- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

تونس: اقتصاد منهار يؤذن بنهاية مرحلة | القدس العربي

31 – يوليو – 2021

ماجد البرهومي


حجم الخط

تسببت الحالة الاقتصادية والاجتماعية المزرية وغير المعتادة التي يعيشها الشعب التونسي منذ سنوات، في التحركات الاجتماعية الأخيرة التي شهدتها مختلف مدن البلاد، والتي اتخذ بعدها مباشرة الرئيس قيس سعيد القرارات المثيرة للجدل. فقد عجزت الطبقة السياسية الحاكمة في العشرية الأخيرة عن تسيير البلاد وإيجاد الحلول لمختلف المشاكل، وأصبحت تونس معها بلدا متسولا بامتياز ليس فقط من الدول الكبرى أو تلك الغنية بالنفط، بل أصبحت تثير شفقة البلدان الفقيرة التي تمن عليها بالتلاقيح والغذاء، وهي (أي تونس) الراقدة على ثروات منجمية وطاقية هامة وتحتل المراتب الأولى عالميا في إنتاج وتصدير عدد هام من المنتوجات الفلاحية ولديها نسيج صناعي وسياحة تدر مداخيل هامة من العملة الصعبة.
لم يعتد شعب قرطاج على مشهد الطائرات الأجنبية تحط تباعا بمطاراته وهي تجلب إليه التلاقيح والإعانات الطبية والغذائية، وهو الذي راهنت دولة استقلاله على التعليم والصحة حتى باتت تونس قطبا صحيا إقليميا تقصده شعوب المنطقة للتداوي والعلاج بفضل الكفاءات الطبية المتوفرة وجودة الخدمات المسداة في القطاع الخاص بعد أن بدأ الإهمال يطال القطاع العمومي منذ نهاية التسعينات أو قبل ذلك. فقد كان هناك شعور بالإهانة تبعته نقمة على الطبقة السياسية الحاكمة التي تسببت في هذه الكارثة الاقتصادية والصحية من جهة، وشعور بالإحباط سببه قناعة ترسخت بأن قطاع السياحة الطبية والاستشفافية قد استهدف من جهة أخرى.
وبالتالي سيحتاج محو صورة البلد العاجز صحيا عن تونس، وإعادة ترسيخ الصورة القديمة النمطية للخضراء كوجهة صحية مفضلة، ليس فقط لدى جيرانها المغاربيين، بل أيضا من الأوروبيين الذين كانت تونس توفر لهم الخدمات الصحية ذاتها المتوفرة في بلدانهم لكن بتكلفة أقل، إلى سنوات من الجهد والعمل الدؤوب. فقد عملت دولة الاستقلال لعقود حتى حققت هذا المكسب وذلك بعد أن أسست كليات طب وصيدلة ومعاهد صحية تلقى فيها الطلبة تعليما وتكوينا من أعلى طراز، وأنفقت على بناء المستشفيات وشجعت تشييد المصحات الخاصة، ورصدت سنويا ميزانيات هامة لقطاع الصحة.

الخسارة فادحة

وبلغة الأرقام، وخلال سنة 2019 التي سبقت ظهور جائحة كورونا، كان هذا القطاع، الذي استهدف نتيجة السياسات الخاطئة وسوء التصرف، يدر على تونس قرابة 400 مليون يورو ويستقطب قرابة 500 ألف سائح سنويا وهو ما جعل الخضراء الوجهة السياحية الثانية في العالم هذا المجال بعد فرنسا. وبالتالي فالخسارة فادحة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا يشعر أهل القطاع ومعهم عموم التونسيين بالحسرة والأسى على ضياع المكتسبات تباعا لنصل في نهاية المطاف إلى الفراغ التام وإلى اللادولة.
ولعل من المضحكات المبكيات أن تضطر دولة مثل تونس، والتي هي من المنتجين الكبار لمادة الفوسفات في العالم وكانت تحتل في وقت ما المرتبة الثانية عالميا في إنتاجه وتصديره، إلى الإقتراض المالي من الخارج لشراء هذا الخام بالعملة الصعبة، بسبب توقف استخراجه من مناجم البلاد بفعل الفساد المستشري وضعف الدولة في العشرية الأخيرة واختراقها من قبل المنافسين لها في هذا القطاع ومن بينهم أقرب الأقربين. فقد استوردت تونس مؤخرا قرابة 500 ألف طن من هذا الخام وهو ما يعادل مخزون استهلاك شهر وذلك لتشغيل المجمع الصناعي الكيميائي الذي لديه التزامات مع متعاملين في الداخل والخارج.
ومن المضحكات المبكيات أيضا أن ينعم الله على تونس خلال السنة الماضية بصابة قياسية في الحبوب، ونتيجة للفساد ولمافيات التوريد لا يتم تخزين هذه الصابة في ظروف جيدة، فيطال التلف جزءا هاما منها، ويتم استيراد قمح مسرطن من الخارج بالعملة الصعبة. وما طال القمح، طال أيضا زيت الزيتون وأهم المنتوجات الفلاحية الأخرى بعد أن اخترقت مافيات التوريد كما المنافسون الخارجيون أجهزة الدولة الضعيفة وبات لديهم في الداخل من يخدمون مصالحهم.
أما عن إغراق السوق التونسية بالبضائع التركية والصينية التي تسببت في إفلاس مصانع تونسية مشغلة لليد العاملة وتنتج المنتوج ذاته بجودة عالية فحدث ولا حرج، وهو ملف من الملفات الحارقة التي وجب فتحها لمعرفة المتسببين في هذا الإضرار بالنسيج الصناعي التونسي. فإغلاق مصنع ما، لا يتسبب فقط في الإضرار بالحركة الاقتصادية في البلاد، بل تنجر عنه أيضا إحالة عمال وموظفين على البطالة، وهو ما يسبب في البؤس والشقاء لعائلات تونسية كثيرة.
ولعل السؤال الذي يطرح اليوم بشدة، أين ذهبت الأموال الطائلة التي تلقاها التونسيون من الخارج طيلة العشرية الماضية في شكل هبات وقروض من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدولي والبنك الأفريقي للتنمية ومن بعض الأطراف الخليجية؟ لم يشهد البلد أي إنجاز يذكر على مستوى التنمية والبنى التحتية، لا مطارات جديدة ولا موانئ ولا طرقات سيارة ولا مركبات جامعية أو رياضية أو فندقية، ولا مستشفيات ولا مدارس ولا غيره. فحتى القديم الموروث عن الماضي لم تقع صيانته والمحافظة عليه وكثير منه مهدد اليوم بالإنهيار.
أين ذهبت الهبات الهامة التي تلقتها تونس السنة الماضية من مانحين تقليديين لإعداد العدة لمقاومة جائحة كورونا؟ كيف لبلد تلقى هبات بآلاف الملايين من الدينارات التونسية لمقاومة الجائحة أن يعجز ويضطر العالم إلى التعامل معه كبلد منكوب متسول يستحق الإعانات والتبرعات بالتلاقيح والمعدات الطبية وحتى بالأسماك؟ كيف تتمكن بلدان العالم بكبيرها وصغيرها بدون استثناء من توفير اللقاحات لشعوبها وتعجز تونس عن ذلك؟

