“خياران أحلاهما مرّ” أمام شركات الشحن البحري بسبب هجمات الحوثيين
تواجه شركات الشحن البحري التي تنقل البضائع على أحد أكثر طرق التجارة ازدحامًا في العالم، للمصانع والمتاجر ووكلاء السيارات وغيرها من الشركات، قرارًا مؤلمًا أجبرت عليه، فبعد استهداف الحوثيين لـ 20 سفينة منذ نوفمبر، بات أحلى الخيارين المتاحين مرّا بالنسبة لشركات الشحن.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، تبحث شركات الشحن خياراتها ما إذا كانت ستخاطر وتعبر باب المندب إلى البحر الأحمر ثم قناة السويس، أم أنها سترسل السفن في رحلات أطول بكثير حول أفريقيا.
تقول الصحيفة إنه بإمكان الشركات إرسال سفنها عبر البحر الأحمر إذا كانوا على استعداد للمخاطرة بشن هجمات من قبل ميليشيا الحوثي في اليمن، وتحمل تكلفة أقساط التأمين المرتفعة بشكل حاد.
أو يمكنهم الإبحار لمسافة 4000 ميل إضافية حول أفريقيا، مما يضيف 10 أيام في كل اتجاه واستهلاك قدر أكبر من الوقود.
السؤال الحاسم
لا يعتبر أي من الخيارين جذابا وكلاهما يزيد التكاليف، بحسب التقرير، وهي النفقات التي قال المحللون إنها يمكن أن يتحملها المستهلكون في نهاية المطاف من خلال ارتفاع أسعار السلع التي يشترونها.
ونقلت الصحيفة عن ماركو فورجيوني، المدير العام لمعهد التصدير والتجارة الدولية، الذي يدعم جهود الشركات البريطانية للتوسع في الأسواق الخارجية قوله: “لقد بدأنا نشهد تسليح سلاسل التوريد العالمية”.
في الأشهر الأخيرة، تعافت سلاسل التوريد العالمية أخيرًا بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات الناجمة عن الوباء وحتى إغلاق قناة السويس لفترة وجيزة، التي تقع في الطرف الشمالي الغربي من البحر الأحمر، وتتعامل مع حوالي 12% من التجارة العالمية. فقد انخفضت أسعار الشحن بشكل حاد، وتم حل مشكلة التأخير الطويلة التي أربكت تجار التجزئة في الولايات المتحدة وأوروبا.
حتى الآن، لم تتسبب المشاكل في البحر الأحمر في تعطيل سلاسل التوريد العالمية بنفس القدر الذي أحدثه الوباء. وقال فورجيوني: “لكننا نسير في هذا الاتجاه”.
واستمرت هجمات الحوثيين حتى بعد تشكيل قوة بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر لمنعها، وفقاً للصحيفة.
وبالفعل، قالت بعض الشركات، بما في ذلك إيكيا ونكست، شركة التجزئة البريطانية، إنها تتجنب قناة السويس. وقد يؤدي اتخاذ الطريق الطويل حول أفريقيا إلى تأخير وصول المنتجات.
والسؤال الحاسم الذي تطرحه نيويورك تايمز هنا هو “كيف سيتعامل قطاع شحن الحاويات مع الزيادة السنوية في الصادرات التي تحدث عادة قبل أن تتوقف المصانع الصينية عن العمل لأسابيع في العام القمري الجديد، الذي يصادف الشهر المقبل؟”
حسب أنواع السفن
تختلف الصعوبات بشكل كبير حسب أنواع السفن. ولم تتأثر ناقلات النفط إلا قليلاً، وهي مستمرة في استخدام البحر الأحمر، حيث يبدو أن الحوثيين لم يبدوا اهتماماً كبيراً بها.
على النقيض من ذلك، انخفض بحسب التقرير عدد السفن المتخصصة التي تحمل السيارات والتي تستخدم البحر الأحمر بأكثر من النصف الشهر الماضي مقارنة بديسمبر 2022، ليصل إلى 42 رحلة فقط، ولم تعبر البحر سوى واحدة فقط حتى الآن هذا العام، حسبما قال دانييل ناش، رئيس ناقلات المركبات في الشركة. VesselsValue، شركة بيانات الشحن في لندن، لنيويورك تايمز.
وكانت أول سفينة هاجمها مسلحون حوثيون في الأسابيع الأخيرة هي حاملة السيارات “غالاكسي ليدر” التي اختطفت في 19 نوفمبر أثناء عودتها إلى آسيا لنقل حمولة أخرى مكونة من عدة آلاف من السيارات. كما تم اختطاف الطاقم المكون من 25 فردًا، ومعظمهم من الفلبينيين، ولا يبدو أنه تم إطلاق سراحهم حتى الآن، بحسب الصحيفة.
إن الرحلات الأطول حول أفريقيا للسفن المحملة بالسيارات المتجهة إلى أوروبا من آسيا تشكل اضطرابا بشكل خاص في الوقت الحالي بالنسبة لصناعة السيارات العالمية. وتعمل شركات صناعة السيارات الصينية على زيادة صادراتها إلى أوروبا بسرعة، وخاصة السيارات الكهربائية. وحتى قبل اضطرابات البحر الأحمر، ارتفعت أسعار الإيجار اليومي لشركات نقل السيارات عبر المحيطات إلى 105 آلاف دولار، بعد أن كانت 16 ألف دولار قبل عامين.
ويأتي انقطاع الطريق عبر البحر الأحمر أمام الشحن في وقت أدى انخفاض المياه في قناة بنما، بسبب الجفاف، إلى انخفاض عدد السفن التي يمكن أن تمر عبرها. وقد أجبر ذلك العديد من السفن على اختيار طريق أطول إلى الولايات المتحدة عبر قناة السويس.
ولا تزال المواقع الإلكترونية التي تتتبع الشحن تظهر عشرات السفن في البحر الأحمر، الذي يربط قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط ببحر العرب والمحيط الهندي. لكن الشركات الكبرى قلصت وجودها بشكل كبير أو كلي، بحسب التقرير.
وقالت شركة MSC، أكبر شركة لشحن الحاويات، في منتصف ديسمبر إنها تتجنب البحر الأحمر. وعادت شركة ميرسك، ثاني أكبر شركة، التي أوقفت مؤقتًا عبور البحر الأحمر، إلى المنطقة في أواخر ديسمبر وانسحبت مرة أخرى هذا الأسبوع بعد تعرض إحدى سفنها، ميرسك هانغتشو، لهجوم.
وقالت شركة الشحن الفرنسية CMA CGM، في بيان، إن بعض سفنها سافرت عبر البحر الأحمر، وإنها تخطط لزيادة تدريجية في المرور عبر قناة السويس. وأضافت: “نحن نراقب الوضع باستمرار، ونحن على استعداد لإعادة تقييم وتعديل خططنا على الفور حسب الحاجة”.
ولم تستجب شركة كوسكو، العملاق الصيني، لطلب التعليق. وقال متحدث باسم هاباغ لويد، التي لديها أسطول يضم أكثر من 250 سفينة حاويات ومقرها هامبورغ بألمانيا، إن الشركة تخطط للالتفاف حول أفريقيا حتى التاسع من يناير ثم تقييم الوضع.
السويس في وضع “غير مألوف”
وأظهر تحليل قدمته شركة فليكس بورت، وهي شركة تكنولوجيا لوجستية، أنه حتى يوم الخميس، كانت 389 سفينة حاويات، وهو ما يمثل أكثر من خمس حجم الحاويات العالمية، قد تحولت بالفعل من قناة السويس أو كانت في طور القيام بذلك.
ونقلت الصحيفة عن ناثان سترانغ، مدير الشحن البحري في شركة Flexport قوله : “يتعلق الأمر بتقييم المخاطر وحماية الأرواح والممتلكات والبضائع”. “إذا كان بإمكانك تجنب موقف يعرضك لخطر وجودي بمجرد تجنبه، فافعله.”
ومن غير المألوف حدوث انقطاعات في عبور قناة السويس، بحسب نيويورك تايمز، التي ذكرت بإغلاق القناة أمام الملاحة الدولية لمدة ثماني سنوات بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. وقال أنور السادات، الرئيس المصري في ذلك الوقت، إن إعادة فتح القناة كانت “أسعد يوم في حياتي”.
وقد تكون بعض سفن الحاويات التي لا تزال تستخدم البحر الأحمر متجهة إلى موانئ هناك أو قادمة منها، مثل تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية. ولأسباب مالية، بحسب الصحيفة، تواصل بعض سفن الحاويات الصغيرة أيضًا عبور البحر الأحمر للقيام برحلات بين أوروبا وآسيا.
يمكن للسفن التي تحمل أعدادًا كبيرة من الحاويات أن تتحمل التكاليف الإضافية للدوران حول أفريقيا، لكن سترانغ قال لنيويورك تايمز إن المرور الأطول يمكن أن يدمر اقتصاديات السفن التي تحمل 5000 حاوية أو أقل.
لا مقارنة مع زمن الوباء
أسرع طريق إلى الموانئ على الساحل الشرقي للولايات المتحدة من الصين يمر عبر قناة بنما. لكن شركات الشحن التي تجنبت تلك القناة بسبب الجفاف يجب عليها الآن أن تبحر لفترة أطول أثناء دورانها حول رأس الرجاء الصالح، حيث تستغرق الرحلة أيام أطول، أو حوالي 40% أكثر، من السفر عبر قناة بنما، وفقًا لحسابات شركة فليكسبورت.
ارتفعت تكلفة نقل حاوية إلى ميناء الساحل الشرقي من الصين إلى حوالي 3900 دولار من 2300 دولار قبل هجمات البحر الأحمر، وفق ما ينقل التقرير عن زفي شرايبر، الرئيس التنفيذي لشركة فريتوس، وهي سوق شحن رقمية.
عندما كان ازدحام الشحن في أسوأ حالاته خلال الوباء، وصلت التكلفة الى 20 ألف دولار.
وقال فورجيوني، من المعهد التجاري لنيويورك تايمز “إن تكاليف التأمين، التي لا تزيد عادة عن 0.2% من قيمة السفينة لكل رحلة، قفزت إلى 0.7% للسفن التي تخطط لدخول البحر الأحمر.” وأضاف: “هذه زيادة كبيرة للغاية”.
من جهته قال شرايبر إنه يتوقع أن تكون شركات الشحن قادرة على التعامل مع الاضطراب الحالي، لأنه بعد شراء المزيد من السفن في السنوات الأخيرة، أصبح لديها الكثير من الطاقة الاحتياطية للتعامل مع فترات سفر أطول.
وأضاف: “على الرغم من أن الصدمة كبيرة، وربما ستكون أكبر في نهاية المطاف، إلا أن الشبكة تتعامل معها”.
كما نقلت الصحيفة عن كريستيان رويلوفس، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة Container xChange، وهي منصة لوجستية للحاويات عبر الإنترنت، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الاضطرابات الحالية في سلسلة التوريد من الصين تبدو “متواضعة نسبيًا” مقارنة بما حدث عندما فرضت البلاد عمليات الإغلاق أثناء الوباء.
#خياران #أحلاهما #مر #أمام #شركات #الشحن #البحري #بسبب #هجمات #الحوثيين
تابعوا Tunisactus على Google News