النهضة العربية الخليجية

‎بقلم:مروان اسكندر

‎أحرز العالم العربي خلال العقود المنقضية منذ بداية الخمسينات تقدمًا ملحوظًا على مستوى انجازات المشاريع البنيوية كالطرقات والمطارات والمدارس والجامعات والقوانين والمؤسسات، وكان للكويت دور ريادي. فهي البلد الخليجي الاول الذي اعتمد وسائل ديموقراطية للتعبير والتمثيل. وكانت البلد العربي الاول الذي ينجز مؤسسات للتمويل الاقراضي التسهيلي لانجاز المشاريع الحيوية في البلدان العربية غير النفطية. كما ان الكويت وفرت مثالاً للتمثيل الديموقراطي لانها اسست مجلسًا لنواب الامة منذ اوائل الستينات.

‎مثال الكويت حضّ الدول العربية المحتاجة للتمويل والدول العربية النفطية على تبنّي سياسات انمائية، فشاهدنا تطورات مشجعة في سلطنة عُمان منذ بداية السبعينات، وكذلك في قطر، وكان العراق حتى ثورة 1958 يحقق قفزات انمائية مفيدة بإشراف حكومة منفتحة على التعاون العربي وتشجيع الشباب على العلوم المتقدمة. وكانت الكويت سباقة في اعتماد صندوق لتغطية تكاليف الدراسات الجامعية لطلابها في الخارج قبل تطور الجامعات في الخليج.

‎شهد العالم العربي وشاهد حربًا في اليمن اسهم في تفجرها جمال عبد الناصر الذي دفع بآلاف الجنود، والدبابات والطائرات لإنهاء عهد السلطة الحاكمة والتأثير على مجريات النشاطات المعارضة في السعودية، وهو فشل في هذا المسعى الى حد بعيد، وحينما اسهم في تأمين اسباب حرب 1967 على امل تحصيله انتصارًا يتوج به، تأثيره الاعلامي التحريضي فشل وخسر العرب اكبر مساحات للإسرائيليين منذ ذلك التاريخ، ومن بين ما خسروا الجولان، المنطقة الجبلية الجميلة التي تحوي ثروة مائية ضخمة.

‎انكفأ عبد الناصر عن الاستمرار في حملته في اليمن، وكان قد توصل الى تخفيف وقْع ثورة بسيطة في لبنان استمرت خمسة اشهر من ايار 1958 حتى نهاية ايلول من العام نفسه وانتخاب رئيس جديد للبنان، الجنرال فؤاد شهاب، الذي كان مندفعًا نحو تحسين اوضاع المناطق المحتاجة للتطوير، وكان متشددًا في ما يختص باستقلال لبنان، فأصر في اول اجتماع مع عبد الناصر على اللقاء على ارض منها قسم في لبنان وآخر في سوريا.

‎كان سعر النفط منخفضًا حتى عام 1973 اي على مستوى دولارين للبرميل، لكن حرب 1973 التي استطاع المصريون خلالها استعادة الضفة الشرقية لقناة السويس من الاسرائيليين والتي تسببت بدعم الخسارات الاسرائيلية اول ايام الحرب في تشرين الاول 1973 بإمدادات عسكرية هائلة من الولايات المتحدة لاسرائيل استدعت من السعودية وبقرار من الملك فيصل خفض التسليمات النفطية للولايات المتحدة وهولندا البلدين الداعمين لاسرائيل في ارتفاع اسعار النفط من دولارين للبرميل الى 11.2 دولارا، ومن بعد اواسط السبعينات الى مستوى 36 دولارًا، وقد ساهمت الدول العربية النفطية التي اصبحت ليبيا من اعضائها منذ اوائل الستينات في تمويل حاجات اعادة بناء اقتصادات مصر وقدراتها وتنويع نشاطات الانتاج في الكويت والسعودية، لكن العراق كان يرزح تحت حكم متسلط وعنيد بعد ثورة 1958 التي اطاحت الحكم الملكي والعلاقات الوثيقة مع الغرب.

‎بعيدًا من جو المناكفات ما بين الدول العربية الشرق الاوسطية وخسائر حرب 1967، كان الشيخ راشد في دبي يسيّر الامور بروية ورؤية حكيمة. فهو اول من انجز ميناء لاستقبال السفن الوافدة الى منطقة الخليج ووفر مساحات لترسيخ اعمال شركات في النقل البحري والتصنيع في منطقة حرة. وكان هذا العمل بمثابة افتتاح منهج جديد لاستقطاب النشاط في بلد لا يتمتع بثروة نفطية هائلة وإنْ كان يتمتع برؤية الشيخ راشد التي ورثها عنه الشيخ محمد بن راشد امير البلاد ونائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة التي تشكلت في الثمانينات.

‎الشيخ محمد بن راشد اوضح في كتابه الاول عن نهضة دبي انه اراد ان يجعل منها ما كانت بيروت قد حققته في الستينات. فبيروت حينذاك كانت تستقطب المكاتب الاقليمية للشركات العالمية، والطلاب للجامعة الاميركية وكلية الفتيات الـBCW والمستشفيات والحفلات الفنية، وكانت مهرجانات بعلبك تستقطب كبار الموسيقيين وفرق الباليه، فشاهدنا نوريان والسيدة فونتين في بعلبك اضافة الى موسيقيين مميزين من فرنسا، والولايات المتحدة وبريطانيا. وكانت عملية تأسيس البنوك ناشطة، وقد اعتبر محمد بن راشد ان دبي يجب ان تكون كبيروت، لكنه كان اشد تصميمًا على النجاح واوسع آفاقًا من الزعماء اللبنانيين.

‎الاندفاع التحديثي الاول كان في دبي، علمًا ان البحرين كانت ولا تزال ترعى التعليم العالي لابنائها من الذكور والاناث، وهنالك طبيبات في البحرين من خريجي الجامعة الاميركية في بيروت.

‎دبي توسعت نشاطاتها التجارية، والى حد ما التصنيعية في السبعينات، وتمتعت بمستوى لنظافة الشوارع والازقة لا نشهده في افضل البلدان تقدمًا، وقد اعتمد الشيخ محمد بن راشد على النظام الحقوقي البريطاني وتوصل قبل انتهاء التسعينات الى تشغيل ثاني اكبر مطار في العالم على مقياس عدد المسافرين في سنة، وأُفسح المجال لمشاركة اللبنانيين في اعمال البناء والتجهيز وكان لهم دور مميز في حقل انتاج الكهرباء – على عكس ما نشهده في لبنان – وتأمين المياه وتكاليف الدراسة الجامعية.

‎الشيخ زايد في ابو ظبي كان رجلاً محافظًا ومنفتحًا في آن على مساعدة البلدان العربية المحتاجة وكان له دور اساسي في تحريك الوضع الاقتصادي من تونس التي كانت تبدو انها على طريق الحداثة، وهو تجاوب مع الاتجاه لتأسيس دولة الامارات العربية المتحدة التي شهدت تطورات ملموسة على طريق الحداثة. فالشيخ محمد بن زايد يتمتع بطموح دولي، وهو من شارك في اطلاق مركبة فضائية بمشاركة رائد من الامارات، وهو من اسس متحفًا فنيًا على نمط اهم متاحف فرنسا، وهو الناشط حاليًا في مجالات تخفيف الاخطار والمحافظة على البيئة واستقطاب اهم مؤسسات التطبيب والتعليم العالمية.

‎نجاح دولة الامارات اصبح معترفًا به على النطاق العالمي وحريات ممارسة الاعمال شرط التقيد بالقوانين، منفتحة لاي طرف يسعى الى الاستفادة من موقع الامارات وخدماتها القانونية والاتصالات السريعة وغير المكلفة والارتباط بمختلف عواصم العالم.

‎توجهات الشيخ محمد بن زايد، ونائبه الشيخ محمد بن راشد استقطبت ولا شك اهتمام الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، الذي يرأس اندفاع المملكة نحو تحديث خصائصها الانتاجية، والتعليمية والزراعية والسياحية. والسعودية هي البلد الخليجي الاوسع رقعة، والبلد المتنوع المناخات، وقد اطلق ولي عهدها برنامجًا لتحديث خدمات المملكة القانونية والتسهيلية لاقامة من يريدون الاسهام في تطويرها، وهو يدرك ان المملكة مستهدفة بسبب ثروتها النفطية ومنشآتها الانتاجية، وجامعاتها المتميزة، والانجازات المحققة تدعو الى الفخر. فعلى سبيل المثال، تنتج المملكة في مساحة شاسعة في شمال غرب البلاد الزيتون والزيت، وتضم هذه المنطقة الزراعية نحو 16 مليون شجرة زيتون تنتج ما يمكن المملكة من تصدير 60 الف طن من الزيت النقي الذي تباع منه كميات صغيرة في اليابان، اي 200 غرام مقابل 50 دولارًا. والمملكة تنتج وتصدر التين والعنب، وقد طورت مراكز للنشاطات الفنية ومسابح نظيفة وآمنة. وقد تكون خطوات ولي العهد في تعزيز حقوق المرأة، وتمكينها من قيادة السيارة وممارسة مختلف انواع الرياضة والمشاركة السياسية في مجلس الشورى وغيرها من النشاطات، هي اهم انجازاته.

‎بالتأكيد ان خطوات ولي العهد ادت الى تحديث نشاطات شركة النفط الاساسية ارامكو وتنويعها، واستطاع تغطية اي عجز واجه المملكة منذ سنوات بسبب انخفاض اسعار النفط، وهو منفتح على الافكار الجديدة والمفيدة ومصر على التعاون مع البلدان المميزة بنشاطاتها ومنها الولايات المتحدة، والصين، واليابان والهند. ولا شك في ان عضوية المملكة في نادي الدول الـ 20 الكبرى اقتصاديًا وعلميًا هي البرهان الساطع على النجاحات التي تجعل من المملكة القطب الرافع للنمو والتنوع في المنطقة.

‎لا شك في ان نجاح مخططات الامير محمد بن سلمان تستدعي الاهتمام، وهي لسوء الحظ تستجلب الحسد من قِبل بعض البلدان في المنطقة. لكن مخططات محمد بن زايد، ومحمد بن راشد والامير محمد بن سلمان ستؤدي الى تمتع بلدانهم بافضل المواصفات العلمية الحديثة، وعدد كبير من الجامعات المرموقة والتعليقات التي نقرأها يوميًا لا تعبر سوى عن الرغبة في كبح طموح قادة هذه البلدان الثلاثة واتساع آفاقهم وآمالهم.

‎ويبقى البلد الذي نهبت ثرواته – العراق- الذي اضافة الى السعودية يحظى بعدد سكان ملحوظ وبثروة نفطية غير مستغلة تكفي لمشاريع تفيد ملايين السكان في المستقبل اذا نعِم العراق بالسلام الداخلي، وتقدم علاقات العراق مع السعودية امر بالغ الاهمية.

‎قبل نهاية القرن الحادي والعشرين ستكون دول الخليج، وعسى العراق، البلدان التي يسعى العالم لتحقيق مستويات الحياة والرخاء والازدهار فيها.

بالاتفاق مع “النهار”

#النهضة #العربية #الخليجية

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد