مع اقتراب انتهاء المهلة.. ما فرص تشكيل حكومة جديدة بتونس؟
تزداد أزمات تشكيل الحكومات في العالم العربي، وتحتل تونس صاحبة شرارة الربيع العربي والانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة بعد الثورة صدارة الدول التي تعاني من تجاذبات سياسية لتشكيل حكومة جديدة بعيد آخر انتخابات برلمانية أجريت في أكتوبر 2019.
ورغم نجاح تونس في التأسيس لحياة ديمقراطية جديدة بعد فصول من الاستبداد السياسي قبل الثورة، إلا أن الشعب التونسي لم يثق بما يكفي بحزب واحد لإعطائه الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة منفرداً بعد حوالي ثلاثة أشهر من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما قد يدفع إلى التوجه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وتعاني الحكومات الائتلافية من ضعف في بنيتها السياسية، ولكنها مقبولة دستورياً ومعمول بها في الكثير من الدول الديمقراطية حول العالم وإن كان يصاحبها هشاشة في اتخاذ القرارات، وهي تأتي كنتيجة لعزوف الناخبين أو توجيه التونسيين رسائل سياسية لأحزاب بلادهم عن ضرورة تطوير الأداء.
اقتراب انتهاء المهلة
ومنذ تكليف الرئيس التونسي قيس سعيد لإلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة في 20 يناير الماضي، بعد فشل الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان نتيجة الخلافات الحزبية، يبدو أن الطريق ما زال متعثراً أمام رئيس الوزراء الجديد حيث لم يتبق أمامه إلا نحو 10 أيام.
ولرئيس الحكومة المكلف 30 يوماً للإعلان عن تشكيلة حكومته حسب الفصل 89 من الدستور ، بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل الثقة.
ومنذ تم تكليفه، يلتقي الفخفاخ مع ممثلي الأحزاب الحائزة على أصوات التونسيين في البرلمان، مبيناً استعداد نحو 10 أحزاب المشاركة في الحكومة المقبلة.
ففي يوم الجمعة (7 فبراير 2020)، قال الفخفاخ إنه التقى ممثلين عن أحزاب “حركة النهضة، والتيار الديمقراطي، وائتلاف الكرامة، وحركة الشعب، وحركة تحيا تونس”.
وأردف في بيان أنه ناقش مع ممثلي الأحزاب المعنية في دار الضيافة بقرطاج مقترحاتها للحقائب الوزارية وتوزيعها.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل الخلاف حول إدخال حزب “قلب تونس” في الحكومة الجديدة، ورفض بعض الأحزاب لذلك.
بدروه أعلن حزب “قلب تونس” الذي يقوده نبيل القروي قبل بيان رئيس الحكومة المكلف الجمعة، أن القروي التقى الفخفاخ بدعوة من الأخير، وناقش معه آخر تطورات تشكيل الحكومة.
وسبق للفخفاخ أن أكّد أن حزبي “قلب تونس” و “الدستوري الحر” سيكونان معارضة الحكومة المقبلة تحت قبة البرلمان، مشدداً أن “لا ديمقراطية دون معارضة حقيقية”.
واقترح نهاية يناير الماضي، برنامجاً من 11 صفحة من أجل ائتلاف حكومي، أوضح فيه أسس الائتلاف ومبادئه، ومقاربته الحكومية، والأولويات العاجلة المطروحة على الحكومة، وهندسة الحكومة على أساس 27 وزيراً وكاتب دولة واحد للخارجية.
وقال الباحث السياسي التونسي رياض الشعيبي في حديث مع “الخليج أونلاين”، إنه “في ظل المعطيات الحالية لا نستطيع تحميل طرف بعينه تعطيل تشكيل الحكومة، لأن حالة التشظي النيابي وعدم وجود أغلبية واضحة تفرض على رئيس الحكومة المكلف بذل مجهود عسير لتجميع الغالبية المطلوبة”.
وأضاف أنه “مازالت فرص تشكيل الحكومة قوية، لذلك من المستبعد الذهاب الآن لانتخابات مبكرة، اعتقد أن أغلب الأحزاب السياسية تتجنب الذهاب للانتخابات الآن بسبب كلفتها السياسية والتنظيمية الباهضة”.
لماذا تصر النهضة على “قلب تونس”؟
وفي ظل فشل أول حكومة، هناك تداعيات كثيرة تجري خلف كواليس المشهد السياسي التونسي، وهو ما دفع “حركة النهضة” للتحالف مع “قلب تونس”، فقد اجتمع القروي مع الشيخ راشد الغنوشي (رئيس البرلمان ورئيس الحركة) وإلياس الفخفاخ المكلّف بتشكيل الحكومة، يوم الخميس (6 فبراير 2020).
ويبدو أن حركة النهضة لا تريد تكرار ما حصل مع حكومة الجملي التي سقطت في الرهانات الحزبية السابقة، حيث لم ينل الثقة نتيجة عدم تصويت أحزاب لصالحه مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي.
ونقلت إذاعة “موزاييك أف أم” عن الغنوشي يوم الأربعاء (5 فبراير 2020) قوله: إن “النهضة ترفض مبدأ الإقصاء”، مبيناً أنها ليست متمسكة بإشراك حزب “قلب تونس” بقدر تمسكها بإشراك الجميع.
وقال: “لا يمكن لرئيس الحكومة المكلف أن يفرض على حزب ما أن يكون في المعارضة، وأن يختار له موقعه أو أن يصنّفه وفق رغبته”، لافتاً إلى أن النهضة لا تملك أي فيتو ضد الفخفاخ، خاصة أنه كان في الفريق الحكومي للترويكا (بين عامي 2012 و2014).
وأردف رئيس البرلمان أن “من يقود تشكيل الحكومة الآن هو إلياس الفخفاخ، وهذا ما ينص عليه الدستور، ولا يوجد دليل على أن الفخفاخ يأتمر بأوامر (الرئيس) قيس سعيّد.. لا يمكن أن تتشكل الحياة السياسية بإقصاء الحزب الثاني، وهو ما أدركه الباجي قايد السبسي الذي تأكد أنه لا يمكن النجاح إلا بإشراك النهضة”.
وأكد أن الرئيس سعيد لم يختر الشخصية الأفضل لتشكيل الحكومة، في إشارة إلى الفخفاخ، مشيراً إلى أن “الأسماء التي اقترحناها على رئيس الجمهورية كانت أفضل من الفخفاخ، لكن سعيد لم يختر الشخصية الأفضل من وجهة نظر النهضة”.
ويتفق “قلب تونس” مع النهضة بأن التوجه نحو حكومة “وحدة وطنية صائب”، معتبراً أنه أفضل حل للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
كما يحمل “قلب تونس” الفخفاخ مسؤولية تعثر مسار تشكيل الحكومة وتأخرها حتى الآن.
ويرى الشعيبي أن “حركة النهضة تصر على مشاركة قلب تونس من أجل استعادة المبادرة السياسية بعد محاولة تهميشها من الكتلة الديمقراطية، كما أن الاستحقاقات التشريعية في المجلس تفترض تشريك كتلة قلب تونس في تحالف يمكن من تمرير المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي”.
ضغوط على النهضة
ومع الوضع السياسي المعقد الذي تمر فيه البلاد، تواجه النهضة أكبر الكتل البرلمانية (54 نائباً من أصل 217) عبر اقتراح قانون لتغيير فترة ولاية رئيس البرلمان، والذي يشغله رئيسها.
ويوم الخميس (6 فبراير 2020)، صادقت لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية بمجلس النواب، على مقترح لتعديل القانون الداخلي، يقضي بانتخاب رئيس للبرلمان عند انطلاق كل سنة برلمانية.
فيما رفض نواب حركة النهضة بشكل مطلق المقترح، لأجل حماية رئيس الحزب راشد الغنوشي واستمراره في منصبه خلال الحقبة التشريعية في السنوات الخمس القادمة.
واعتبر نواب “النهضة” أنّ “البرلمان يجب أن يبقى مستقراً على مستوى رئاسته على الأقل للفترة الخماسية، في وقت يتم التداول على بقية المسؤوليات والمناصب البرلمانية الأخرى على غرار مكتب البرلمان ورئاسات اللجان القارة والخاصة”.
ويرى نواب النهضة أنه في ظل “الصعوبات التي يعيشها البرلمان في مفتتح كل دورة برلمانية سنوية؛ بسبب إعادة تنصيب اللجان والمكتب سيعطل ذلك من تقدم عمل المجلس”، مذكّرين بصعوبات انتخاب الرئاسة في بداية الدورة الماضية”.
ويرى متابعون أن إعادة طرح المشروع من قبل التيار الديمقراطي والكتلة الديمقراطية يهدف إلى كسر الشراكة السياسية بين “النهضة” و”قلب تونس” و”كتلة المستقبل” و”كتلة الكرامة”، وهو الذي أوصل الغنوشي لرئاسة البرلمان، فيما أن إقرار القانون – وهو صعب – قد يدفع لمقاربات جديدة؛ “النهضة” لا تفضلها في الوقت الراهن.
في المقابل أشار الشعيبي بقوله لـ “الخليج أونلاين” إن “حركة النهضة كانت أول كتلة تحدثت عن تعديل مدة رئاسة البرلمان في العهدة النيابية السابقة، لذلك لا أعتقد أنها ستنزعج كثيراً من إقرار هذا التعديل الآن، ورفضها مفهوم باعتبار رئيس الحركة هو رئيس المجلس في الوقت الراهن”.
وأردف أنه “من غير المرجح أن تتغير موازين القوى بما يمكن أن يؤثر على تركيبة رئاسة المجلس في أية محاولة لتغييرها، هذا فضلاً عن أن هذا التعديل لم يقع إقراره بعد في الجلسة العامة ولا يزال مجرد مقترح من لجنة النظام الداخلي”.
وبحسب النظام الداخلي للبرلمان فإن تعديل قانون تداول الرئاسة يحتاج إلى التصويت في جلسة عامة، حتى يتم تمريره بالأغلبية المطلقة للأعضاء على ألا تقل عن 109 أصوات، وهي نفس أغلبية التصويت المطلوبة لانتخاب رئيس البرلمان، ما يجعل من الصعب عملياً تمرير هذا المقترح.
الصورة من المصدر : alkhaleejonline.net
مصدر المقال : alkhaleejonline.net