الأزمة الأوكرانية.. الفرص والمخاطر للاقتصادات العربية

تاريخ النشر:
21 مارس 2022 7:17 GMT

تاريخ التحديث: 21 مارس 2022 8:35 GMT

ناصر التميمي

لا تزال تفاعلات الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك اقتصادات المنطقة العربية.

طبعًا، لا يمكن، حتى الآن، التكهن بجملة التداعيات العميقة التي تنتج عن اﻷزمة؛ ﻷن ذلك يعتمد على مدى إطالة الحرب، والاتجاه المستقبلي للعقوبات المفروضة على روسيا.

ومع ذلك، يمكن الجزم بأن يؤثر الصراع بين روسيا وأوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر بضع قنوات رئيسة، ومنها أسواق الطاقة والسلع الزراعية، والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، والاضطراب الأوسع في سلاسل التوريد، والسياحة، بالإضافة إلى القضايا الاستثمارية والمالية.

فيما يخص أسعار الطاقة، من المتوقع أن يستفيد منتجو النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الطلب على صادراتهم من المشترين الباحثين عن بدائل لروسيا.

يمكن أن تجني جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست – السعودية والإمارات وقطر والكويت وعُمان والبحرين – وكذلك الجزائر وليبيا والعراق، وحتى سوريا، إيرادات مالية كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب.

ويمكن كذلك لمصدّري الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال – بما في ذلك قطر والإمارات وعُمان والجزائر ومصر وليبيا – الاستفادة من تجاه من الاستثمارات الجديدة لتعزيز قدراتهم الإنتاجية والتصديرية، لتغذية الأسواق في أوروبا أو مناطق أخرى.

وعلى العكس من ذلك، يواجه المستوردون في المنطقة العربية فاتورة استيراد وقود أعلى بكثير على المدى القصير؛ ما قد يقوض الحسابات الجارية، ويقوض احتياطيات النقد الأجنبي، ويضغط على أسعار الصرف، ويزيد من التضخم المستورد، بالمحصلة الحاجة إلى المزيد من التمويلات أو الديون الخارجية.

ويبدو أن البلدان المستوردة للطاقة، مثل: الأردن، ولبنان، والمغرب، وتونس، هي الأكثر عرضة للخطر من الآثار السلبية لارتفاع فواتير الاستيراد.

علاوة على ذلك، ستتعرض الميزانيات المالية في هذه البلدان وغيرها من الدول المستوردة للطاقة لضغوط من أنظمة دعم السلع الاساسية والكهرباء المكلفة.

على صعيد آخر، تشكل الأزمة الأوكرانية تهديدًا للأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسبب ارتفاع المدخلات الزراعية وتكاليف التشغيل – بما في ذلك الأسمدة والوقود – وارتفاع تكلفة الواردات الغذائية والوصول إلى الإمدادات الكافية، وخاصة القمح والذرة.

تمثل روسيا وأوكرانيا معًا أكثر من ربع تجارة القمح العالمية وما يقرب من خُمس تجارة الذرة العالمية، في حين أن معظم منتجاتهما تعبر البحر الأسود، وتُباع في أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وهنا تتجه كل الأنظار إلى موسم الحصاد الرئيس هذا العام، الذي يمتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، وطرق شحن البضائع المنبثقة من موانئ البحر الأسود، وشبكة العقوبات الدولية الآخذة في الاتساع على روسيا.

ينطوي الصراع على خطر تعطيل سلاسل التوريد الزراعية ورفع مستويات أسعار الحبوب، في وقت أثبت فيه النقص وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مشكلة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تتعرض دول المغرب العربي – المغرب والجزائر وتونس وليبيا – وأيضًا مصر والعراق ولبنان والسودان وسوريا واليمن للخطر بشكل خاص، نظرًا لمستوى انكشافها العالي على واردات الإمدادات الغذائية التي تعبر البحر الأسود.

في الجانب المالي، قد تتعرض الاستثمارات الروسية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتهديد، بسبب اتساع شبكة العقوبات المفروضة على موسكو والتي تخلق قيودًا على تمويل الشركات وتزيد من الحواجز أمام استخدام نظام المدفوعات العالمي.

على سبيل المثال وحسب الأرقام التي أوردتها وحدة المعلومات التابعة للإيكونوميست، تمتلك الشركات والمقاولون الروس ما قيمته 41 مليار دولار من المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي إما قيد التنفيذ وإما في مراحل الهندسة والتصميم الأولية أو التأهيل المسبق أو تقديم العطاءات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يخضع رأس المال الاستثماري الروسي _الذي وجد ترحيبًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا_ لمزيد من عمليات التدقيق والمراقبة، بما في ذلك الاستثمار الروسي في قطاع العقارات في الخليج، وخاصة دبي.

ورغم أن التأثير لا يزال حتى الآن محدودًا على معظم عملات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن عوامل، مثل: قوة الدولار الأمريكي، وتجنب المخاطرة للاستثمار في الأسواق الناشئة، وتشديد شروط التمويل العالمية، واحتمالات تراجع معدلات النمو في منطقة اليورو، قد تسهم في زيادة الضغوط النزولية على عملات مثل الدرهم المغربي والدينار التونسي والجنيه المصري.

في المقابل، قد تعاني صناعة السفر والسياحة في أجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من انتكاسة كبيرة أخرى بسبب الأزمة الأوكرانية، وفي وقت يكافح فيه القطاع للتعافي من جائحة كوفيد – 19، فإن فرض قيود السفر التي تؤثر على السياح الروس – بما في ذلك حظر الرحلات الجوية عبر المجال الجوي للاتحاد الأوروبي – جنبًا إلى جنب مع التراجع الكبير للعملة الروسية والعقوبات الدولية على المؤسسات المالية الروسية قد يعوق أو يردع السياح الروس من السفر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

على سبيل المثال شكّل الروس والأوكرانيون نحو ثلث السياح الذين زاروا مصر قبل جائحة كورونا، في حين كانت روسيا ثاني أكبر سوق مصدر لقطاع السفر والسياحة في دبي في عام 2021.

الخلاصة، هذه العوامل مجتمعة من المرجح أن تعمق الفجوة الاقتصادية بين الدول العربية المصدرة للطاقة والأخرى المستوردة، وأن تسهم في تسريع معدلات التضخم؛ ما يؤثر على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، خصوصًا في الدول غير النفطية.

طبعًا، في هذه الحالة غالبية الحكومات ربما تكون مضطرة إلى زيادة فواتير الدعم، تحسبًا لأي تداعيات اجتماعية أو سياسية؛ ما يدفع إلى تعميق الاختلالات المالية، إذ سيؤدي ذلك إلى عجز مالي أوسع وأعباء ديون أعلى في تلك الاقتصادات، وربما تعطيل مسيرة الإصلاحات الاقتصادية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

#الأزمة #الأوكرانية #الفرص #والمخاطر #للاقتصادات #العربية

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد