القصر الرئاسي في تونس ودخان “الطائفية”
1- “لغز” قيس سعيد
صعود
“نجم” قيس سعيد المفاجئ في الانتخابات الرئاسية 2019 بداية من الدورة
الأولى ثم فوزه الكاسح على منافسه في الدور الثاني وبنسبة 27 في المئة، أثار أسئلة
عديدة حول سر هذا الصعود ومن يقف وراءه وحول هوية الرجل الفكرية والسياسية، وحول
تاريخه النضالي ومساره الأكاديمي باعتباره أستاذا جامعيا في القانون الدستوري.الأستاذ راشد
الغنوشي، زعيم أكبر حزب سياسي تونسي، قال أثناء الحملة الانتخابية إن قيس سعيد ليس
له تاريخ سياسي وليس له نص مكتوب حول الثورة، ولم يُذكر له موقف من الاستبداد زمن
حكم ابن علي.كل تلك الأسئلة كانت
عادية ومنتظرة ومطلوبة، ولكن أغرب سؤال طُرح حول الرجل هو مدى ارتباطه بالمذهب
الشيعي وبالمحور الإيراني.جدية السؤال كونه
صادرا عن أناس لهم مكانتهم المعرفية ولهم متابعون يقرأون لهم وينقلون عنهم. ومما
زاد في “ريبة” الكثيرين هو “غموض” السيد قيس سعيد وغرابة بعض
تصرفاته. فهو قليل الظهور وقليل الكلام، وإذا تكلم أثار أكثر من سؤال، إلى جانب حديثه
عن مؤامرة وعن غرف مظلمة، وحديثه عن الدستور الذي يخطه الشباب على الجدران، وكذلك
لقاءاته المتكررة بشباب الجهات، سواء حيث هم أو حيث هو في القصر الذي يمارس فيه
“مهمته” ويرفض أن يبيت فيه حتى الآن، ولا يعلم المتابعون إن كان وفاء
لانتمائه الشعبي أم توجسا أمنيا.2- علاقات قيس سعيد وأفكارهلم
يقرأ التونسيون لقيس سعيد نصوصا في السياسة والأيديولوجيا والأفكار، ولكن سمعوا له
كلاما في حوارات تلفزية حول قضايا ووقائع معينة، كما أخذوا عنه بعض الشعارات حول
حكم الجماهير والتطبيع خيانة ودستور الجدران وصرخة الرضيع، وغيرها من الصياغات
الجميلة التي هي أقرب إلى الشعر منها إلى “نظرية” في الحكم.البعض
يربطون بين السيد قيس سعيد وبين السيد رضا المكي المكنى بـ”رضا لينين”، رغم
أن الرجل يؤكد أن علاقته بالرئيس توقفت بعد انتهاء الحملة الانتخابية التي أشرف
على إدارتها. ورضا المكي قضى فترة عمل بالبحرين كموظف في مجال التعليم، وهنا يُشاع
كلامٌ عن مشاركة له في احتجاجات جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، وهي جمعية
شيعية.حين
عيّن قيس سعيد؛ طارق بالطيب، سفير تونس السابق بطهران، مدير ديوان لديه، تأول
الكثيرون أن في الأمر نزوعا سياسيا أو حتى مذهبيا، وسال حبر كثير حول احتمال حصول
اختراق إيراني للقصر الرئاسي.راج
منذ السبت خبر تعيين الرئيس السيد الطاهر الحمروني مستشارا في الرئاسة، وهو شخص
غير معروف في الوسط السياسي ولا الثقافي ولا الإعلامي أو النقابي. وما لفت الانتباه هي تعليقات عديدة حول الرجل، إذ ثمة
من كتب عن كونه بلا كفاءة ولا خبرة ولا يراه مناسبا لمثل تلك المهمة. ومثل هذا
التقييم معقول ومنطقي، إذ تقييم الأشخاص المعينين في المسؤوليات يكون على أساس
خبرتهم وتخصصهم وكفاءتهم وتجربتهم وإشعاعهم.ما لفت انتباهي هو
تركيز البعض على الهوية المذهبية للشخص، والاستناد إلى تدويناته القديمة على صفحته
في فيسبوك.للرجل (الطاهر
الحمروني) مواقف سلبية، وربما “عدائية”، من الحركات الإسلامية.3- السياسي
والطائفيإذ يتهمها في
وطنيتها، بل ويردد ما يقال من كونها أدوات لدى أطراف خارجية ويبدي سعادة بما
يعتبره “سقوطهم”.الرجل لا يخفي حماسته لمحور المقاومة، كما كثير من التونسيين،
ولا أجد له مفردة مذهبية في تدويناته، ولا أظنه يحتاج “تقية” في زمن الحرية
والديمقراطية.كان يمكن خوض معركة مع الرجل في إطار السياسة، سواء في المسار
الديمقراطي التونسي واعتباره ما حدث “ربيعا عبريا”، أو في المسائل الإقليمية
سوريا والعراق واليمن وليبيا، بعيدا عن الشحن المذهبي الذي لا أجد للرجل ما يدل
على كونه معنيا به (مع أن من مقتضيات الحرية والديمقراطية والمدنية عدم التعرض
لمعتقدات الناس، وهو ما أكده الدستور التونسي حول “حرية الضمير”).إن أسوأ ما يتهدد السياسة هو الكسل الذهني والعجز المعرفي عن
خوض “معركة التفاصيل” واللجوء إلى أسلوب “الاتهام بالجملة”،
أي وصم المنافس بما يشينه أمام عموم الناس سواء فيما يتعلق بسلوك أو معتقد أو ولاء.ولست أدري إن كان المقصود بإثارة كل هذا الغبار هو هذا الشخص أم
قيس سعيد؟قيس سعيد نجد في ذمه ما يكفي للقول بكونه ليس الخيار الأمثل،
ولا نحتاج الاشتغال على وتر المذهبية التي لم يعبر عنها، وليست من أدوات التحليل
السياسي إلا من جهة الرغبة في تصنيف الرجل ضمن “العمالة” لجهات أجنبية،
وهذا أمر بالغ الخطورة سياسيا وأمنيا وأخلاقيا ولا يقبل التساهل معه أو السكوت عنه.بعض الذين لا يجدون دليلا على تأكيد مذهبية منافس أو خصم يغطسون
“الشبهة” في “التقية”، وهذا أسلوب مهلك لأنه سيسمح بإطلاق الأحكام
دون دليل، وهو ما تمارسه كل الديكتاتوريات تماما كما تفعل الأنظمة المستبدة حين
تطلق التهم ثم تمارس التعذيب لإجبار “المشبوهين” على الاعتراف حتى تبرر
الأحكام الظالمة ضدهم..أعتقد أن ملف “الاختراق” الأجنبي مهما كانت الجهة
المخترِقة؛ يجب أن يكون من اختصاص أجهزة الدولة، وأما في جانبه الثقافي والفكري
فهو موكول للنخب يخوضون فيه بما تقتضية معركة الأفكار والمعاني والحقائق التاريخية،
بعيدا عن أساليب التحريض والتخوين والفتنة.أمام كم الغبار المثار حول السيد الطاهر الحمروني لا أظن أن
الرئيس قيس سعيد سيصم أذنيه عما يقال ويثار، بل قد يلجأ إلى تسوية تحفظ كرامة
“صديقه” وتزيل هواجس مواطنين كثيرين يتعدى قلقهم المستشار إلى قلق من
المستشير. جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “عربي21”
المصدر
الصورة من المصدر : arabi21.com
مصدر المقال : arabi21.com