انتشار النهب والسرقة

من المؤكد أن هناك هوة في سدة الحكم والسبب في ذلك التعيينات في المناصب الكبرى التي تتم على أساس الولاء مع غياب معيار الكفاءة واستشراء سوء الحوكمة في مختلف القطاعات، بالإضافة إلى انتشار النهب والسرقة بدرجة لافتة فاقت حتى ما كان سائدا قبل عشر سنوات، والدليل ارتفاع أعداد الأثرياء في البلاد بنسبة 16.2 في المئة بعد سنتين فقط من الإطاحة بنظام بن علي، لتحل تونس في المرتبة الأولى مغاربيا في أعداد الأثرياء. ورافق ذلك ارتفاع كبير في نسبة الفقراء لتبلغ 20 في المئة من إجمالي السكان، مقابل تراجع الطبقة الوسطى التي كانت إلى وقت قريب عماد الاقتصاد التونسي.
ولعل كل هذه الأسباب إلى جانب أسباب أخرى من بينها كثرة الاضرابات في القطاعين العام والخاص وتراجع ثقافة العمل بسبب فهم خاطئ لمفهوم الثورة ولدور الدولة من قبل عدد هام من التونسيين، أدت إلى هذا الوضع الاقتصادي المتردي. كما أدت إليه الأزمة السياسية التي تسبب فيها النظام السياسي الهجين الذي أقره دستور سنة 2014 والذي لا يحقق الاستقرار السياسي الذي يحتاجه الاقتصاد، ناهيك عن وجود نظام انتخابي يقتضي القيام بمراجعات كثيرة جعل التونسيين يفقدون الثقة في صندوق الإقتراع ووصلت نسبة عزوفهم إلى 70 في المئة في الانتخابات الأخيرة خاصة وهم يدركون سلفا أن البعض يتلقون أموالا خارجية يشترون بها ذمم الناخبين وهو ما يؤثر سلبا على مصداقية الصندوق.
فهناك ترابط وثيق بين السياسي والاقتصادي خاصة وأن الاقتصاد التونسي وإن كان متنوع المصادر والمداخيل إلا أنه بحاجة إلى الاستقرار السياسي وإلى حكومات تضم كفاءات عالية خلافا لما هو سائد حيث تتم التعيينات على أساس الولاءات ولا يعمر المسؤول طويلا في منصبه ولا ينفذ برامجه. فتحولت الحكومات جميعا طيلة العشرية الماضية إلى حكومات تصريف أعمال لا غير دون خطط ولا رؤى مستقبلية همها الوحيد المحافظة على بقائها أطول فترة ممكنة.
وأدى تراجع الصادرات وارتفاع الواردات إلى استنفاد رصيد البلاد من العملة الصعبة وهو من بين الأسباب التي أدت إلى تراجع سعر صرف الدينار التونسي الأمر الذي ساهم في ارتفاع كل ما هو آت من الخارج من سيارات وإلكترونيات وغيرها، وهو ما أثر سلبا على الميزان التجاري الذي حقق عجزا فادحا في السنوات الأخيرة، وأيضا على القدرة الشرائية للمواطن التونسي. كما أثر عليها ضعف أجهزة الدولة وعدم قدرتها على التصدي للوسطاء والمحتكرين للمواد الغذائية والذين يتسببون في ارتفاع الأسعار، ناهيك عن ترفيع الدولة نفسها في أسعار الخدمات من ماء وكهرباء واتصالات وغيرها، وزيادتها في الجباية وفي أسعار النفط والنقل وغيرها للتغطية على النهب الحاصل للمال العام.
وتحقق تونس منذ سنوات نسبة نمو سلبية ساهمت فيها أيضا الجائحة وصلت إلى 8.8 – في المئة خلال السنة الماضية فيما تم تسجيل 3- في المئة خلال الثلاثي الأول من هذا العام. وبالتالي فإن كل شيء كان يوحي بالإنفجار وبانفلات الأوضاع بعد أن بلغ السيل الزبى وبات فوق احتمال التونسيين مع مشاهد الوفيات واستهتار من هم في الحكم بالأرواح وانصرافهم إلى صراعات جانبية وإلى مطالب لم يستسغها عدد هام من التونسيين.
ويبدو أن الأوضاع مرشحة لمزيد التأزم ما لم يقع حل الأزمة السياسية القائمة وفق خريطة طريق محددة بدون العودة إلى ما كان عليه الحال قبل اندلاع الأزمة. فالذهاب إلى انتخابات مبكرة دون تعديلات في النظامين السياسي والانتخابي وبدون مراقبة تدفق المال السياسي الخارجي على الأحزاب، ومن دون إصلاحات أخرى تطال الجانب الاقتصادي سيعيد إنتاج الأزمة ذاتها وسيبقي البلد يدور في حلقة مفرغة إلى أن يباد عن بكرة أبيه بهذا الوباء أو بغيره.

- الإعلانات -

#تونس #اقتصاد #منهار #يؤذن #بنهاية #مرحلة #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد