جريدة المغرب | على هامش سبر آراء نوايا التصويت في التشريعية جانفي 2020 «سيغما المغرب»: في نقاط قوة وضعف الأحزاب السياسية
كيف سيكون المشهد البرلماني لو جرت الانتخابات التشريعية غدا؟ لقد حصلت تحولات هامة وأساسية على التوازنات السياسية
بعد اقل من أربعة أشهر من الانتخابات التشريعية إذ يعطينا سبر آراء نوايا التصويت الذي قامت به مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» في جانفي 2020 ثلاثيا في الطليعة:
الدستوري الحر بـ%16.6 والنهضة بـ%15.9 وقلب تونس بـ%15.6 ثم ثنائيا في الملاحقة: التيار الديمقراطي بـ%11.3 وائتلاف الكرامة بـ%10.2 أما بقية الأحزاب فكلها دون %5 من نوايا التصويت..ولكن ماهي مواطن القوة والضعف في خماسي الطليعة هذا ؟ هذا ما سنسعى الى معرفته بالاعتماد على النتائج التفصيلية لسبر آراء نوايا التصويت في التشريعية .
نحن نعلم منذ انتخابات المجلس التأسيسي أن عنصر الانتماء الجهوي هام جدا في انتشار الأحزاب وأن وجودها ووزنها الانتخابي ينقلب أحيانا من الضدّ إلى الضدّ وفق المعيار الجهوي .
• الوسط الشرقي للدستوري الحرّ والجنوب الشرقي للنهضة والشمال الغربي لقلب تونس بينما يحقق التيار الديمقراطي أهم نتائجه بتونس الكبرى وائتلاف الكرامة بولاية صفاقس.
هذه هي اهم الخلاصات العامة ولكن لو دخلنا في التفاصيل لرأينا أن الدستوري الحرّ الذي يقفز للمرّة الأولى إلى الصدارة في عملية سبر آراء بتحقيقه لـ%16.6 من نوايا الأصوات المصرح بها يسحق كل منافسيه في الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) بإحرازه على %31 من نوايا التصويت كما يحرز على %24 في ولايات الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان والحمامات) ولكن نقاط ضعفه الأساسية هي في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) بـ%7.5 والوسط الغربي (سيدي بوزيد والقيروان والقصرين )بـ%10 كما أن نتائجه هي دون معدله الوطني في كل من تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) والشمال الغربي (باجة والكاف وجندوبة وسليانة) والجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي) وهي ارفع بقليل من معدله الوطني في صفاقس.
ونلاحظ هنا نوعا من التشابه الجزئي بين سوسيولوجيا القاعدة الانتخابية للدستوري الحرّ ونداء تونس في انتخابات أكتوبر 2014،قلنا بأن هذا التشابه نسبي لأن النداء كان متقدما في كل ولايات الشمال والوسط إلى حد صفاقس ومتأخرا بوضوح في كل ولايات الجنوب ،ولكن القاعدة الندائية التاريخية مقسومة اليوم بالأساس بين حزبين لا يعترفان بانحدارهما من النداء التاريخي (الدستوري الحر وقلب تونس) ولكننا عندما نجمع نتائجهما نجد تقريبا الخارطة الانتخابية للنداء التاريخي.
فقلب تونس (الأخ غير الشقيق للدستوري الحرّ) يحقق أفضل نتائجه في الشمال الغربي (باجة والكاف وجندوبة وسليانة) بـ%30 وفي الوسط الغربي بـ%22 وفي تونس الكبرى بـ%17.5 بينما يكون حضوره ضعيفا بصفاقس بـ%7.5 وضعيفا للغاية في الجنوب الشرقي بـ%4 والجنوب الغربي بـ%6
أي وكأننا أمام حزبين تتكامل قاعدتهما الانتخابية ولا تتداخل ،ثم يخطيء من يعتقد أن قلب تونس يتصدر في الشمال الغربي فقط لأن هنالك مناطق تهميش، فهذا جزئيا صحيح،ولكن كذلك لان الشمال الغربي كان معقلا من معاقل نداء تونس وقبل ذلك للحركة الدستورية بمختلف أطوراها .
مقابل الدستوري الحر وقلب تونس تبقى حركة النهضة، رغم تراجعها المستمر، في نفس المحيط السوسيولوجي :قوية في الجنوب الشرقي بـ%26.5 وصفاقس بـ%22 وكذلك بالجنوب الغربي بـ%18 وفي مستوى معدلها الوطني في الوسط الغربي والشمال الغربي ومتواضعة النتائج بتونس الكبرى (%12) والشمال الشرقي (%12).
التيار الديمقراطي صاحب المرتبة الرابعة يؤكد رغم تقدمه المتواصل انه حزب المدن الكبرى بالأساس والمناطق الحضرية إذ يحقق أفضل نتائجه بتونس الكبرى (%14.5) وصفاقس (%13) بينما تكون نتائجه بالشمال الغربي وكل ولايات الجنوب وخاصة الغربية منها (%3 ). على عكس التيار الديمقراطي يسجل ائتلاف الكرامة أقصى نتائجه بولايات الجنوب وخاصة الشرقية منها (%15) وكذلك صفاقس(%17) بينما يتراجع في جل ولايات الشمال.
يبدو وكان هنالك نوعا من الرواسب الثقافية او من بعض الخصوصيات الجهوية التي تمنع حزبا بعينه ان يكون حضوره بنفس الدرجة في كل جهات الجمهورية وهذه ليست خاصية تونسية بل نجدها في ديمقراطيات عريقة شعوبها منسجمة للغاية كما هو الحال عندنا ولكن الانسجام اللغوي والديني والمذهبي لا يجعل من جهات اي بلد ما صورا متطابقة لا تضاريس فيها ،ويبدو أن لهذه التضاريس الجهوية أهمية بالغة في قوة حزب او ضعفه .
• جندريا لا فرق يذكر بين النساء والرجال في نوايا التصويت للدستوري الحر (مع غلبة طفيفة للرجال) ولكن هذه الفروق تصبح هامة جدا لحركة النهضة ذات التصويت الرجالي الواضح : %17.5 من الرجال و%14 من النساء ويتعمق هذا التصويت الرجالي عند ائتلاف الكرامة :%13 من الرجال و%7 من النساء. في المقابل يغلب التصويت النسائي عند قلب تونس :%18.5 من النساء و%13 من الرجال وخاصة عند التيار الديمقراطي :%15 من النساء مقابل %8 من الرجال فقط .
• اجتماعيا نلاحظ اتجاهات عامة تستحق مزيدا من الدرس فعند الدستوري الحر نلاحظ ضعفا نسبيا في تصويت الطبقات الشعبية (%9) مقابل ارتفاع تصويت الطبقة الوسطى العليا (الإطارات العليا والمهن الحرة والجامعيين )بـ%19. عند النهضة هنالك نوع من التوازن بين الفئات الاجتماعية مع ضعف نسبي في الطبقات الشعبية( %14) أما حزب قلب تونس فهو ضعيف في الطبقات الوسطى بـ%7 ولكنه حاضر بقوة في الطبقات الشعبية بـ%30.
على عكس قلب تونس التيار الديمقراطي حاضر بقوة في الطبقات الوسطى العليا بـ%16 وضعيف في الطبقات الشعبية بـ%7 وكذا الشأن تماما عند ائتلاف الكرامة.
• الفوارق الجيلية لافتة للنظر فالدستوري الحر هو بامتياز حزب الذين تجاوزوا الستين(%29) بينما حضوره ضعيف عند الشباب (%9) وصغار الكهول (26-46 سنة) بـ%9 كذلك.
أما النهضة فحضورها ابرز عند الكهول (45 – 59 سنة) بـ%17.5
قلب تونس كالدستوري الحر وإن كان بأقل حدة فهو ضعيف عن الشباب وذو حضور لافت عند من تجاوزوا الستين .
أما التيار الديمقراطي فيسجل أفضل نتائجه عند الكهول ويتراجع بصفة واضحة عند المسنين.
وحده ائتلاف الكرامة له تصويت شبابي واضح إلى حد ما بـ%16 عند الشباب بينما يتراجع حضوره عند الكهول والمسنين.
-يكشف المستوى المعرفي تباينا واضحا بين القواعد الانتخابية لهذه الأحزاب الخمسة فعند الدستوري مواقع القوة هي عند أصحاب مستوى التعليم الابتدائي والثانوي فيما يغيب عنه تقريبا الأميون..
على عكس ذلك يحضر الأميون بقوة في التصويت لقلب تونس إذ يفوز بنصف هذه الشريحة المعرفية وبثلث أصحاب التعليم الابتدائي ليتراجع كثيرا خاصة عند أصحاب التعليم العالي .
حركة النهضة حضورها متوازن في كل الشرائح المعرفية مع ضعف نسبي عند الأميين في حين يتقدم التيار الديمقراطي بوضوح عند أصحاب التعليم العالي،إذ هو الحزب الأول في هذه الشريحة بـ%22.5 ويتراجع فيما دونها،أما ائتلاف الكرامة فهو شبيه هنا بسوسيولوجيا حركة النهضة .
في المحصلة نجد أنفسنا لا فقط أمام تشتت سياسي : خمسة أحزاب ما بين %10.2 و%16.6 ولكن كذلك تشتت سوسيولوجي فلا وجود اليوم في تونس لحزب له حضور متوازن في كل الجهات والفئات العمرية والطبقات ،بل لكل حزب نقاط قوة ونقاط ضعف كثيرة مما يجعل من ادعاء بعضهم بأنه يمثل العمود الفقري لتونس ادعاء لا يدعمه دليل بل تدحضه كل الدراسات الجدية.
والدرس الأكبر هنا هو أن التونسيين لم يحددوا بعد انتماءهم السياسي بشكل نهائي إما لأنهم مازالوا يتحسسون الخطى في ديمقراطية ناشئة أو لان العرض الحالي لا يلبي طموحاتهم .
الأكيد أننا أمام مخاض سياسي اجتماعي لم يفصح بعد عن توازنه النهائي أو لعلنا دخلنا مرحلة سينتفي فيها في بلادنا وفي العالم كذلك التوازن المستقر على امتداد عقود، فالتاريخ قد سارع الخطى والتحول أصبح هو الطاغي والاستقرار هو الاستثناء.
المصدر
الصورة من المصدر : ar.lemaghreb.tn
مصدر المقال : ar.lemaghreb.tn