- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

جوَّك | لا بد للسماوي من شاعر وحبيب – بقلم أمين دمق

عوَّدتني نفسي الأمَّارة بالشعر البخل في الكتابة عن الشعر والشعراء وخاصة الأصدقاء منهم؛ وذلك لأني أمقت الكتابات الإخوانية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، والتي لا تتزيَّى عادة بمشرط النقد البنَّاء الذي يحاول الارتقاء بالتجربة في فردانيتها وبحركة تحديث الشعر عمومًا، وكذلك لأني أمتح من ذاقة وعيار معيَّنٍ للشعر قد يجرني لمظلمة في قراءة نصوص مفارقة ومراوغة.

اقرأ أيضاً تعرف الآن على أكثر من 130 شاعرًا في أنحاء الوطن العربي وجنسيتهم
تشابه شعر السماوي مع دربال
ورغم هذه المبدئية في عدم مقاربة المجاميع الشعرية الصادرة سواء لها أو عليها، لكن المقال الصادر بالعدد الأخير لمجلة المسار التونسية للأستاذ الجليل «سيدي أحمد السماوي» بعنوان «لمَ لا أحتمي بلظاك؟» بين إيروس وتاناتوس قد استفزني واستثار دواتي؛ وذلك لسببين:
أولهما عمق وجِدَّة وطرافة المقاربة التي اعتمدها الأستاذ السماوي في توسلها منهج التحليل النفسي، وتحديدًا المدرسة الفرويدية في تشريحه نصوص المجموعة الشعرية كونها نتاجًا للجهاز النفسي للشاعر الذي تفنَّن في المراوحة بل والمباغتة لثلاثية (الهو والأنا والأنا الأعلى).
وثانيهما لقربي وقرابتي الفنية والشخصية لمجموعة (لمَ لا أحتمي بلظاك؟) كيف لا؟ وهي للشاعر والحبيب الحبيب دربال الذي لا يحلو لي تسميته إلا حبوب.
سأحاول في هذه الورقة الغوص في عالم «الميتانص» عساه يكون مفتاحًا لولوج عالم الحبيب دربال الشعري، وكذلك لعمق مقاربة أستاذنا السماوي المحتفية بالنص، والتي حاولت بكل الأدوات تفهمه والتطبيع مع عوالمه.
اقرأ أيضاً الأدب العربي بين شاعر التنوير وشاعر التصوير
من هو الشاعر دربال؟
بداية عرفت الشاعر الحبيب دربال منذ سني الطفولة وأولى الخربشات في عالم الشعر، فمنذ أواسط تسعينيات القرن المنصرم قرأت له عديد النصوص المنشورة بالمجلات والصحف الوطنية، وحضرت له بعض الأمسيات الشعرية التي أقامها بولاية صفاقس.
لكن علاقتنا توطدت منذ أكثر من عشرية، فقد صرنا أصدقاء خُلَّصًا. ولن أفشي سرًّا حين أقول إنني كنت سعيدًا جدًّا بتقاربنا؛ نظرًا لكِبَرِهِ عمرًا وتجربة، وكذلك لفائض أخلاقه وتواضعه وطرافته وجزيل دعابته.
 لمن لا يعرف الحبيب دربال هو شاعر نشر عديد القصائد منذ الستينيات، وتُوِّج بعديد الجوائز الوطنية، تخصص في الكتابة للأطفال، وكتبت حول تجربته عديد البحوث الأكاديمية بتونس والجزائر. ورغم هذا العمر الطويل في مقارعة ومنادمة الشعر.
لكن حنينه للكتابة بماء العين: ببراءة طفل وأسلوب شيطان، بوضوح الشمس وغموض كاهن، خلقت تفرده.
الشاعر الحبيب دربال شاعرًا وإنسانًا وجهان لعملة واحدة، فهو أحيانًا مثال للتواضع ورفيع الأخلاق وباسق الكلمات، وتارة متبرم كافر بهذه البلاد المجتهدة في كبت الفن والفنانين ولجم الشعر والشعراء الأحقاء مقابل التطبيل والتطبيع مع من لهم عاهات شعرية مستدامة بل وتنفيلهم بتمثيل البلاد لا جهويًّا فقط بل ودوليًّا أيضًا، وكأنما توجد مؤامرة للانتقام من الشعر الجيد بتكريس الرديء منه.
اقرأ أيضاً العصر الأموي وفن النقائض في الشعر الجاهلي
إصرار الحبيب دربال على الكتابة
ورغم هذه العواطف والأحاسيس المتناقضة؛ فإن الحبيب دربال ما زال حاسم الوعد مُصرًّا على الكتابة والتجريب وتكرار تجربة النشر.
ولعل مجموعته «لمَ لا أحتمي بلظاك؟» ترجمان لشخصيته، فقد أصر على طباعتها ونشرها في زمن انتشار جائحة كوفيد- 19 دون التمعن في المردود المالي، ودون كثير التفكير في تسويقها.
وهذا دليل ثانٍ على صعلكته واختلافه وعلى إيمانه الجازم بجدوى الشعر والفن في مقاومة الموت.
وقد كان لي الشرف للحضور على أغلب نصوصها فكنت أول من سمعها منه بصوته وإلقائه المتفرد، وقد قرأناها سوية مرارًا وتكرارًا حتى استوت وحان قطافها. وعمومًا فإن تجربة الحبيب دربال وتخصيصًا مجموعته «لمَ لا أحتمي بلظاك؟» تجربة جديرة بالقراءة والنقد؛ نظرًا لفرادتها وجدتها.
اقرأ أيضاً الغاية تبرر الوسيلة..أعرف الان مصدر تلك المقولة.
لغة الحبيب دربال تميل إلى النحت والتحديث
وقد يتهم بعض المتسرعين الحبيب دربال بتراثيته «وهو فخر يدعيه» لكن بمزيد القراءة نكتشف أن لغة الشاعر ميالة إلى صفوي الكلام مع جرعة من التحديث والنحت لتثوير اللغة، وجعلها «لا تقول ما تقول حينما تقول» بطريقة واعية ديدنها تكريس الجزالة السياقية وحسن السباكة تركيبيًّا ونحويًّا.
على مستوى الصورة الشعرية فإن الشاعر الحبيب دربال ظل وفيًّا لمنهجه في البحث، بل والذوبان في التجديد عن طريق التعويل على الاستعارات البعيدة التي تفتح للتأويل أبوابًا شتى. وفي عديد الجلسات تناقشنا حول الحداثة الشعرية العربية ووجدت الرجل مُصرًّا حد الإلحاح على أن الحداثة في الصورة لا في الشكل؛ لذلك فقد تخلى عن عقد الكلاسيكية وإصرارها الشكلاني الممجوجز
وذلك عن طريق المراوحة بين النصوص العمودية وقصائد التفعيلة، وطعَّم القصيدة نفسها بالشكلين سوية، وراوح في عدد القصائد بين أكثر من بحر عروضي، وهذا لعمري منجز من منجزات الحداثة.
ويبدو لي أن تجربة الحبيب دربال ما زالت قابلة للتطوير والتحديث، وذلك بوعي داخلي فيه مُصرٌّ على الإبداع وتطعيم منجزه بقراءات ومطالعات متنوعة في شتى فنون الكتابة سردًا وشعرًا ونقدًا وإنسانيات.
وأنوِّه في هذه المجموعة بتقنية التسريد التي لا تكاد تخلو قصيدة منها، وكذلك بالنفَس الصوفي الذي تلبَّس باللغة أكثر من الموضوع وبالتجريد في الصورة والبحث عن خيط ناظم للمجموعة يتطلب وعيًا وحبكة درامية.
وقد تفطن الأستاذ السماوي لهذا الخيط الناظم في تحليله للعتبات التي اشتغلت على تيمة اللظى عنوانًا وقصائد ولو تلميحًا وبذلك حقَّقت المجموعة الثلاثية الأصيلة المرجوة (المبنى والمعنى والمغنى)،
وجعلت القارئ الذكي يتفطن للحبل السري الذي يلف المجموعة فيجعلها قريبة من البناء الروائي، الذي يتطلب تخطيطًا سلفًا في نصوص ظاهرها التفرقة وباطنها إنشاء نص واحد قريب شكلًا من جنس القصيدة الديوان، التي تعتمد التقطيع المقطعي عوض القصائد المعنونة.
 
وفي خير ختام أرجو أني أنصفت الصديق والشاعر الحبيب دربال حبيبًا وشاعرًا، كما أرجو له طول العمر وإتحافنا بمجاميع جديدة تضيف للمكتبة الوطنية خاصة والعربية عامة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

- الإعلانات -

هل تحب القراءة؟ كن على اطلاع دائم بآخر الأخبار من خلال الانضمام مجاناً إلى نشرة جوَّك الإلكترونية

#جوك #لا #بد #للسماوي #من #شاعر #وحبيب #بقلم #أمين #دمق

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد