- الإعلانات -

- الإعلانات -

تونس لا تستفيد من أجواء التفاؤل في ليبيا

خلال تظاهرة لحركة “النهضة” للمطالبة بإنهاء الأزمة السياسية في تونس (ناصر طلال/الأناضول)تسير ليبيا بخطى ثابتة نحو التسوية السياسية التي ارتآها مجلس الـ75 (ملتقى الحوار السياسي) الذي سبق أن اجتمع في تونس، وقرر إنهاء الحرب التي أضعفت البلاد، وعمّقت انقسامها، وحولتها إلى بلد المليشيات الممولة من دول كثيرة لها أطماع في ثروات ليبيا، وخصوصاً في نفطها.

ليبيا كتاب مفتوح لا بدّ أن يقرأه أبناؤها، وأيضاً كل الشعوب العربية المحيطة بها. لم يكن السلم الأهلي – الذي قُطع شوط هام نحو استرجاعه – اختياراً ذاتياً قرره الليبيون بأنفسهم ذات صباح، وإنما بدأ هذا الهدف يتحقق بفضل التغيير الهام الذي حصل في مواقف الدول التي كانت قبل وقت قصير تشجع على الاقتتال، وتقبل بوعي منها تقديم الخدمات لهذه الجهة أو تلك على حساب مصلحة الوطن وثروة الشعب.

عودة العافية إلى ليبيا سيكون لها أثر كبير واستراتيجي على دول عديدة، في مقدمتها تونس

عودة العافية إلى ليبيا سيكون لها أثر كبير واستراتيجي على دول عديدة، في مقدمتها تونس، التي فقدت سنداً حيوياً واستراتيجياً عندما انقسم الليبيون، وقرروا توجيه السلاح إلى صدور بعضهم البعض، والانغماس في حرب أهلية كادت أن تعيد ليبيا إلى العصر الحجري. لكن الأخبار الواردة حالياً من هناك، أعادت الأمل وأبعدت المخاطر، وقد تسهم بفتح صفحة جديدة من شأنها أن تضمد الجراح، وتعيد وحدة الشعب المنهك والممزق.

لا شكّ في أنّ الأوضاع لا تزال هشة في ليبيا، وهناك من يتظاهر بتأييد المنعرج السياسي الجديد الذي دخلته البلاد، لكنه يخفي خلاف ما يفصح عنه. ولعل هذا الصنف من المغامرين يراهنون على فشل المسار السياسي للعودة من جديد إلى لغة الابتزاز والعنف. لهذا، تضمّنت المهام التي كُلف بها رئيس الحكومة الليبية الجديد عبد الحميد الدبيبة، القيام بتجريد كل المليشيات من أسلحتها، والشروع في بناء جيش وطني موحد. فذلك هو السبيل الأمثل لتقليل المخاطر، وإشعار جميع الليبيين بالأمان وبعودة الدولة.

أما على المستوى الإقليمي، فقد بدأت الاستعدادات من أجل الاستفادة من عودة الدماء إلى الشرايين الليبية. فمجلة  “فورميش” (Formiche) الإيطالية، أشارت في مقال نشرته أخيراً إلى أنّ تونس “يمكنها الآن أن تؤدي دوراً مهماً في إعادة إعمار ليبيا”، على الرغم من أنّ وكالة التصنيف “موديز” كانت قد خفّضت تصنيف تونس إلى B3 في فبراير/شباط الماضي، مع نظرة سلبية. وأضافت المجلة أن “إيطاليا يمكن أن تؤدي دوراً محورياً في إعادة الإعمار كذلك”. وهذا يعتبر من بين الأسباب التي تفسّر لماذا لم ييأس الأوروبيون من حالة التونسيين، على الرغم من تدهور الأوضاع على أكثر من صعيد. فروما التي انخرطت في الصراع الليبي، واختلفت مع فرنسا في هذا الملف، تدرك أهمية السوق الليبية، وتحاول أن تستفيد من ذلك عن طريق التعاون مع تونس بحكم أنّ هذه الأخيرة لها مستقبل كبير مع جارتها الشرقية.وإذ تناولت المجلة الأزمة التونسية الحالية، لفتت إلى أنه ”مع ذلك، فإنّ هذا الوضع يبدو متناقضاً وغير مفهوم إلى حدّ ما إذا ما تمّ النظر إليه من منظور قصير المدى، والذي يشير إلى أن تونس مرشحة لتكون المنصة اللوجستية لإعادة الإعمار في ليبيا، وهي صفقة ضخمة تهدف إلى ضمان عقد من النشاط المكثف في ليبيا على الأقل”.

فعلاً، هذا وضع غير مفهوم، وهو ما جعل رئيس “مجلس الأعمال التونسي الأفريقي”، أنيس الجزيري، يتحدث عن “انهيار اقتصادي ممنهج”، مشيراً في تصريحات له أخيراً إلى “وجود مؤسسات مصدرة تغلق أبوابها في تونس وتتوجه نحو المغرب”، داعياً إلى إعلان “حالة طوارئ اقتصادية”.

تنحو النخبة التونسية نحو مزيد من إضعاف الدولة

الغريب حقاً أنه في الوقت الذي بدأت فيه ليبيا تتجه نحو تسوية أزمتها بشكل توافقي وتحت إشراف الأمم المتحدة، لم تتحرك الدبلوماسية التونسية بالسرعة المطلوبة والكفاءة التي عرفت بها لتحتل موقعها المتميز، ولم تتوجه نحو طرابلس من أجل دعم هذه اللحظات التاريخية، وتعرض على الليبيين ما يمكن أن تقوم به تونس الجارة في عملية إعادة إعمار البلد. والغريب في الأمر، أنّ الحكومة الليبية هي التي بادرت ودعت الشركات التونسية إلى استئناف نشاطها في ليبيا. والشركات المعنية هي تلك التي كانت متعاقدة في إطار برنامج “ليبيا الغد” الذي توقف منذ سنة 2010. وأوضح رئيس “مجلس الأعمال التونسي الأفريقي” أنّ هذه العقود، التي تمت في إطار البرنامج “يمكن أن تحقق رقم معاملات يتراوح بين 3 و4 مليارات دينار (نحو مليار و451 مليون دولار) خصوصاً مع احتساب الأسعار الجديدة”.

اللافت للنظر أنه بعد أن كانت تونس في حالة أفضل من جارتها ليبيا، تتجه الأوضاع حالياً إلى تغيّر ملحوظ في الصورة. فليبيا تتجه نحو منعرج إيجابي، بعد أن اختار سياسيوها المنهج التوافقي بين مختلف الأطراف التي كانت في حالة تنازع مسلح مفتوح، وهو ما سيساعدها على بناء الدولة الليبية الجديدة، في المقابل تنحى النخبة التونسية نحو مزيد من إضعاف الدولة، وتفكيك مؤسساتها واستنزاف طاقات الشعب في سبيل معارك ثانوية وأحياناً شخصية وتافهة.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد