انفلات إلكتروني يصعب على الحكومة التونسية حماية البيانات الشخصية |

تونس- يثير ملف حماية البيانات الشخصية جدلا واسعا في الأوساط التونسية، حيث تتواصل الانتقادات الموجّهة للإدارات والمؤسسات بوجود جملة من الإخلالات رغم حرصها على حماية هويات الأفراد وخصوصياتهم، وسط إقرار المراقبين بوجود انفلات إلكتروني في صفحات التواصل الاجتماعي ساهم في نشر بيانات التونسيين الشخصية في وقت تعمل فيه الدولة على حمايتها.

وأكد رئيس “الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية” شوقي قداس أن حماية البيانات الشخصية لم تعد خيارا بل أصبحت واجبا على كل الدول، معتبرا أنه لا يمكن التقدم في الرقمنة دون ضمان ذلك.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية خلال المؤتمر الإقليمي حول البيانات الشخصية الذي تحتضنه تونس بمبادرة من الهيئة الوطنية بالشراكة مع مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أن “التجربة التونسية تعد رائدة في مجال حماية البيانات الشخصية في القارة الأفريقية وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

بدوره شدد نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس فرانسيسكو أكوستا سوتو على “أهمية حماية البيانات الشخصية لا في تونس فحسب بل في جميع بلدان العالم من أجل حماية الحياة الخاصة للأفراد والاستخدام غير الآمن لبياناتهم والهجمات السيبرانية المحتملة”.

شوقي قدّاس: “حقيبة الأدوات” تهدف إلى رفع مستوى حماية البيانات الشخصية خاصة المتعلقة بصحة الأشخاص

ووصف أكوستا التجربة التونسية في مجال حماية البيانات الشخصية بـ”التجربة الرائدة في المنطقة والمثال الجيد الذي يمكن أن تنسج على منواله بقية الدول العربية والمتوسطية”.

وأحدثت “الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية” بالقانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في السابع والعشرين يوليو 2004 المتعلق بحماية البيانات الشخصية الذي أسند إليها، إلى جانب صلاحياتها العامة في المجال ومنها سحب التراخيص من مرتكبي الممارسات المخالفة للتشريع والتراتيب المتعلقة بمعالجة البيانات الشخصية.

ويرى مراقبون أن مؤسسات الدولة وهياكلها حريصة على حماية البيانات الشخصية للتونسيين، لكن الاستخدام الكبير لصفحات التواصل الاجتماعي أثر سلبا على ذلك، وأفرز فضاء افتراضيا يعجّ بالمعلومات والبيانات الخاصة بالأفراد.

وأفاد أستاذ القانون الدستوري والنيابي رابح الخرايفي أنه “من الناحية القانونية هناك حرص من الدولة على حماية البيانات الشخصية وعدم العبث بها، لكن صفحات الإنترنت ساهمت في تفشي نشرها (رسائل التواصل الاجتماعي، الصور، المشاركات، أرقام الهواتف والعلاقات الشخصية)”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حرص الدولة ومن ورائها ‘الهيئة الوطنية لحماية البيانات الشخصية’ لا يكفي لحماية خصوصيات الأفراد، والبيانات أصبحت تعطى بطريقة تلقائية في المغازات الكبرى وفي الإدارات وشركات الاتصالات”، داعيا إلى “ضرورة إعادة التفكير في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الكلّ يتسابق نحو التعريف بنفسه وخصوصياته على فيسبوك وإنستغرام وغيرهما”.

وتابع الخرايفي أنه “يمكن استعمال البيانات الشخصية في السرقة والتحيل على الأفراد والمؤسسات، والعالم الافتراضي الجديد لا يمكن التعامل معه إلا بالبيانات والرموز”، قائلا “هناك تخوّف من الاستمرار في تحديد المشاكل الحقيقية، ولا بدّ من رؤية جديدة وسنّ نصوص قانونية”.

وأشار الخرايفي إلى أن “البيانات الشخصية منشورة للعلن وغير محمية، وليست الدولة هي من نشرتها بل الأشخاص، وهناك بعض الوثائق الشخصية والوثائق الطبية ملقاة في الشوارع”.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “البيانات الشخصية محمية بالقانون وهناك هيئة مشرفة عليها، ويمكن أن تحدث إخلالات خصوصا من ناحية استعمال البيانات الشخصية في أغراض انتخابية وسياسية”.

وقال لـ”العرب” إن “البيانات الشخصية موجودة مثلا في بعض الإدارات والوزارات (البلديات ووزارة الاتصال)، وتم في بعض الأحيان استغلال قاعدة البيانات لأغراض انتخابية”. وتابع الرابحي “لا بدّ من قوانين لتجريم نشر البيانات الشخصية، وهناك انفلات كبير في شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن عمليات قرصنة المواقع الإلكترونية، وهذا يستدعي وجود عقوبات رادعة”.

رابح الخرايفي: من الناحية القانونية هناك حرص من الدولة على حماية البيانات الشخصية وعدم العبث بها

وفي وقت سابق أطلقت الهيئة “حقيبة الأدوات” الخاصة بحماية البيانات الشخصية في مجال الصحة التي تم إعدادها بالتعاون مع ممثلي قطاع الصحة في تونس وبالاعتماد على خبرة مجلس أوروبا، وفي إطار مشروعه المشترك مع الاتحاد الأوروبي “دعم الهيئات المستقلة في تونس”.

وتهدف “حقيبة الأدوات” إلى المزيد من توعية المهنيين والمتدخلين في القطاع الصحي في تونس، بمن فيهم المرضى الذين من المفترض إعلامهم بحدود البيانات الشخصية التي سيتم استغلالها وأغراض ذلك وإلى من ستوجه، والباحثين وكل المؤسسات المعنية بعمليات تبادل البيانات وخاصة البيانات الشخصية المتعلقة بصحة الأشخاص، فضلا عن مساعدة المهنيين الناشطين في قطاع الصحة على تطوير الوعي الجماعي حول رهانات وسبل حماية البيانات الشخصية.

وأوضح شوقي قدّاس أن “حقيبة الأدوات” تهدف إلى رفع مستوى حماية البيانات الشخصية خاصة المتعلقة بصحة الأشخاص وتعزيز الوعي بحساسيتها وتوعية المهنيين وجميع الأطراف المخول لها استغلالها وتبادلها ومعالجتها في مجالات البحث والعلاج وتطبيق القانون وحدود استعمالها، مؤكدا أن الجائحة عرت مدى إتاحة هذه البيانات وعدم حمايتها.

ولفت إلى أن هذه الحقيبة “تتضمن مجمل الإجراءات المتماهية مع المعايير الدولية في المجال والمتناسقة مع الواقع التونسي والواجب اعتمادها لاحترام خصوصية المرضى والمتداوين”.

بدورها أشارت منسقة سياسة الجوار في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط، رئيسة مجلس أوروبا في تونس بيلار مورالس فرننداز شاو إلى أن “هذه الحقيبة تتنزل في إطار مشروع شامل لدعم الهيئات المستقلة في تونس في اتجاه دعم البناء الديمقراطي في البلاد، وهناك رغبة من دول الجوار في الاستئناس به”.

#انفلات #إلكتروني #يصعب #على #الحكومة #التونسية #حماية #البيانات #الشخصية

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد