- الإعلانات -
المكتسبات الديمقراطية معركة كفاح ضد الإقطاع السياسي والتدخل الخارجي

منذ 36 دقيقة
حجم الخط
لايزال مفهوم الدولة مشوشا في الوعي العربي العام، ولدى الأطراف المتناحرة أيديولوجيا. وما لم يتم ترسيخ مؤسسات فاعلة ودائمة، يمكنها حماية المكاسب الوطنية، وخلق شعور حقيقي بالمواطنة، والتأسيس لحوكمة مسؤولة تحترم المواطن وتحفظ السيادة، لا يمكن الحديث عن مناخ وطني، يسمح بنمو المشترك الثقافي والسياسي والاجتماعي بين الأفراد، من حاصل إجماع أعلى يعبر عن دولة حقيقية نجح مجتمعها الأهلي في الوصول إلى توافقات وبناء مؤسسات تعلو على انتماءات الفرد المولودة، وجميع تمظهرات ما قبل الدولة، وتتجاوز حالة العنف وتضمن استمرار السلام والاستقرار والتعايش المدني.وتونس التي اختارت قواها المدنية والسياسية الديمقراطية، التداول على السلطة، أسقطت بما لا يدع مجالا للشك فكرة الغرب، الذي يصر على أن العرب غير مؤهلين للتعايش الديمقراطي، ولا يستطيعون التعامل مع مفاهيم الفكر السياسي الحديث، وترجمته دستوريا ومؤسساتيا. ورغم أن أمامهم تجربة تناقض تشكيكهم التاريخي، وتسعى بكل ثبات لترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية، فإنهم يتركونها تعاني أزمة اقتصادية خانقة، تتفاقم طيلة عشر سنوات من عمر الثورة، ويدركون بأن تراكم المشاكل الاقتصادية والمالية وانعكاساتها الاجتماعية هي التهديد الحقيقي لاستمرار نجاح المسار الديمقراطي. ومع ذلك لا وجود لدعم فاعل إقليمي أو دولي.هذا جزء من خيبات العالم الديمقراطي، والخطاب السياسي المعاصر، الذي يدعي مناهضة الطغيان والديكتاتورية ويدعو للحل الديمقراطي. والتجربة التونسية لم تحظ بالمساعدة اللازمة والدفع الاقتصادي. وتونس ليست على أجندة العالم الغربي، الذي صفق للثورة وتحدث قادته كثيرا عن أهمية بقاء دولة عربية على طريق التعايش الديمقراطي والتقليد السياسي المواطني. والمجتمع الدولي يواصل خذلانها ولا يدعم ديمقراطيتها الوليدة، ويزيد من تكبيلها عبر وصايا صندوق النقد الدولي وإملاءاته المعهودة. والجميع يبحث عن سياسة المحاور ويشترط تقديم المساعدات بالتموقع وراء أجندات التقسيم، وشق الصف العربي. وهو مسار يمنع تناغم المجتمع والدولة، ويعطل الاستقرار والانسجام. ويؤجل الحديث عن دولة تستند في وجودها إلى إرادة مواطنيها، ومشاركتهم الفعلية، التي تكفل لمنظومة الحكم التمتع بالشرعية القانونية والسياسية. ولا يمكن إنكار وجود إفلاس سياسي لدى النخب التي تولت الحكم طيلة عقد من الزمن، فقد ذهبت بعيدا في المناكفات الأيديولوجية، وراكمت التصادم الحزبي، وبحثت عن مصالح فئوية ضيقة. وبتعطيلهم لمشاريع القوانين التي تخدم مصلحة الشعب وفئاته الهشة، فقد انخرطوا في المتاجرة بآلام الناس واستغلال مآسيهم، ولا يرونهم سوى خزان انتخابي لا غير. ومراهقتهم السياسية جعلت المرحلة الانتقالية صعبة، وإلى الآن ليس هناك استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد، الذي استشرى في مؤسسات الدولة وأجهزتها كافة، ولا إجماع حول الحد من التفاوت الاجتماعي وتباين مستويات التنمية بين الجهات، الأمر الذي يزيد من منسوب الاحتقان الشعبي، والتحركات الاحتجاجية واتساع أشكال المطلبية القطاعية. وفي السنوات الأخيرة تبدو الزيادات غير المدروسة في تكاليف المعيشة، وتراجع المقدرة الشرائية، من أبرز العوامل التي تفاقم السخط تجاه الإدارة الخرقاء، التي لم تستطع الحد من تدهور العملة وارتخاء الدولة وعجزها عن مجابهة ظاهرة التهريب والسوق الموازية. والحكومات الفاشلة هي التي تواجه التحرك الشعبي المناهض للفساد، وسوء التسيير، بالعنف وعسكرة الساحات والميادين، فالحاكم لا بد له من حد أدنى من الشرعية بما تعنيه من تقبل عام يمكنه من أن يطاع. وعندما يواجه الحركة الشعبية السلمية بالعنف، يكون كمن يضرب الماء بسيفه ليقطعه، والتعبير الجميل لغاندي يذكرنا، بأن العنف لا يهزم الحركة السلمية مهما آذى رجالها. وحين تُشتت الدولة مواطنيها داخل أوطانهم، فلا بد من حلول للخروج من حالة الشتات، وإلا ستنفلت الأمور، وتتجدد الثورات. ولكنها قد تندفع بعنف مضاعف نتيجة تراكم منسوب الغضب والخيبة التي سببها السياسيون. فالشرارة التي يمكن أن تكون سببا في اندلاع الثورات غير المتوقعة، تفترض وجود وضع ثوري يحتاج إلى حدث صغير ليشعله. وإن لم يستطع أي مراقب للأوضاع السياسية والاجتماعية أن يعلم بالضبط متى وأين سيحدث ذلك. وما وقع في تونس أواخر 2010 يفسر وجود وضع ثوري كان في حاجة لشرارة لكي يلتهب.
- الإعلانات -
الحكومات الفاشلة هي التي تواجه التحرك الشعبي المناهض للفساد، وسوء التسيير، بالعنف وعسكرة الساحات والميادين
والثورة السياسية غير المتوقعة بتفصيل الاقتصادي الأمريكي التركي تيمور كوران، تكمن أن في الأنظمة القهرية يخفي الناس آراءهم الحقيقية. ويظهرالتحول الكبير في الشعور العام عندما تتضح معارضة ما تعبر عن سخط سياسي مكشوف. قدرة الدولة على النهوض بدور وطني توحيدي مرتبطة بقدرتها على تجديد نفسها من الداخل، وتأمين شرعية الحكم، وفق المداخل السياسية والمدنية الفعلية، التي تضمن النقاش في المجتمع السياسي الذي نريد إقامته. وعلى الجميع الاتفاق على أن الجماعة السياسية التي يجب التمسك بها والدفاع عن فكرتها هي جماعة سياسية من النوع الوطني، وهي تقتضي الدفاع عن السيادة الوطنية، ورفض جميع أشكال التدخل الأجنبي. وعلى الأحزاب السياسية التي ارتهنت للخارج أن تعيد حساباتها، وأن لا تندمج مع رغبة القوى الأجنبية التي ترى من الخطر أن تتحرك المنطقة صوب استقلالية لها معنى، أو أن تعبر السياسات عن الرأي العام وتطلعات الشعوب العربية. والتغيرات الحاصلة في بنيان المجتمع تقتضي تجاوب المنظومة السياسية مع مطالب الأفراد، فالثورة تعني القطع مع طرق التعامل القديمة، لا مواصلة حشد الناس وتسييرهم وفق وعي قطيعي، في نوع من مكابدة العزلة السياسية. ومن الواجب الوطني أن تكون الطبقة السياسية في مستوى الرهانات، وعلى وعي بحجم التحديات التي تتطلبها المرحلة. والانتقال الديمقراطي مسؤولية وطنية لا حزبية، ومن فشل في تجربة الحكم، وأوصل الأمور إلى ما هي عليها من تدهور اقتصادي ومالي، وساهم في استفحال الفساد واندمج فيه، وكرس البؤس الاجتماعي لدى فئات واسعة، لا يمكن أن يُرجى منه إصلاح ما أفسده. والتمسك بالسلطة رغم حصيلة الخيبات، وسوء التدبير هي إضاعة للوقت، ومراكمة للأزمات ونشر للإحباط. ولا مقايسة على الدولة الحديثة، ولا أخلاقية سياسية للحكم خارج إطار المشروعية التي يمنحها الشعب، وبإمكانه سحبها. والدولة الوطنية الحديثة، دولة مكلفة بحماية الوطن والدفاع عن مصالحه. والشعب فيها هو مصدر السلطة عمليا لا نظريا.كاتب تونسي
تابعوا Tunisactus على Google News
- الإعلانات -
