الطريق الأمثل لتونس لتحسين الدخل القومي وتوفير مقومات الرفاه للتونسيين
مقدمة نجحت تونس خلال العقود القليلة الماضية في تسجيل معدلات نمو في حدود الــ 5% وتحقيق المزيد من الرفاه والحد من الفقر حيث بلغ الدخل الفردي بالدولار الأمريكي 4141 سنة 2010 مقابل 2027 دولار سنة 1980. ويواجه الاقتصاد التونسي منذ جانفي 2011 عديد التحديات الهيكلية أهمها انخفاض نسبة النمو التي لم تتجاوز معدل 1.7% في فترة 2011-2019 مقابل 4.3% خلال العشرية السابقة (أنظر رسم بياني رقم 1 و2 و3) وتفاقم البطالة التي استقرت في حدود 15% وهي نسبة تبعث على الانشغال خاصة أن البطالة تهم بالأساس حاملي الشهادات العليا لتبلغ 30.1% أي 281 ألفا في الثلاثية الثالثة لسنة 2020 (أنظر الجدول عدد 1). والجدير بالذكر أن العوائق الحالية ليست بجديدة بل هي امتداد لتراكمات سابقة تعود إلى تعطل منوال التنمية الذي بلغ حدّه وغياب الإصلاحات الجذرية. ويفسر هذا المسار بتواتر مجموعة من العوامل والسياسات الداخلية والخارجية غير الملائمة نذكر منها بالخصوص الاضطرابات الاجتماعية وعدم استقرار الوضع الإقليمي مع تأثير انخفاض الطلب الخارجي لا سيما على الصناعات المعملية من طرف الإتحاد الأوروبي الشريك الأكبر للاقتصاد التونسي. وعمّقت الأزمة الصحية الأخيرة (فيروس كورونا التاجي المستجد) هذه الإشكاليات إذ قيدت حركة التجارة الدولية بما لذلك من آثار ركودية على كافة قطاعات الإنتاج نظرا لانفتاح الاقتصاد الوطني واندماجه في الاقتصاد العالمي. ومن المنتظر حسب بعض التقديرات الكمية أن تكون نسبة النمو سلبية (-7.3%) في موفى سنة 2020 وهو معدل نمو أقل من معدل سنة 2011 البالغ -1.9% (أنظر رسم بياني رقم 4). ويفرض هذا الإطار وجوب التحول من نموذج النمو الحالي القائم على الاستخدام الكثيف لليد العاملة ذات المهارات المنخفضة إلى منوال تنمية جديد يرتكز أساسا على المعرفة والابتكار والتكنولوجيات الحديثة بالنظر إلى انعكاسه الإيجابي على المردودية الجملية لوسائل الإنتاج (أحد أهم محركات التنمية في الاقتصاديات الناجحة)، والمساهمة في خلق فرص العمل اللائق. وفي هذا السياق تجدر الملاحظة أن تونس حققت منذ سنوات وبصفة تدريجية وبطيئة شوطا على هذا الصعيد. فالاقتصاد التونسي يمتاز بتنوعه وارتقائه إلى مستوى التعقيد الاقتصادي وذلك نتيجة الاجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة منذ إمضاء اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي سنة 1995 وكذلك الاستثمار في التعليم منذ الاستقلال. وتبعا لذلك، احتلت تونس سنة 2018 المرتبة 96 من مجموع 137 بلدا من حيث الناتج المحلي الإجمالي (بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي)، والمرتبة 79 في إجمالي الصادرات، والمرتبة 78 في إجمالي الواردات، والمرتبة 64 في أكثر الاقتصاديات تعقيدا وفقا لمؤشر التعقيد الاقتصادي(Economic Complexity Index-. ويشير هذا التصنيف إلى أن تونس تتفوق في الأداء من حيث التعقيد الاقتصادي على مستوى تنميتها مما يدل على ان هذه القدرة على التعقيد غير مؤطرة بما يكفي باستراتيجيات واضحة تجعل منها رافعة للنمو. وقد خلصت العديد من الدراسات التجريبية إلى أن البلدان التي ارتفعت وتيرة التحاقها بالدول المتقدمة هي تلك التي تضمنت سلة صادراتها منتجات أكثر تطورا، أي المنتجات التي لا تعتمد على ميزة تكلفة العمالة غير الماهرة بل على محتواها التكنولوجي. ويبقى لتونس هامش تحسن على مستوى التعقيد الاقتصادي لا سيما أن الترقيم سجل، بالرغم من تحسنه طيلة 20 سنة (1995-2014)، انخفاضا طفيفا منذ 2015 (أنظر رسم بياني رقم 5 و6). كما عززت تونس الإنفاق العام على التعليم، والذي تراوح بين 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 1980 و6.6٪ في 2015 ممثلا بذلك 22٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي على مدى فترة طويلة (1980-2015). وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أن نلاحظ أن معدل معرفة القراءة والكتابة للبالغين (كنسبة مئوية من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاما فأكثر) قد بلغ 80٪ منذ عام 2012، متجاوزا معدل المغرب البالغ 74٪ (في 2018 و70٪ في 2012). وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2014، بلغ متوسط عدد سنوات الدراسة للسكان (15 سنة فأكثر) 7.8 سنوات (3 سنوات للمدرسة الابتدائية، و3.5 سنوات للتعليم الثانوي و1.3 سنة للتعليم العالي) حسب التعداد العام للسكان والسكنى. وهذا المعدل أعلى بقليل من المتوسط في البلدان النامية (7.4 سنوات)، إلا أنه يظل أقل بقليل من المتوسط العالمي (8 سنوات). علما أن تونس بصدد التقليص من هذه الفجوة التي مرت من 1.7 سنة 1990 إلى 0.2 فقط سنة 2014. ويؤكد تصنيف تونس حسب مؤشر الابتكار العالمي الذي تنجزه المنظمة الدولية للملكية الفكرية بتقييم 131 بلدا عبر استخدام 80 مؤشرا فرعيا بما في ذلك التعليم والبنية التحتية والاستقرار السياسي وما إلى ذلك، النقلة النوعية التي شهدتها البلاد في بعض ركائز الابتكار نذكر منها مخرجات تكنولوجيا المعرفة (المرتبة 52 من 131 بلدا)، ورأس المال البشري والبحث (المرتبة 38) ومخرجات إبداعية (المرتبة 63) (أنظر رسم بياني رقم 7) غير أن ذلك لا يجب أن يصرف انتباهنا عن عدد من النقائص الهامة نخص بالذكر منها ضعف درجة التعاون بين الجامعة والمؤسسات الصناعية والاقتصادية (المرتبة 95 من 131 بلدا). وما من شك أن الإصلاحات المؤسساتية ما بعد الثورة التي تجلت في دعم الحريات الاقتصادية عن طريق التشريعات والقوانين التحفيزية (قانون الاستثمار، قانون المؤسسة الناشئة …) وبصفة عامة في إرساء، حتى ولو بنسبة غير كافية، مقومات الحوكمة الرشيدة بمختلف أبعادها من مساءلة وتكريس دولة القانون، تساهم في خلق مناخ ملائم لتحرير المبادرة الخاصة والابتكار والدفع نحو اقتصاد يتميز بقدرة تنافسية عالية. وعليه، تمتلك تونس اليوم العديد من الإمكانيات لإجراء تحول هيكلي للاندماج في اقتصاد المعرفة بنجاح على الرغم من بعض أوجه القصور. فالاقتصاد الوطني منفتح على بقية العالم بما يساهم في نقل التكنولوجيا واكتساب تدفق المعرفة، علاوة على وجود طاقات شبابية مدربة ومتعلمة بالجامعات وشبكة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ومراكز البحث والأقطاب التكنولوجية والمؤسسات الصناعية المتقدمة والجمعيات العلمية أثبتت قدرتها على الابتكار وإيجاد الحلول التقنية على غرار تطوير التطبيقات الإعلامية واستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال الأزمة الصحية الأخيرة لفيروس كوفيد 19. ويمثل هذا التوجه نحو اقتصاد المعرفة والابتكار الخيار الوحيد لتونس لتحسين الدخل القومي وتوفير مقومات الرفاه العادل للمواطن وفرص الشغل الكريم خاصة لخريجي التعليم العالي. منظومة بحثية متميزة إقليميا أمام تحدي إهدار المعرفة المنتجة وطنيا تمثل المنظومة الوطنية الحالية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار العديد من المؤسسات العمومية والخاصة على غرار الجامعات وشبكة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ومراكز ومعاهد البحث والأقطاب التكنولوجية والمراكز الفنية ووسطاء نقل التكنولوجيا. ويمكن توزيع هاته المؤسسات على أربعة أقسام أساسية: • قطاع التعليم العالي والبحث العلمي،• القطاع الفني والمهني،• الأقطاب التكنولوجية والمجموعات التنافسية،• قطاع التنشيط والتسيير والوساطة للبحث والتطوير ونقل التكنولوجيا. وقد شهد حجم ونوعية الإنتاج البحثي في تونس زيادة كبيرة خاصة في السنوات القليلة الماضية مع توفر عدد من المبادرات التي تشجع على البحث العلمي مثل تكثيف إنشاء المخابر ومراكز البحث، وبعث بعض البرامج البحثية التنافسية وانخراط تونس في عضوية بعض البرامج البحثية الأوروبية على غرار Horizon 2020 وERASMUS+ وPRIMA. وبالتالي تحسن الأداء البحثي تدريجيا كما تؤكده عديد التصنيفات الدولية، حيث تم تصنيف تونس في المرتبة 59 من بين 222 دولة باعتماد العدد المطلق للمنشورات إلى موفى شهر نوفمبر 2020 (6)، وفي المرتبة 13 من جملة 131 دولة مع ربط عدد المنشورات بالناتج المحلي الإجمالي (مؤشر الابتكار العالمي، 2020). كما تم ترتيب جامعة تونس المنار ضمن أفضل 1000 جامعة في العالم بناء على تصنيف شنغهاي لعام 2020 والذي يرتكز كليا على التميز البحثي. بالإضافة إلى ذلك، تظهر خمس جامعات تونسية ضمن أول 500 جامعة في تصنيف شنغهاي العالمي للاختصاصات الأكاديمية 2020 في ثلاثة مجالات، وهي الهندسة والعلوم الاجتماعية والعلوم الطبية(7). هذه الأرقام تثبت جليا أن تونس قادرة على المضي نحو التميز البحثي والمنافسة العالمية بشكل جدي في مجال البحث العلمي. هذا، ومن المنتظر أن تتدعم هذه النتائج بشكل لافت خلال السنوات القادمة مع وضع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حوافز جديدة في عام 2018 لتشجيع الباحثين على النشر في المجلات الدولية المرموقة وتغيير نظام تمويل المخابر ووحدات البحث لتأخذ بعين الاعتبار المنشورات العلمية بشكل أساسي لدفع الباحثين على الاستمرار في الرقي بإنتاجهم البحثي. ورغم هذا الأداء الإيجابي، إلا أن نتائج البحث العلمي بمخابر ووحدات البحث تبقى في الغالب في شكل مخرجات علمية ذات بعد نظري، أو غير موجهة بما يكفي لإحداث تأثير فعلي على البيئة الاجتماعية والاقتصادية. ويرجع ذلك بالأساس لغياب إستراتيجية تعمل على حث الباحثين على تطوير مخرجات ذات طابع تطبيقي يثمن نتائج البحوث ويعطي حلولا عملية للمشاكل الحقيقية في المحيط الاقتصادي والاجتماعي. وتسبب غياب الإستراتيجية في اهدار حاد للمعرفة المنتجة وطنيا. مثل هذه الإستراتيجية يمكن أن تتدارك ضعف الربط الوظيفي ونقص العلاقة التفاعلية بين قطاع البحث وميادين التطبيق مرورا بقطاع نقل التكنولوجيا وصولا إلى قطاعات التنزيل بما في ذلك الإنتاج والإدارة والمجتمع بقضاياه الكبرى. وبالتالي، فإن الإشكاليات البحثية التي يتناولها الباحثون تبقى غالبا في دائرة الإنتاج المعرفي حيث ينحصر تثمينها في تنمية الإشعاع العلمي لمؤلفيها ولمؤسساتهم ولفتح مجالات الترقية في المناظرات مما يحد من فرص إنتاج المعرفة القادرة على تنمية الثروة وإحداث انعكاس ملموس وتوفير حلول علمية لرفع مستوى أداء الصناعة وقطاعات الإنتاج الأخرى في البلاد وكذالك المساهمة في حل القضايا المجتمعية. وجود مقومات النظام البيئي للابتكار مع ضعف التوجيه الإستراتيجي الأفقي والقيادة العملية إن توظيف نتائج البحث لخدمة مختلف المستفيدين عملية معقدة تتطلب نسبة كافية من التناغم بين قطاعات الإنتاج واحتياجات المجتمع من جهة وعناصر النظام البييئي للبحث والابتكار من جهة أخرى، وذلك من خلال الدور التوجيهي لإستراتيجيات وسياسات وبرامج واضحة تنشئها الدولة وتشرف عليها وتعمل على ضمان نجاحها، حيث لم يتقدم البحث العلمي بخطواته الأولى على طريق رسم أولويات وتوجهات واضحة تتبناها الدولة إلا خلال السنوات القليلة الماضية، ولم ترافق تلك التوجهات إلا خطوات تعتبر ضعيفة ومعزولة إلى حد ما لتثمين البحث العلمي ودفعه نحو الارتقاء بالأداء من أجل تحقيق حلول فعلية للمشاكل الحقيقية، حتى وإن كانت أولى المبادرات ترجع إلى سنة 2002. فقد تم إطلاق عدد من البرامج الوطنية لتوجيه الجهود البحثية نحو التثمين. كما تم إحداث مؤسسات للتصرف في نتائج البحث على غرار الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي والإدراة العامة لتثمين البحث سنتي 2006 و2010 تباعا. وقد تم تحديد أولويات البحث الوطنية في عام 2017 مع تقديم بعض المنح التنافسية لتوجيه المخابر والوحدات للعمل بشكل مشترك مع الصناعة لخلق القيمة المضافة وحل المشكلات الميدانية المعقدة. وفي هذا الصدد، يمكن ذكر برنامج البحث الإيلافي (تم بعث هذا البرنامج في 2002) وبرنامج MOBIDOC وبرنامج PAQ- PromESsE كأمثلة لبرامج وضعتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لدعم الشراكة بين مؤسسات البحث والصناعة. و قد انخرطت الدولة انطلاقا من العشرية الفارطة في تعزيز الروابط البحثية بالصناعة وقطاعات الإنتاج، وتثمين نتائج البحث، وتطوير نظام بيئي يضم مكونات هامة لكنها لا تزال في حاجة إلى تعزيزات نوعية لتطوير التكنولوجيا ونقلها وتسويقها. وقد تم ذلك من خلال إقرار تشريعات داعمة، وإنشاء هيئات استشارية وتنفيذية، وإطلاق العديد من البرامج لتدعيم البنية التحتية وتوفير اعتمادات لتمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتشغيل مشاريع البحث والتطوير. كما تم تدعيم الإطار التوجيهي لبرامج وأنشطة البحث والتطوير التي ينظمها القانون الإطاري للبحث العلمي والتطور التكنولوجي (القانون 96-6 الصادر في جانفي 1996) من خلال التوجهات الإستراتيجية المنبثقة عن المؤتمر الوطني لتفعيل إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي سنة 2017، ووضع توجهات إستراتيجية وطنية لتطوير منظومة البحث والابتكار للفترة 2017-2022 تعتمد أساسا على أربعة محاور تخص حوكمة القطاع وتنظيمه إلى جانب ست تخصصات ذات أولوية إستراتيجية للبحث العلمي: • الأمن المائي والطاقي والغذائي • المشروع المجتمعي والتعليم والثقافة والشباب • صحة المواطن • الانتقال الرقمي والصناعي • الحوكمة واللامركزية • الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة ويلاحظ أن هاته الأولويات المحورية تتموقع في قلب الأزمات الحالية التي تمر بها البلاد وخاصة منها الصحة والاقتصاد والأمن. وتظل التوجهات الإستراتيجية التي تم تطويرها في هذا السياق عامة وسطحية في ظل غياب رؤى تربط الاحتياجات التنموية الإستراتيجية بمنظومة البحث والابتكار، وأيضا في عدم استمرارية وظيفية متناغمة بين عمليات إدارة البحث وإدارة الابتكار. نتيجة لهاته الديناميكية، فقد شهد البحث والتطوير في السنوات الأخيرة خطوات محتشمة ولكنها متسارعة وواعدة. كما أنها تزامنت مع التزام أكبر من قبل مختلف الفاعلين في مجال تثمين البحث، وإنتاج براءات الاختراع، ونقل التكنولوجيا، وإنشاء الشركات الناشئة والفرعية على الرغم من الخبرة المحدودة في إدارة التكنولوجيا والابتكار، وهي إحدى نقاط الضعف الرئيسية في نظام التعليم العالي والبحث العلمي التونسي. وبينما لا تزال هذه التجربة في مراحلها الأولى، فإن النتائج تبدو مشجعة وتُؤكد الإمكانات الجيدة للباحثين التونسيين للتكيف مع هذا المسار الجديد. فبرنامج Horizon 2020 الأوروبي لدعم البحث والابتكار هو أحد الأمثلة التي تُظهر قدرة الباحثين التونسيين على المنافسة الجدية على الصعيد العالمي أمام فرص تمويل المشاريع الموجهة نحو التكنولوجيا وبمعدلات نجاح عالية إلى حد كبير حتى ولو بقيت مسألة التثمين في المجال الاقتصادي والاجتماعي لمخرجات هذه المشاركة مطروحة بقوة على الصعيد الوطني. كما تدعمت هذه التوجهات بمبادرات أخرى من جهات عدة، حيث تم إنشاء الهيئات الوسيطة من مختلف الوزارات لدعم التكنولوجيا والابتكار، نذكر منها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد تحت إشراف وزارة الصناعة، ووكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تحت إشراف وزارة الفلاحة، ومكاتب نقل التكنولوجيا بالجامعات ومراكز البحث والأقطاب التكنولوجية، وصندوق الودائع والأمانات تحت إشراف وزارة المالية، والمعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية تحت إشراف وزارة الصناعة. وأنشأت تونس العديد من الأقطاب التكنولوجية موزعة على العديد من جهات البلاد ومتخصصة في مجالات تكنولوجية مختلفة، غالبا ما تعتمد على الميزات التنافسية لكل جهة. ترتبط هذه المجالات بشكل خاص بالتكنولوجيا الحيوية، والطاقات المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والمياه، والملتميديا، والصحة الرقمية، والصناعات الغذائية الفلاحية، والنسيج، والميكانيك، والإلكترونيات، والحوسبة. ولكن تبقى نتائج هذه الجهود متواضعة مقابل حجم الاستثمارات التي تمت في هذا السياق وذلك أساسا نتيجة ضعف التوجيه والتنسيق الأفقي ونقص القدرات الفنية والتنظيمية المتعلقة بمجال نقل التكنولوجيا وإدارة الابتكار، إضافة إلى التعقيد الإجرائي على المستوى الإداري. وعرفت تونس خلال السنوات الأخيرة إنشاء مبادرات جديدة في مجال برامج حاضنات الأعمال رغم انها غير مدرجة في إطار تمشي إستراتيجي، ونذكر هنا بالأخص برنامج صندوق الودائع والأمانات بالشراكة مع وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ومبادرة المؤسسات الناشئة (Startup Act). كما تطور عدد كبير من حاضنات الأعمال العمومية والخاصة