تونس.. النهضة تنسحب من الحكومة الجديدة وإعادة الانتخابات ورادة
تبعثرت أوراق رئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ بعد الانسحاب المفاجئ لحركة النهضة صاحبة الأغلبية البرلمانية من التشكيلة الحكومية التي قدّمها السبت 15 يناير 2020 لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، وإعلانها عدم منحها الثقة، في حال تم عرضها على البرلمان بتركيبتها الحالية.
هذا القرار الصادر عن مجلس شورى النّهضة (الهيئة الأعلى في الحزب) من شأنه أن يلقي بالمزيد من التعقيد في طريق الفخفاخ لنيل ثقة البرلمان، وأن يدفع تونس نحو السيناريو الأصعب بحلّ البرلمان، وإعادة الانتخابات برمتها وفق ما ينص عليه الفصل 89 من الدستور التونسي، خاصّةً بعد أن سقطت الحكومة السابقة المقترحة من الحبيب الجملي، وفشلت في نيل الثقة في جانفي المنقضي.
النهضة ترفض الإقصاء
وتبرّر حركة النهضة قرارها بعدم استجابة رئيس الحكومة المكلف لمطالبها بتشكيل حكومةٍ وطنية تشمل كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، تماشياً مع وزنها البرلماني، ولا تقصي أحداً بما في ذلك حزب قلب تونس (38 نائباً) وائتلاف الكرامة (17 نائباً).
وتعتبر الحركة أنّ رئيس الحكومة لم يفي بتعهداته المتعلقة بتحييد وزارات السيادة (الداخلية والعدل والدفاع والخارجية)، التي اقترح لها أسماء ثبت أنّها غير محايدة، وفق رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني.
من جانبه، وصف الأمين العام لحركة النهضة علي العريض في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، قرار الحركة بصيحة الفزع التي أطلقتها للشعب التونسي، مفادها أنّ تواصل إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة التي اعتبرها عاجزةً بتركيبتها الحالية، سيؤدي إلى إهدار المزيد من الوقت، وأنّ ذلك لن يكون في صالح البلاد.
وأوضح أنّ الحركة اشترطت تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ تشارك فيها أغلب الأحزاب، وتدعمها أغلب الكتل البرلمانية، حتّى تستطيع التصدي للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي تعيشها البلاد منذ تسع سنوات، وتتمكن من الاستمرار والاستقرار، لينجح البرلمان في تنفيذ الإصلاحات التشريعية المطلوبة.
وأضاف العريض أنّ من الأسباب التي دفعت الحركة إلى سحب وزرائها من الحكومة، وعدم منحها الثقة، تعمّد الفخفاخ التعاطي بسلبيةٍ مع الحركة، وعدم إعطائها حجمها البرلماني، بعدم إسناد عدد وزراءٍ كافٍ لقياداتها.
العريّض شدّد أيضاً على أنّ النّهضة لا تدفع باتّجاه إعادة الانتخابات، حتّى لا تكلّف البلاد مزيداً من الوقت، والكلفة، غير أنّها مستعدةٌ لإجرائها، مشدّداً على أنّ حركته تطالب بتشكيل حكومةٍ جديدةٍ تضمّ جميع الحساسيات السياسية على اختلاف توجهاتها، في أسرع وقتٍ ممكنٍ، وقبل انتهاء الآجال الدستورية في مارس القادم.
انتقاداتٌ حادةٌ
قرار الحركة أثار انتقادات حادّةٍ لدى الأحزاب السياسية في تونس، إذ اعتبره الأمين لحزب لحركة الشعب ابتزازاً ومناورة، وأنّ الأسباب التي قدّمتها لانسحابها واهية حسب تعبيره، مستنكراً لإصرارها على تشريك حزب قلب تونس في الحكومة، رغم أنّه أعلن انضمامه إلى المعارضة.
من جانبه، حمّل الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، حركة النّهضة مسؤولية ما قد تؤول إليه الأحداث، التي قد تجرّ البلاد إلى مرحلةٍ خطيرةٍ جداً في حال لم سقطت الحكومة، ولم تحظى بثقة البرلمان.
ولفت الشواشي إلى أنّ البلاد لا تحتمل أزمةً سياسيةً جديدةً، قد تكلّفها مبالغ هامّة، في وقت تمر فيه بأزماتٍ متفاقمةٍ، وانفجارٍ اجتماعي وشيكٍ بسبب تراجع كل المؤشرات التنموية، فضلاً عن استحالة انتخاب أعضاء جدد للهيئة الانتخابية قبل عامٍ على الأقلّ، لأنّ الدستور التونسي ينص على تجديد أعضاء هيئة الانتخابات، بعد كلّ مدّة زمنيةٍ محدّدةٍ دستورياً.
ودعا الشواشي الفخفاخ إلى عدم التراجع أو الاستقالة، وتغيير وزراء حركة النهضة بمستقلين، وتحميل البرلمان مسؤولياته التاريخية، بمنح حكومته الثقة من عدمها.
كما قال إلياس الفخفاخ إنّ حركة النهضة خيرت الانسحاب من التشكيلة المقترحة وعدم منحها الثقة رغم الجهود المبذولة بسبب عدم تشريك قلب تونس، لافتاً إلى أنّ هذا الخيار سيضع البلاد أمام وضعيةٍ صعبة تقتضي التمعن في الخيارات الدستورية والقانونية والسياسية المتاحة.
من جانبه، ثمّن النائب عن حزب قلب تونس زهير مخلوف موقف مجلس شورى حركة النّهضة، الذي اعتبره بالرد المنطقي على المنهج الإقصائي الذي اعتمده الفخفاخ، واصفاً مسار تشكيل الحكومة بالانقلابي، لأنّه لم يلتزم بنتائج الانتخابات البرلمانية، ولم يراعي فيه حجم الأحزاب في البرلمان.
وقال مخلوف في تصريحه لـ”الخليج أونلاين”، إنّ المنهج التوافقي بين حركة النّهضة وقلب تونس سيتواصل في حال تمت إعادة الانتخابات، من أجل الالتقاء حول فكرة تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، تضمّ كافّة الأحزاب.
نحو انتخاباتٍ برلمانيةٍ مبكّرة
وفسّر المحلّل السياسي بولبابة سالم موقف حركة النهضة غير المفاجئ، بالتوجّه الانفرادي الذي مضى فيه رئيس حكومة المكلّف إلياس الفخفاخ، وعدم الاستجابة إلى شروطها بضرورة توسيع الحزام السياسي للحكومة، وتشريك حزب قلب تونس صاحب الكتلة النيابية الثالثة في البرلمان في مشاورات الحكومة.
واعتبر سالم في تصريحه لـ”الخليج أونلاين)، أنّ النّهضة رأت في إصرار الفخفاخ على عدم منح بعض الوزارات للنّهضة منها وزارة تكنولوجيا الاتصال، فضلاً عن رفضه توزير بعض الشخصيات القيادية على غرار لطفي زيتون المستشار السياسي لزعيم النّهضة راشد الغنوشي، نوعاً من المخاتلة والمخادعة السياسية.
وحول إصرار النهضة على تشريك قلب تونس في الحكومة، قال سالم إنّ الحركة فقدت ثقتها في أغلب الأحزاب التونسية ذات الثقل البرلماني على غرار التيار الديمقراطي (22 مقعداً)، وحركة الشعب (16 مقعداً)، وتحيا تونس (14 مقعداً) بعد أن خذلوها، لدى تقديمها لحكومة الجملي، وصوتوا ضدّها.
وأشار إلى أنّها تتشابه مع قلب تونس في تسيير الأمور بعقلانية، لأنّ قلب تونس حزب براغماتي مثلها، كما أنّها جرّبته في انتخاب راشد الغنوشي رئيساً للبرلمان ولم يخذلها.
هذا وتحتاج الحكومة المقترحة للأغلبية المطلقة (نسبة 50 بالمئة زائد واحد أي 109 صوتٍ على الأقل) لنيل ثقة البرلمان، ولا يبدو ذلك ممكناً بعد أن أعلنت كتلا وأطرافا ممثلة بالبرلمان يبلغ عدد مقاعدها 133 نائبا، رسميا عدم تصويتها لحكومة الفخفاخ، وهي كل من، حركة النهضة (54 نائباً)، وحزب قلب تونس (38 نائباً)، وائتلاف الكرامة (19 نائباً)، والحزب الدستوري الحر(17 نائباً)، وحزب الاتحاد الشعب الجمهوري (3 نواب)، وحركة أمل وعمل (نائبان).
وعن السيناريوهات المحتملة، قال المحلل السياسي بولبابة سالم إنّه في حال لم يقع تعديل موقف حركة النّهضة قبل موعد 19 فيفري (موعد انتهاء المهلة الممنوحة للفخفاخ لتكوين حكومةٍ)، سيعوض الفخفاخ وزراء حركة النهضة الستة المنسحبين، وسيعرضها على البرلمان بنسبة نجاح ضعيفةٍ جداً، ومن الممكن جداً أن يسقط البرلمان الحكومة بأغلبيةٍ ساحقةٍ.
سالم لفت أيضاً إلى أنّ احتمال حلّ البرلمان وإعادة الانتخابات البرلمانية برمّتها بات وارداً جدّاً، مرجّحاً أن تفرز الانتخابات المبكرة في حال إجرائها مشهداً برلمانياً غير منتظرٍ، على أن تخسر أغلب الأحزاب المقاعد التي تحصّلت عليها، باستثناء حركة النهضة التي تستند إلى قاعدةٍ انتخابيةٍ صلبةٍ.
الصورة من المصدر : alkhaleejonline.net
مصدر المقال : alkhaleejonline.net