هل تراجع تونس شراكتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي | آمنة جبران
تونس – تواجه الشراكة التونسية – الأوروبية انتقادات كبيرة داخل الأوساط الاقتصادية، حيث يعتبر خبراء أن السياسة الأوروبية غير المتكافئة قادت إلى الركود، في ظل تسجيل أرقام خطيرة على مستوى فقدان الوظائف وهجرة الأدمغة وارتفاع نسب البطالة والفقر، ما وضع الشراكة الأوروبية على محك عدم الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
ووجّهت منظمة أوكسفام الدولية انتقادات حادة إلى دول الاتحاد الأوروبي بسبب سياساتها التجارية غير العادلة وغير المتكافئة في دول شمال أفريقيا وتحديدا تونس والمغرب، ما قاد في النهاية إلى ركود في التنمية الاقتصادية.
وتزامنت انتقادات أوكسفام، وهي تحالف يضم 19 منظمة خيرية دولية هدفه مكافحة الفقر، مع مرور أكثر من عشرين عاما على توقيع تونس اتفاق التجارة مع أوروبا، حيث وُقع الاتفاق الذي يهدف إلى فتح قنوات للتجارة الحرة في يوليو 1995.
وجاء تقرير المنظمة بعنوان “غياب الانسجام في العمق”، والذي يبحث في كيفية تأثير 20 سنة من مفاوضات التجارة والهجرة غير المتكافئة بين الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا، حيث أن المغرب وتونس “أكبر الخاسرين” من سياسات التجارة والهجرة للاتحاد الأوروبي. وأكدت المنظمة في تقريرها الذي نشر في الآونة الأخيرة أن “السياسات التجارية غير العادلة، وغير المتّسقة، والمزدوجة، التي يتبعها الاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا ساهمت في فقدان الوظائف، واستنزاف العقول، والتأثيرات السلبية الساحقة على أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفها”.
ولاحظ التقرير أن سياسة أوروبا التجارية حرمت الناس من سبل العيش والفرص الاقتصادية في بلدانهم، ما دفعهم نحو الهجرة إلى أوروبا التي تمنعها في نفس الوقت.
ويرى خالد شوكات السياسي التونسي في حديثه لـ”العرب” أن تونس مطالبة بشكل دوري بمراجعة علاقتها مع شريكها الاستراتيجي الأول وهو الاتحاد الأوروبي، مستدركا “لكن لو تمتد هذه المفاوضات إلى بقية دول المغرب العربي، فمن شأن ذلك أن يحسن موقع تونس التفاوضي”.
وتأتي الدعوات إلى مراجعة الاتفاق وسط انتقادات لمساعي أوروبا لفرض اتفاق مع تونس معروف باسم “أليكا”، ويعني اتفاقية للتبادل التجاري الحرّ الشامل والمعمّق، فيما أبدت أوساط تونسية مخاوف وتحذيرات من خطورة الاتفاقية والمزيد من إغراق الاقتصاد المتردي.
خالد شوكات: إحياء الاتحاد المغاربي يحسن موقع تونس التفاوضي مع أوروبا
ويعد مشروع الاتفاقية امتدادا لاتفاقية التبادل الحر والشراكة التي أبرمتها تونس مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995، حيث كانت أول بلد من جنوب البحر المتوسط يوقع مثل تلك الاتفاقية. وكانت الشراكة في شكلها الأول تشمل المنتجات الصناعية، فيما تقترح النسخة التي يقع التفاوض بشأنها إدراج مجالات جديدة مثل الزراعة والخدمات.
وأضاف شوكات “الأوروبيون يفاوضوننا مجتمعين، ونحن نفاوضهم فرادى، في حين أن العلاقات الأوروبية المغاربية متطورة”. وبرأي شوكات “كلما كان بإمكاننا إحياء الرابطة المغاربية وتوحيد المواقف، كلما انعكس ذلك إيجابا على العلاقات مع أوروبا”.
ولم تعقد أي قمة على مستوى رؤساء الدول المغاربية منذ قمة تونس سنة 1994، وهو ما أعاق طموحات التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية وعرقل تطورها.
ويعتقد السياسي التونسي صحبي بن فرج، أن القضية أعمق وأشمل حيث يجب أن نطرح تساؤلات أخرى وهي “ماهي الخيارات البديلة في حال غياب الشراكة الأوروبية؟”.
ويتابع بن فرج في تصريحه لـ”العرب” أن “على تونس الانفتاح على الصين وأوروبا وتطوير علاقاتها المغاربية والأفريقية”.
وحمّل بن فرج مسؤولية فرض دول الاتحاد شروطها على البلد إلى ضعف المفاوض التونسي الذي لم يكن يمتلك المهارات الكافية لمناقشة الشروط الأوروبية. وتبعا لذلك كانت المفاوضات لصالح الطرف الأوروبي على حساب التونسيين.
إضافة إلى ذلك، فإن تفكك النسيج الصناعي قبل وبعد ثورة يناير جعل تونس في وضع غير تنافسي مع أوروبا في ظل غياب أي خيارات أخرى أمام المصنّع التونسي، حسب ما ذهب إليه بن فرج، معلقا “ما زلنا في تبعية اقتصادية وثقافية لأوروبا.. كما أننا لم نطور أنفسنا بالبحث عن آفاق تعاون أخرى”.
صادق جبنون: الإشكالية في عدم توازن القوى بين تونس والاتحاد الأوروبي
وحسب تقييم خبراء الاقتصاد، فإن اتفاق الشراكة بين الطرف التونسي والأوروبي غير متوازن، حيث تولي دول الاتحاد الأولوية لفاعليها الاقتصاديين وتمنحهم الامتيازات، فيما تغض النظر على مصالح الفاعلين التونسيين ولا تنتهج سياسة المعاملة بالمثل.
ويجمع الخبراء على أن أهم تحدّ يواجه تونس يتمثل في عدم قدرة اقتصادها، ولاسيما القطاعات الاستراتيجية، على تعزيز موقعها كشريك حقيقي مع أوروبا.
ويشير الخبير الاقتصادي محمد صادق جنبون لـ”العرب” إلى أن “الإشكالية في عدم توازن القوى بين تونس والاتحاد الأوروبي”.
وقال “إذا قمنا باحتساب الواردات والصادرات حسب المعايير التي يعتمدها صندوق النقد الدولي، سنجد أن تونس تعاني من عجز تجاري دائم مع الاتحاد الأوروبي”، موضحا أن “الاتحاد الأوروبي لا يخصص إلا 1 في المئة لدول الجوار من الناتج الخام، بينما اليابان تخصص 10 في المئة على سبيل المثال”.
واستدرك “هذا لا يمنع من وجود قطاع مصدّر كلّيا إلى أوروبا الذي مكّن من تشغيل 300 ألف تونسي، لكن تبقى العلاقة غير متوازنة لأن اتفاقية 1995 كلفت تونس 40 في المئة من نسيجها الصناعي”.
وتعد أوروبا بالنسبة إلى تونس شريكا استراتيجيا بارزا، وتعززت العلاقات الأوروبية – التونسية منذ ثورة يناير 2011، حيث أبدت الدول الأوروبية دعمها لتونس في مرحلة الانتقال الديمقراطي مشيدة بتجربتها الديمقراطية.
مع ذلك، تبقى اتفاقات التجارة والعلاقات الاقتصادية محل تساؤل ومشكوكا في نتائجها في ظل عدم تقديم حلول جدية لإنقاذ الاقتصاد التونسي وتكبيله بسياسة الاقتراض والديون.
ويعتقد جبنون أن “العلاقة مع أوروبا لا تقوم على شراكة حقيقية، بما أن دول الاتحاد تطلب المزيد من فتح الحدود والحريات الاقتصادية للفاعلين الأوروبيين دون أن تعامل بالمثل الفاعلين التونسيين الذين تفرض عليهم قيودا على التنقل بسبب التشدد في سياسة الهجرة”.
ويستنتج بالقول “على تونس أن تحسن التفاوض في المرحلة المقبلة والتوجه إلى شراكة حقيقية بفتح المجال الأوروبي نحو المنتج التونسي ونقل التكنولوجيا إليها”.
وحسب تقدير نبيل عبده، مستشار أوكسفام الإقليمي للسياسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن 20 سنة من عدم الاتساق في السياسات تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بأكثر الفئات فقرا وضعفًا في شمال أفريقيا.
وكانت أوكسفام قد دعت في تقريرها الاتحاد الأوروبي والمغرب وتونس إلى سياسة أكثر توازنا بضمان أن أي استئناف لمفاوضات التجارة والهجرة، ينبغي أن يدعم الانتعاش العادل والشامل لجميع الأشخاص الذين يعيشون في شمال أفريقيا.
وبعد مرور عشرين عاما على توقيع اتفاق التجارة بين تونس وأوروبا، يتساءل الخبراء والمتابعون عن قدرة تونس على إعادة تقييمه ومراجعته لضمان فرص اقتصادية أفضل تلبي تطلعات الشارع.