لاستيعاب الشركات الناشئة (Startup) والشركات المنبثقة عن مخرجات البحث والتطوير (Spinoff)، ودعم ريادة الأعمال بجميع مراحلها، انطلاقا من المساعدة على نضج الفكرة إلى التشغيل الكامل؛ بما في ذلك المرافقة في خطط الأعمال وفرص الاستثمار والتدريب وكذلك توفير المرافق وقواعد البيانات والخبرات المشتركة. وقد تم توزيع هذه الحاضنات على نطاق واسع في العديد من المدن، داخل الأقطاب التكنولوجية والجامعات والمعاهد العليا للدراسات التكنولوجية ومراكز البحث. أمثلة عن الحاضنات النشيطة تشمل Wiki Startup وهي أول حاضنة خاصة أطلقتها Carthage Business Angels بدعم مالي من CAPITALease Seed Money. E2BI هي أول حاضنة أعمال في المجال الأكاديمي، التي تم إطلاقها بالشراكة بين المدرسة العليا للعلوم الإقتصادية والتجارية بتونس والمدرسة الوطنيه العليا للمهندسين بتونس. كما تم إطلاق IncubCher Spinoff بواسطة الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي لمشاريع بحثية مبتكرة ترمي إلى تحقيق فوائد عالية القيمة. أيضًا، عدد من مؤسسات تعجيل الأعمال تم تأسيسها لتكثيف بعث الشركات الناشئة. على سبيل المثال، NetworkLab، المنتصبة بقطب الغزالة لتكنولوجيات الاتصال، متخصصة في النماذج الإلكترونية، وإنترنت الأشياء، والتصنيع الرقمي. Lab’ess-Tunisia هي معجل للمشاريع الاجتماعية المبتكرة وYunus Social Business أطلقتها Yunus Foundation بالشراكة مع البنك الأفريقي للتنمية لدعم الأعمال الاجتماعية، على سبيل المثال لا الحصر. كما تم تطوير العديد من برامج نقل التكنولوجيا والتسويق. من ضمن هذه البرامج، يمكن ذكر برنامج تثمين البحث، والبرنامج الوطني للبحث والابتكار، ومشروع الاستثمار في البحث والتطوير، والاستثمار التكنولوجي ذي الأولوية، وتونس الرقمية 2018، وبرنامج دعم منظومة البحث والتجديد (PASRI)، وبرنامج الصندوق المشترك للتوظيف في رأس مال (IN’TECH)، ونظام التشجيع على الابتكار والتجديد في مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصال (RIICTIC)، وتمويل شركة إقدام للتصرف (IKDAM GESTION) وبرنامج دعم الجودة (PAQ). ورغم أن بعض هذه البرامج أنشئت منذ فترة ليست بالقصيرة، إلا أن النتائج التي تحققت تعد دون المأمول. كما تم إنشاء بعض الشبكات الصناعية بالتعاون مع الأقطاب التكنولوجية وبعض الهيئات الداعمة لتلعب دور محركات النمو. يشار إليها باسم “مجموعات الابتكار”، على غرار مجموعات الأغذية الفلاحية، ومجموعة الميكاترونيك بالقطب التكنولوجي بسوسة، ومجموعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية والنسيج. أداء ابتكاري وتكنولوجي متواضع على الرغم من أهمية الاستثمارات الوطنية على الرغم من مشاركة تونس النامية في التكنولوجيا والابتكار، لا يزال الأداء دون المأمول اعتبارا للاستثمارات الهامة التي وضعتها الدولة في هذا المجال، كما تدعمه العديد من مؤشرات الأداء مثل مؤشر الابتكار العالمي، ورأس المال الاستثماري العالمي والأسهم الخاصة، ومؤشر جاهزية الشبكة. في الواقع، فإن برامج البحث والتطوير الحالية المعززة بالتعاون مع الصناعة غير قادرة ،في جزء كبير منها، بسبب حجم ميزانيتها المحدودة، وانعزالها عن بعضها، وتعقيداتها الإجرائية غير الجاذبة للمؤسسات الخاصة، وتعدد آلياتها، على إحداث تأثير ملموس على النطاق الاقتصادي. ورغم أن قانون الشركات الناشئة (Startup Act) الذي تم إطلاقه عام 2018 ساهم في ارتفاع عدد الشركات الناشئة التي تم بعثها مؤخرا في تونس، لا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وأعطى بعض المؤشرات الواعدة، إلا أنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لإظهار تأثيره المحتمل في تعزيز الشركات المبتكرة في تونس وإثبات قدرته على الاستدامة والمنافسة. ولتوضيح محدودية الأداء الحالي، فبالنظر إلى الشراكة بين الجامعة والمؤسسة، تحتل تونس مرتبة أقل بكثير من المرجو (95 من 131 بلد، حسب مؤشر الابتكار العالمي لسنة 2020)، حيث أن نظام الابتكار التونسي يتسم بالركود بين مرحلتي البناء واكتساب النضج ولا يزال جمع ونشر المخرجات التكنولوجية التونسية محدودان، فالقواعد التنظيمية للملكية الفكرية وإن كانت قائمة الذات ولكن هذا لا يكفي لضمان النشر الفعال للخدمات والوظائف والكفاءات التي تدعم إدارة الملكية الفكرية. في المقابل، توجد بعض التجارب الإيجابية التي من الممكن تطويرها وتوسيعها والتي تثبت قدرة البلاد على تلمس طريقها لتصبح دولة تكنولوجية، اقتصادها معرفي وتستثمر في الابتكار لخلق الثروة، حيث تثبت الأرقام المعروضة أن تونس تكتسب قدرات في إنتاج التكنولوجيا ونقلها وتسويقها وتتقدم في الانخراط بنجاح في العلوم والتكنولوجيا والابتكار. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، فقد أظهر البرنامج البحثي الحديث “مبادرة تونس لمكافحة الكوفيد 19″، إمكانات عالية لإيجاد الحلول التكنولوجية وخلق القيمة المضافة في وقت قياسي رغم النقص في الإمكانيات المادية وغياب إستراتيجية وطنية لتطوير التكنولوجيا. كما أنشأت بعض القطاعات مثل البحوث الفلاحية سياسات محددة وعمليات أساسية لنشر الأصناف النباتية المعتمدة. كما يشهد النظام البيئي للتكنولوجيا بالبلاد تراكم المكونات بوتيرة متسارعة من بنية تحتية ومؤسسات الدعم التكنولوجي وحاضنات ومعجلات وشركات ناشئة، فضلا عن البرامج والمبادرات وأعمال التدريب مما انعكس بشكل إيجابي على الإنتاج التكنولوجي من براءات اختراع ونتائج بحثية ذات أبعاد تطبيقية. وبالتالي، يمكن اعتبار هذه الديناميكية مؤشرا يساعد على توفير مقومات الانتقال الناجح إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا في البلاد إذا تم وضع إستراتيجية وطنية مناسبة وتم إحكام الربط بين الإنتاج التكنولوجي والاحتياجات التكنولوجية لمختلف الأطراف الفاعلة بشكل يضمن التوظيف الفعلي لنتائج البحث والتطوير بما يحقق الإضافة النوعية ويساهم في خلق الثروة. إحداث مركز وطني متخصص في العلوم والتكنولوجيا والابتكار: خطوة جادة نحو الانتقال إلى اقتصاد المعرفة يمكن اختصار تعثر الأداء الابتكاري والتكنولوجي للبلاد رغم ما تشهده مؤخرا من مبادرات متزايدة في ثلاث عناصر هامة ذات علاقة بالبعد المنهجي، والبعد التنظيمي، والبعد الهيكلي. وسيتم التطرق في ما يلي إلى العراقيل الأساسية في كل من تلك العناصر. من الناحية المنهجية، تشهد التوجهات الإستراتيجية غيابا بارزا لخطط البحث والابتكار ودورها الوظيفي والاستباقي المتمثل في تغذية المخططات الخماسية المستقبلية والجارية للدولة بابتكارات وحلول عملية قابلة للتوظيف في تنمية البلاد اعتمادا على المعرفة، مما ساهم في نقص العمق الإستراتيجي لدور البحث والابتكار في ظل غياب توجهات إستراتيجية واضحة وطويلة الأجل في مجالات التنمية. إن الأمثلة الحديثة الناجحة لارتقاء اقتصاديات بعض البلدان النامية إلى اقتصاد المعرفة والابتكار تبرز أهمية الدور الاستباقي للدولة المتمثل في رسم وتنزيل إستراتيجيات وسياسات وطنية أفقية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تربط هذه المجالات بمتطلبات المجتمع من رفاه العيش والتشغيل من جهة، وبمتطلبات الاقتصاد من عناصر التنافسية من جهة أخرى، وذلك اعتمادا على تطوير ابتكارات محلية وتحكم وتوظيف أمثل للابتكارات المستوردة. إن مثل هذه الإستراتيجيات والسياسات الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تعتبر عامل تسريع لتنمية قطاعات الإنتاج بنسب كثافة تكنولوجية وقدرة تنافسية عاليتين. وفي هذا السياق، يمكن القول أن تونس تمتلك عدة قطاعات واعدة كان من المنتظر أن تساهم بصفة فاعلة في تحويل منوال الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد المعرفة والابتكار الذي يبقى، كما أشرنا اليه سابقا، الخيار الوحيد لتحسين الدخل القومي وتوفير مواطن الشغل الكريم خاصة لخريجي التعليم العالي، إلا أن أداءها إلى حد الآن يظل متواضعا كما يؤكده مؤشر التعقيد الاقتصادي الوطني والترتيب الدولي لتونس خلال ربع القرن الأخير (معطيات مرصد التعقيد الاقتصادي للفترة 1996-2018)، حيث أن الإصلاحات المعزولة المتعلقة بتحسين قدرة أداء منظومات البحث والابتكار لاتكفي وحدها لتوفير مستوى تأثير ملحوظ اقتصاديا واجتماعيا، فمختلف المبادرات والبرامج والهياكل ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار تعمل بشكل شبه معزول في غياب إستراتيجية أفقية وطنية توضح الرؤية والأهداف المرحلية والإستراتيجية والسياسات العامة والخطط التنفيذية مع المتابعة وتقييم الأداء وتحدد الاحتياجات المختلفة لضمان الجودة وبلوغ الأهداف بشكل متناغم بين مختلف المكونات الفاعلة ودعم أدوارها وجمع مجهوداتها وتوجيهها نحو مساهمة قوية في تنمية المجتمع والاقتصاد الوطني واستنادا إلى الأولويات الظرفية والإستراتيجية وباعتماد أفضل الممارسات الدولية وقصص النجاح المحلية والعالمية. وبالتالي فان تونس تفتقر حاليا وبحدة إلى إستراتيجية دولة في العلوم والتكنولوجيا والابتكار توضح خارطة الطريق التي يجب توخيها للتموقع ضمن الدول القادرة على إنتاج التكنولوجيا والاستثمار فيها بهدف الانتقال إلى اقتصاد معرفي وتحقيق التنمية المستدامة وبالتالي الخروج من اقتصاد الدخل المتوسط والريع الذي علقت فيه تونس منذ مدة طويلة رغم عدم قدرته على توفير مقومات العيش الكريم والحد الأدنى من الرفاه للمواطنين كما تشير اليه الازمات الاجتماعية المتتالية التي مرّت ولا تزال تمرّ بها البلاد التونسية. من ناحية تنظيمية، تعتمد منظومة العلوم والتكنولوجيا والابتكار في تونس على ثلاثة مستويات للحوكمة • مستوى التوجيه الاستراتيجي والسياسات الأفقية: البرلمان والحكومة والهيئات الاستشارية العلمية والتكنولوجية • مستوى تنفيذ السياسات: الوزارات والوكالات ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتي تتضمن عمليات التصرف والتنفيذ ونقل التكنولوجيا والتسويق • مستوى الأداء والدعم: الجامعات وشبكة المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية، ومراكز ومعاهد البحث، والمراكز الفنية، وقطاع الأعمال الذي يدعم نقل التكنولوجيا وعمليات التسويق من أجل تعزيز التنمية على المستويات الجهوية والوطنية والدولية. هذا، وتبقى مختلف الهياكل والقطاعات تعمل في عزلة ودون تنسيق بينها، بحيث يكون الانخراط في جهود كل جهة مقتصر على منسوبيها، وبالتالي تكون النتائج ذات تطبيقات محدودة ومهمشة. كما أنه لايوجد في تونس هيكل رسمي مفوض على وجه التحديد لزيادة الوعي وبناء القدرات في مجال هندسة سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، فالتقييم الحالي لأنشطة العلوم والتكنولوجيا والابتكار يركّز بشكل أساسي على الهياكل والمشاريع البحثية. وينبغي توسيع عملية التقييم لتشمل سياسات وبرامج العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وكذلك أنشطة نقل التكنولوجيا للسماح لمنظومة العلوم والتكنولوجيا والابتكار بتطوير أدائها كَمًّا وكيفا وبطريقة أسرع. بشكل إجمالي، فإن أوجه القصور المذكورة أعلاه والقيود الهيكلية وكذلك التنظيمية والتنفيذية تؤكد بوضوح الحاجة الماسة والعاجلة إلى إحداث مركز وطني متخصص في العلوم والتكنولوجيا والابتكار يساهم، من خلال تطوير الإستراتيجيات والسياسات والأبحاث ذات الصلة، في استغلال الإمكانات العلمية لمنظومة البحث والتطوير الوطني وتعزيز قدرتها من حيث التطور التكنولوجي والابتكار والنشر، إضافة إلى التنسيق بين مختلف مكونات منظومة العلوم والتكنولوجيا والابتكار لتوحيد الجهود وتوجيه المسارات لضمان انتقال تونس بنجاح إلى اقتصاد قائم على المعرفة. كما أنه، وفي ظل عدم تفعيل دور الهيئات الاستشارية العلمية التي تم إنشاؤها جزئيا لهذا الغرض، فإن هذا المركز بوسعه أن يقوم بمهمة لجنة تفكير تُعنى بالتوجهات البحثية الحالية والمستقبلية، وتعمل على تطوير وتنفيذ ومتابعة سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار. من ناحية هيكلية، فإن البنية التحتية للتكنولوجيا الحالية تفتقر إلى نظام معلومات خاص بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار. إن مثل هذا النظام يعتبر أساسيا في تغذية مختلف الفاعلين في القطاع بالمعلومة التي من شأنها أن تساعد على تطوير الأداء الابتكاري بشكل نوعي تشريعيا وفنيا وإجرائيا، وتساهم في أعمال التنسيق الجماعي والاستفادة السريعة من مختلف قواعد البيانات ذات الصلة. وحتى تتم معالجة هذا العائق بالسرعة المطلوبة وبالتكلفة الدنيا، يمكن أن تساعد أنظمة المعلومات التقليدية لإدارة ميزانية الدولة والموارد البشرية في اشتقاق البيانات لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار بالتعاون مع المرصد الوطني للعلوم والتكنولوجيا، والذي يمثل الهيئة المختصة في جمع البيانات وإنتاج لوحة معلومات وطنية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار، إضافة إلى بعض الوكالات والمنظمات الأخرى التي لديها دور في مجالات معلومات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، على غرار المركز الوطني الجامعي للتوثيق العلمي والتقني. الخاتمة أظهرت تونس إمكانات هامة وخطت بشكل كبير، ولو ببطء مقارنة بمسار بلدان كانت في وضع مماثل، نحو دولة ذات أداء علمي وتكنولوجي. ويمكنها التغلب على العوائق المتبقية وتكييف مخرجاتها البحثية الواعدة مع المنتجات التكنولوجية عالية القيمة. وفي هذا الاطار، وجب وضع إستراتيجية دولة واضحة وطويلة الأجل في العلوم والتكنولوجيا والابتكار ترسم خارطة الطريق التي يجب توخيها للتموقع ضمن الدول القادرة على إنتاج التكنولوجيا والاستثمار فيها، وذلك بهدف الانتقال، بنسق مسرع وبأقل تكلفة، إلى اقتصاد معرفي يسمح بتحقيق التنمية المستدامة ويحث الباحثين على تطوير مخرجات ذات طابع وشكل تطبيقي للتمكين من تثمين نتائج البحث واستخراج حلولا عملية للمشاكل الحقيقية في المحيط الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي، ستمكن هاته الاستراتيجية من جهة من تدارك ضعف الربط الوظيفي ونقص العلاقة التفاعلية بين قطاع البحث وميادين التطبيق مرورا بقطاع نقل التكنولوجيا وصولا إلى قطاعات التنزيل بما في ذلك الإنتاج والإدارة والمجتمع بقضاياه الكبرى، ومن جهة أخرى من تركيز الجهد الوطني من بحث وابتكار وانتاج وتصنيع على قطاعات الإنتاج السيادية والواعدة التي تملك فيها تونس صفات تفاضلية اعتمادا على توظيف المعرفة. ومن هنا تبرز أهمية الدور الاستباقي للدولة المتمثل في رسم وتنزيل إستراتيجيات وسياسات وطنية أفقية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تربط مجالات البحث العلمي والتكنولوجي والابتكار بحاجيات المجتمع من رفاه العيش والتشغيل من جهة، وبمتطلبات الاقتصاد من عناصر التنافسية وخلق القيمة من جهة أخرى، وذلك اعتمادا على تطوير ابتكارات محلية وتوظيف أمثل للابتكارات المستوردة. ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لإنشاء مركز وطني للعلوم والتكنولوجيا والابتكار يساهم، أولا من خلال تطوير الإستراتيجيات والسياسات والأبحاث ذات الصلة، في تكتل وتظافر الجهود المتفرقة، وثانيا وعبر الإشراف على أعمال التقييم والتحسين المستمر للسياسات الأفقية للدولة في تصويب أنجع لبرامج البحث والتطوير والابتكار على الأهداف الاستراتيجية الوطنية والرهانات العالمية الكبرى وذلك بهدف الانتقال السلس والمسرع نحو منوال تنمية معتمد على اقتصاد معرفي يسمح بالخروج من فخ اقتصاد الدخل المتوسط والريع الذي علقت فيه تونس منذ فترة. ويمكن أن تلعب تونس دورا إقليميا هاما جنبا إلى جنب مع شركائها ومختلف المتدخلين والمستفيدين في نشر ثقافة الابتكار والتغيير اﻻﻳﺠﺎﺑﻲ. وفي هذه الديناميكية من المنتظر ان يقوم قطاع البحث بدور هام في تحديد أفضل المسارات لضمان نجاح هذا الانتقال النوعي للاقتصاد التونسي. المراجع 1. بنك البيانات، مؤشرات التنمية العالمية، البنك الدولي.2. المعهد الوطني للإحصاء، مؤشرات التشغيل والبطالة للثلاثي الثالث، نوفمبر 2020.3. منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، آفاق اقتصادية جوان 2020.4. مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC – The Observatory of Economic Complexity).5. المنظمة العالمية للملكية الفكرية 2020 (www.wipo.int).6. المركز الوطني الجامعي للتوثيق العلمي والتقني: http://www.cnudst.rnrt.tn/produits-et-services/etudes-bibliometriques// 7. تصنيف شنغهاي العالمي للاختصاصات الأكاديمية 2020: http://www.shanghairanking.com/
المصدر