير الممكن أن تغيب الثقة بين رؤوس السلطة، فضلا عن التجاذبات بين البنك المركزي والحكومة في ما يتعلق بتمويل ميزانية الدولة”.
وأشار إلى أن “حجم الإدارة كبير ويعيق التقدم الاقتصادي، فضلا عن إعاقة الاستثمار بالتعطيل الإداري. هذا إضافة إلى أن القرار السياسي مفتت بين السلط والمنظمات والأحزاب، وهو ما يجعل حالة الاقتصاد تتعكر”.
وازداد العجز التجاري سوءًا (من 7.5 في المئة في 2011 إلى 13.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العام) ولم تتجاوز المدخرات الوطنية الإجمالية متوسط معدلها 10.8 في المئة من الدخل المحلي الإجمالي (الدخل المحلي الإجمالي المتاح) خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 (مقابل 21.5 في المئة خلال العقد السابق).
وانخفض معدل السيولة في سوق الأوراق المالية بشكل كبير منذ عام 2015 (انخفض إلى 39 في المئة في عام 2019 مقابل 57 في المئة في عام 2014) بسبب عدم ثقة المستثمرين في السوق والهيئات التي تنظمها وعدم تنوع الأدوات المالية.
وكشف المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية أيضًا عن خسارة في حصته السوقية في الاتحاد الأوروبي، حيث انخفض مستواها من 0.62 في المئة عام 2010 إلى 0.55 في المئة في المتوسط خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2016 ، وإلى 0.51 في المئة عاميْ 2017 و2018.
وبلغ معدل البطالة 16.2 في المئة في المتوسط خلال فترة ما بعد الثورة (مقابل 13.5 في المئة في المتوسط خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2010).
وقادت كافة هذه المؤشرات، إلى جانب انخرام الموازنة العامة وتراجع محركات النمو، إلى خفض وكالة التصنيف الائتماني “موديز” لتصنيف تونس السيادي من “ب 2” إلى “ب 3” مع الإبقاء على آفاق سلبية.
ويؤشر هذا التخفيض وفق معايير الوكالة على أن المرحلة القادمة قد تتسم بزيادة تخفيض الترقيم السيادي لتونس إلى “ج.أ.أ -1” أي أن البلد قد يصبح مصنفا في موقع عالي المخاطر بمعنى عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد