- الإعلانات -

- الإعلانات -

المفكر المغربي الدكتور إدريس الكنبوري: من الصعب عزل الجانب الدعوي عن السياسي لدى الحركة الإسلامية

منذ 13 ساعة

حاوره: الطاهر الطويل

حجم الخط

يرى الكاتب والمفكر المغربي الدكتور إدريس الكنبوري أن ثمة قطيعة بين النخبة السياسية والنخبة الفكرية في العالم العربي، موضحا أنه منذ مرحلة الربيع العربي، بدأ الشارع العربي ينتقل شيئا فشيئا نحو النخبة الثانية، ويطلق النخبة السياسية التي يئس منها، وحلّ الافتراضي محلّ الحزبي. ويؤكد أن النخبة الثقافية لم تتعدّ بعد إلى قوة اجتماعية ضاغطة من أجل التغيير، وهذا يتطلب مزيدا من الوقت. كما يعتقد أن الإصلاح الديني كان مطلبا شعبيا لتحقيق النهضة، فصار اليوم مطلبا رسميا لمحاربة العنف، أي أنه لم يعد فعلا حضاريا، بل رد فعل فحسب.حاصل على دكتوراه الدولة في علم الأديان، خبير في قضايا الجماعات الدينية والإسلام السياسي، صدرت له الكتب التالية: «العراق أولا: المشروع الأمريكي الإسرائيلي في العالم العربي» و»سلفي فرنسي في المغرب» و»الإسلاميون بين الدين والسلطة: مكر التاريخ وتيه السياسة» و»شيوعيون في ثوب إسلامي» و»كانوا شيعا: دراسات في التنظيمات الجهادية المعاصرة» و»وجها لوجه مع الشيطان: جهادي فرنسي في أرض الإسلام» بالإضافة إلى روايات: «زمن الخوف»و «الرجل الذي يتفقد الغيم» و»الكافرون».في هذا الحوار مع «القدس العربي» يتحدث إدريس الكنبوري عن حضور الإسلاميين في البلدان المغاربية، مُبديا رأيه في تجربة حزب «العدالة والتنمية» المغربي، وإشكالية التماسّ بين الدعويّ والسياسيّ لديه، وعلاقته الملتبسة مع باقي مكونات الأغلبية الحكومية في المغرب. وهنا نص الحوار:
*ما تقييمك لتجربة الإسلاميين في الحكم، على المستوى المغاربي عموما والمغربي خصوصا؟**أعتقد أن تجربة الإسلاميين في منطقة المغرب العربي تختلف بين قطر وآخر، سواء بالنظر إلى طبيعة النظام السياسي أو لطبيعة الحزب الإسلامي نفسه أو لطبيعة الشركاء السياسيين أو القوى السياسية الأخرى.بالنسبة للمغرب على سبيل المثال، يعود إشراك الإسلاميين في السياسة إلى النصف الثاني من التسعينات، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، عندما تم السماح بمشاركة حزب العدالة والتنمية ـ الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية آنذاك ـ بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 1997 وإن بشكل محدود، بعد أن قامت حركة التوحيد والإصلاح بجملة من التعديلات على تصوراتها السياسية ومواقفها تجاه الملكية وإمارة المؤمنين، قبل أن يوافق رئيس الحزب آنذاك، الدكتور عبد الكريم الخطيب، على فتح أبواب حزبهم أمام أعضائها.وأعتقد أن هذه الخلفية هي التي سمحت بأن يحل الحزب في انتخابات 2012 على رأس الأحزاب السياسية ويتولى قيادة الحكومة، من دون أن يكون لذلك أي تأثير واضح على البنية السياسية في البلاد، ولا على المكونات السياسية الأخرى.أما بالنسبة لتونس والجزائر مثلا فالأمر يختلف، في تونس ظل حزب النهضة مرفوضا وأعضاؤها ملاحقين من طرف نظام زين العابدين بن علي الذي أرسى نظاما متغوّلا، ليس فقط تجاه الإسلاميين، بل أيضا تجاه التنظيمات السياسية الأخرى. ولكن مرحلة بن علي خلفت وراءها إرثا سياسيا وثقافيا ثقيلا ما يزال يرفض التعايش مع الإسلام السياسي في البلاد. ولذلك من الصعب القول بأن تجربة الاندماج السياسي للإسلاميين ناجحة، لأن هذا يتطلب وقتا.أما فيما يتعلق بالجزائر فهناك اليوم ما يشبه نوعا من التفاهم الضمني بين الهيئات السياسية الإسلامية والجيش، بعد قبول الأولى المشاركة في السلطة خلال ما يسمى العشرية الدموية في الجزائر بعد الذي حصل في أعقاب انتخابات البلديات عام 1990 وفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وأعتقد أن مواجهة التنظيمات السلفية المسلحة ساهمت في بناء نوع من التلاحم بين الأحزاب السياسية الإسلامية وبين النظام السياسي.
المعارضة داخل التحالف
*إلى أي مدى ظل حزب العدالة والتنمية المغربية وفيا لمرجعيته الأدبية والفكرية وللشعارات التي أطلقها خلال حملاته الانتخابية السابقة؟**من الصعب القول بأن حزب العدالة والتنمية في المغرب وفى بكل التعهدات والبرامج التي قطعها أمام الناخب، وذلك يعود إلى سببين رئيسين: الأول هو مجال التحرك للمؤسسة الملكية في البلاد، التي تلعب دورا أساسيا في تدبير الشأن العام، ما يجعلنا أمام نموذج سياسي مختلف، وهو «التدبير في إطار الشراكة» وهذا مثلا ما كان يصرح به رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، عندما كان يحاول طمأنة الدولة والقوى السياسية الأخرى.والسبب الثاني يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي، بحيث لا يُسمح لأي حزب بأن يفوز بشكل ساحق ويشكل الحكومة بمفرده أو مع حليف حزبي واحد، بل لا بد أن يكون أربعة إلى خمسة حلفاء أحيانا داخل الحكومة الواحدة، وهذا ما حصل لحزب العدالة والتنمية سواء في الحكومة السابقة التي قادها بن كيران، أو في الحكومة الحالية التي يقودها سعد الدين العثماني، ما يعني أن الحكومة لا تطبق برنامج حزب بعينه، بل تطبق البرنامج الذي يتم التوافق عليه بشكل جماعي، للحؤول حول تمزق التحالف الحكومي. ويمكن القول بأن هذا التوسع في التحالف داخل الحكومة يؤدي أحيانا إلى خلل في التدبير، مما ينعكس على صورة حزب العدالة والتنمية في الشارع، فالواقع أن التوجس من الحزب ومن نواياه ما يزال حاضرا، الأمر الذي يؤثر على الانسجام الحكومي، خصوصا وأن بعض الأحزاب الأخرى داخل الحكومة قد تلجأ أحيانا إلى ممارسة نوع من المعارضة داخل التحالف لتوريط الحزب الذي يقود الحكومة وتحميله مسؤولية عدم القدرة على ضمان التناغم بين مكونات حكومته، وقد حصل هذا في عدد من المحطات.
* وهل استطاع الحزب المذكور أن يفصل بين الجانب السياسي والجانب الدعوي خلال وجوده في الجهاز التنفيذي؟** لا أعتقد أن قضية الفصل بين الدعوي والسياسي ممكنة عمليا، لأنه من الصعوبة بمكان عزل الدعوي عن السياسي لدى الحركة الإسلامية التي نشأت في ظل خطاب دعوي أساسا قبل أن تنتقل منه إلى السياسي، لأن الحركات الإسلامية الحالية نشأت في حاضنة دعوية دينية ومن الصعب فك الارتباط بين ما هو دعوي وما هو سياسي بشكل تام.ورغم أن حزب العدالة والتنمية يعلن باستمرار بأن لا علاقة له بحركة التوحيد والإصلاح، الحركة الأم، ولديه أدبيات معلنة منذ التسعينات بخصوص الفصل بين الاثنين، إلا أن الوقائع تظهر غير ذلك. فمثلا، هناك قياديون داخل الحزب لهم مواقع داخل الحركة، والعكس أيضا، بحيث من غير الممكن تصور أن هؤلاء يفكرون بطريقتين مختلفتين عن بعضهما في قضية واحدة، كما أن الحركة ما يزال لها تأثير على الحزب، فهي التي لعبت الدور الأساسي في عدم السماح لعبد الإله بن كيران بالحصول على ولاية ثالثة على رأس الحزب في المؤتمر الأخير عام 2016 بإعلان رفضها منحه ولاية جديدة.هذا بالنسبة لعلاقة الحزب بالحركة، أما بالنسبة لعلاقة الحزب بالحكومة والدولة فإن الحزب أعلن منذ توليه قيادة الحكومة عام 2012 للمرة الأولى على النأي بنفسه عن كل ما يتعلق بالشأن الديني في الدولة، لأنه من صلاحيات مؤسسة إمارة المؤمنين، كما أن رأي الحزب لا يؤخذ فيما يتعلق بمن يشغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لأنها وزارة سيادية تابعة للمؤسسة الملكية، ولا تدخل ضمن المفاوضات بينه وبين حلفائه السياسيين فيما يتعلق بالحقائب الوزارية.
*في رأيك، ما سبب عدم وجود أغلبية منسجمة على المستوى الحكومي والبرلماني في التجربة السياسية الحالية؟** عدم الانسجام الحكومي يرجع في الواقع إلى الحكومة السابقة التي كان يقودها عبد الإله بن كيران بين 2012 و2016. آنذاك كان التحدي الأكبر أمام حزب العدالة والتنمية هو أن يجد حلفاء يقبلون بالمشاركة في حكومته بأي ثمن، نظرا لطبيعة الحزب الإيديولوجية وعدم وجود أحزاب قريبة له إيديولوجيا، إذا استثنينا حزب الاستقلال. وقد وافق هذا الأخير على المشاركة في الحكومة، وأمام رفض حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الدخول في الحكومة لجأ بن كيران إلى حزب التقدم والاشتراكية، لكي يظهر بأن حكومته تجمع جميع الحساسيات، حتى اليسارية، لذلك كانت تلك الحكومة تجمع خليطا من الأحزاب لا يجمعها جامع، اللهم إلا إنجاح التجربة. وزاد في تعقيد الأمر خروج حزب الاستقلال عام 2013 مما أثر بشكل سلبي على سير أعمال الحكومة.أما في يتعلق بالحكومة الحالية فإن أسباب عدم الانسجام داخلها يعود إلى عدم التوافق مسبقا على برنامج محدد بين مكوناتها، فهي تضم حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي تحفظ عليه بن كيران بعد انتخابات 2016 وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان على خلاف مع بن كيران أيضا. لذلك، يجد هذان الحزبان أنهما غير مرحب بهما من طرف العدالة والتنمية إلا على مضض، في ظل مسافة سياسية وإيديولوجية تفصلهما عنه. هذا علاوة على ما هو معروف عن الحياة السياسية المغربية والصراعات الحزبية ومحاولات الخلط بين هاجس التدبير وهاجس المعارضة.
التقاطب الإيديولوجي
* هل يمكن الحديث عن تقاطب واضح في المغرب بين التيار الحداثي والتيار المحافظ؟** أعتقد أن هذا التقاطب بين التيارين لم يعد بنفس القوة التي كان عليها في الماضي، قبل مرحلة الربيع العربي، على صعيد الحياة السياسية. فحزب العدالة والتنمية تخلى عن الكثير من أدبياته ذات النفس الديني، بل صار يتبنى قضايا كان يرفضها في الماضي وكانت تمنحه هويته الإيديولوجية، آخرها مثلا الموافقة على قانون الترخيص بزراعة القنب الهندي، وسكوته بخصوص عقوبة الإعدام؛ أما جماعة العدل والإحسان فقد تراجع إشعاعها بشكل واضح منذ وفاة زعيمها عبد السلام ياسين عام 2012. لكن هذا لا يعني أن التقاطب بين التيارين زال بشكل نهائي، بل أرى أنه طور نفسه وانتقل إلى الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي. وأنا أعتقد اليوم بأن البعد الإيديولوجي لدى الأحزاب تراجع بشكل كبير، مقابل تضخم هذا البعد على مستوى الشارع ومكونات المجتمع المدني.*إلى أي حد مثل الربيع العربي منعطفا في العملية الديمقراطية بالبلدان المغاربية؟** لو نظرنا عن قرب لوجدنا بأن الربيع العربي انطلق من المغرب العربي، من تونس، لكن المغرب العربي كان آخر المستفيدين منه، وخاصة تونس نفسها، وهذه مفارقة مثيرة. إذا تحدثنا عن التجربة المغربية فهذه ـ كما سبقت الإشارة ـ تعود إلى عقد التسعينات، أي قبل الربيع العربي بنحو عقدين، والتجربة الديمقراطية في المغرب استمرت على نفس الوتيرة ولم يظهر مع الربيع العربي أن هناك انقطاعا، اللهم إلا حصول الإسلاميين على قيادة دفة الحكومة. أما البلدان الأخرى فالوضع فيها يتعثر ديمقراطيا، مثل تونس والجزائر، ويبقى الوضع في ليبيا أكثر التعبيرات وضوحا عن الفرص التي وفرها الربيع العربي لبعض البلدان، لكنها حولتها إلى خسائر.
*أي دور تلعبه ـ أو يمكن أن تلعبه ـ النخبة في الإصلاح ومحاربة الفساد؟** هناك اليوم خلط بين النخبة السياسية، وهي التي توجد داخل الأحزاب، والنخبة الفكرية والثقافية، والمشكلة هي أن النخبة السياسية لديها الوسائل والإمكانيات لإحداث التغيير أو على الأقل للضغط من أجله، لكن النخبة الثانية ليست لديها تلك الفرص. وإذا زدنا على هذا الوضع المعقد القطيعة الموجودة بين الإثنين نكون أمام إشكالية أكثر صعوبة.ويبدو أنه منذ مرحلة الربيع العربي، بدأ الشارع العربي ينتقل شيئا فشيئا نحو النخبة الثانية ويطلق النخبة السياسية التي يئس منها، وحل الافتراضي محل الحزبي، لكن النخبة الثقافية لم تتعد بعد إلى قوة اجتماعية ضاغطة من أجل التغيير، وهذا يتطلب مزيدا من الوقت.
الإصلاح الديني بين الماضي والحاضر
* تجديد الخطاب الديني، شعار يرفع كثيرا لدى أكثر من جهة وأكثر من اسم، ما مشروعية هذا الطرح؟ وهل فعلا يحتاج الخطاب الديني إلى تجديد؟ مهمة من؟ وبأية طريقة؟** قضية الإصلاح الديني قضية معقدة في العالم العربي. من الناحية المبدئية الإصلاح الديني مطلوب، لكن من يقوم به؟ وما الأهداف المتوخاة من الإصلاح؟لقد كان مطلب الإصلاح الديني مطروحا منذ عقود طوال، لكن لا أحد كان يهتم به، وعلينا أن نعرف بأن هذا المطلب خلف ضحايا بعضهم دفع حياته ثمنا للمطالبة به، أمثال الكواكبي والأفغاني، وبعضهم تعرض للتهميش والإقصاء بسببه أمثال محمد عبده وعلي عبد الرازق. لكن الفرق اليوم هو أن سقف هذا المطلب انخفض كثيرا جدا، في الماضي كان الإصلاح الديني مطلبا شعبيا، أما اليوم فهو مطلب رسمي، وفي الماضي كان مطلب الإصلاح الديني مرفوعا من أجل تحقيق النهضة والفعالية الحضارية والتصنيع، لكن اليوم هو مطلب من أجل محاربة العنف والتطرف، أي أنه لم يعد فعلا حضاريا، بل رد فعل فحسب. وأخيرا، فإن الإصلاح الديني في الماضي كان مرفوضا من الغرب، واليوم هو مطلب غربي.لذلك، أنا أعتقد أن الإصلاح الديني مطلب ملح لكن من زاوية تأخذ بنظر الاعتبار مختلف الأبعاد. فمثلا العنف والتطرف ليس سببه الدين وحده، بل لديه أسباب متعددة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، والدين هو فقط بعد واحد، وإذا كنا سنركز على الجانب الديني ونهمل الجوانب الأخرى فسوف نخسر الإصلاح الديني.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد