عوامل سياسية وشعبية وتاريخية تُبعد تونس عن التطبيع
خلال تظاهرة في العاصمة تونس ضد التطبيع (ياسين قايدي/الأناضول)على الرغم من المدّ التطبيعي في بلدان عربية عدة ووصوله إلى المغرب العربي، فإنّ تونس تبدو بعيدة جداً عن هذه الأجندات لأسباب كثيرة، من بينها تاريخ العداوة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ منتصف القرن الماضي، وتاريخ الدم الذي دونته الاعتداءات الإسرائيلية على تونس والاغتيالات فيها، والموقف الشعبي غير القابل للتفاوض. فضلاً عن النسيج السياسي الذي لا يمكّن جهة أو مؤسسة واحدة من اتخاذ قرار مماثل؛ لا الرئاسة وحدها ولا الحكومة ولا البرلمان، خصوصاً أنّ الديمقراطية التونسية تتيح لمواطنيها معاقبة حكامهم وإقصاء بعضهم من الخريطة السياسية في الانتخابات، وتضغط حتى قبل إصدار قوانين وتمنع التداول فيها أحياناً.
نفت الخارجية التونسية إمكانية إرساء علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني
وبعد تلميحات صحافية أميركية بإمكان تطبيع تونس مع إسرائيل، سارعت وزارة الخارجية التونسية، مساء أول من أمس الثلاثاء، لنفي “الأنباء المتداولة في عدد من وسائل الإعلام حول إمكانية إرساء علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني”، مؤكدةً أنّ “كل ما يروج من ادعاءات في هذا الخصوص لا أساس له من الصحة، ويتناقض تماماً مع الموقف الرسمي المبدئي للجمهورية التونسية المناصر للقضية الفلسطينية العادلة والداعم للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني”. وذكّرت الوزارة، في بيان، بما وصفته بـ”الموقف الثابت لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي أكد في العديد من المناسبات أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف ولا للسقوط بالتقادم، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس”.
من جهته، أكد “الاتحاد العام التونسي للشغل” رفضه لأيّ تعامل مع الكيان الصهيوني تحت أيّ ذريعة؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو أكاديمية أو غيرها. واعتبر في بيان له أول من أمس الثلاثاء، أنّ “التبريرات التي يسوّق لها البعض والمتصلة بإغراءات الاستثمار والتشجيع على السياحة وتقديم الدعم المالي، إنّما هي أوهام يزرعها دعاة التطبيع لضمان مصالحهم مع الكيان الصهيوني والدول الراعية له، ولن ينال التونسيات والتونسيين منها غير مزيد من التفقير والاستغلال ونهب ثروات بلادهم”. وحذّر الاتحاد السلطة من أيّ خطوة تطبيعية، مؤكداً أنّ “النقابيين والقوى الوطنية وكافة الشعب التونسي، سيتصدّون لأي محاولة لجرّ تونس إلى مستنقع التطبيع”، مجدداً مطالبة البرلمان بالمصادقة على المبادرة الخاصة بسنّ قانون تجريم التطبيع.
في السياق، أكد الأمين العام لـ”التيار الديمقراطي”، غازي الشواشي، أنه “لا توجد اليوم سلطة في تونس بمقدورها الموافقة على التطبيع مع الكيان الصهيوني، فتونس أنجزت ثورة الحرية والكرامة، ومن ضمن القضايا الأساسية التي يتبناها شعبها، بقطع النظر عمن يحكم، القضية الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن أن يحصل التطبيع”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “الحكومة ضعيفة ورئيس الدولة يعتبر أن التطبيع خيانة عظمى، وأغلب الكتل في البرلمان التونسي مع القضية الفلسطينية. وبالتالي ما يُروّج من أخبار على أساس أنه صادر عن جهات أميركية غير صحيح، لأن تونس لا يمكن أن تطبّع مع إسرائيل، وهي كانت ضحية لهجمات الكيان الصهيوني في مدينة حمام الشط (في إشارة إلى الغارة الإسرائيلية التي استهدفت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 1985 مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، واغتيال (القيادي في حركة فتح) خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس عام 1988، وهي الأرض نفسها التي استضافت المقاومة الفلسطينية لسنوات عدة”.
الاتحاد التونسي للشغل: النقابيون والقوى الوطنية وكافة الشعب التونسي، سيتصدّون لأي محاولة لجرّ تونس إلى مستنقع التطبيع
وأضاف الشواشي “بتاريخ كهذا، لا يمكن أن تكون هناك إرادة أو رغبة للتطبيع مع إسرائيل وتكوين علاقات مثلما فعلت العديد من الدول العربية”، معتبراً أنّ “الدول المطبّعة اختارت تغليب مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية على دعم القضية الفلسطينية، ولكن تونس لا يمكن أن تقبل ذلك”. وأشار إلى أنّ “الكتلة الديمقراطية” في البرلمان “كانت تقدمت منذ نحو عام بمشروع قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتم أخيراً تعديل المشروع ومراجعته، وبالتالي وبعد المصادقة عليه، سيصبح هناك نص صريح يجرم أي تواصل وتعامل تجاري واقتصادي وثقافي ورياضي وفي أي مجال كان مع الكيان، إلى حين استرداد الشعب الفلسطيني لحقوقه، وهو أبسط ما يمكن أن تقدمه تونس للقضية الفلسطينية”.
واعتبر الشواشي أنّ “النظر في هذا المشروع في هذا الظرف سيكون أنسب، باعتبار أن العديد من الدول بصدد التطبيع، وبالتالي ستكون له الأولوية المطلقة وربما سيكون هناك استعجال للنظر فيه”. وبيّن أنّ “مشروع القانون أحيل على لجنة التشريع العام ويؤمل أن يتم النظر فيه ومناقشته والمصادقة عليه بعد عودة عمل البرلمان. وبذلك، ستكون تونس أول دولة عربية تصدر نصاً قانونياً يجرم التطبيع ويجرم إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني”.
أما النائب عن حركة “الشعب” خالد الكريشي، فأكد في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنّ “تونس لا يمكنها التطبيع مع الكيان الصهيوني لأنه لا يوجد فيها اليوم سلطة بإمكانها الموافقة على ذلك”. وأشار إلى أنّ “الكتلة الديمقراطية ماضية في مشروع قانون تجريم التطبيع، الذي سيكون حائلاً دون إبرام أي اتفاقية في هذا الصدد، ومن يقوم بذلك ستتم متابعته قانونياً، وبالتالي ما سيمنع التطبيع هو القانون أولاً ثمّ الالتفاتة الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني واتحاد الشغل، وجميعهم ضدّ التطبيع”. ولفت إلى أنّ “هذه الخطوة استباقية، في ظلّ الهجمة الكبيرة من العدو الصهيوني والهرولة للتطبيع مع الأنظمة العربية”. وأكد الكريشي أن التصريحات والتلميحات حول إمكانية تطبيع تونس “هي محاولات لجعل هذا الأمر مسألة طبيعية، أي سياسة التطبيع مع التطبيع، والتشريع للتطبيع”.
سيصبح هناك نص صريح يجرم أي تواصل وتعامل مع إسرائيل
من جهتها، رأت عضو “الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية”، نعيمة عمامو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “عوامل عدة تدفع تونس لعدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، أولا رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي صرح بأن التطبيع خيانة عظمى، وهي نقطة مهمة لأنه يشرف على ملف العلاقات الخارجية والأمن القومي، وبالتالي لن يقبل بالتطبيع، وإن حدث فسيكون بمثابة الموت السياسي له، ثمّ الأحزاب والمجتمع المدني في تونس وجميعهم ضدّ التطبيع، لا سيما الاتحاد العام للشغل”. وأضافت عمامو أنّ “الشعب التونسي عموماً ضدّ هذا الأمر، ومن الصعب جداً أن يحصل، على الرغم من الإغراءات المالية والوضع الاقتصادي الدقيق”. وتابعت: “صحيح هناك دول عربية قبلت التطبيع وقدمت التبريرات بالوضع المالي والمصالح، ولكن لو تأملنا الوضع مثلاً في دولتي مصر والأردن اللتين طبّعتا مع الكيان منذ أكثر من 40 عاماً، لوجدنا أنّ وضعيهما مع ذلك لم يتغير وظروف البلدين لم تتجه للأحسن، بل زاد تفقير الشعب، وبالتالي لم يكسبوا شيئاً”.
ولفتت عمامو إلى أنّ “هناك مقايضات مع الدول العربية التي طبّعت، وقبول بعض الأنظمة لهذا الأمر لا يعني أن الشعوب قابلة للتطبيع، وفي أول فرصة ستندد الشعوب بذلك، وسيظهر الأمر من خلال تظاهرات تجوب البلدان المطبعة”. واعتبرت أنّ الأنظمة المطبّعة “لا تتعظ من التاريخ والجغرافيا، فالكيان الصهيوني إلى زوال، والتطبيع إلى زوال”، خاتمةً بالقول “التطبيع لن يمر في تونس وسيكون على جثث التونسيين”.