بدر بن سالم العبري يكتب: الرّحلة التّكساسيّة (12).. حضور جلسة افتتاح مؤتمر العرب الأمريكيين السّنوي الثّامن

بدر بن سالم العبري

في صباح يوم الخميس، في الثّاني والعشرين من أغسطس أخذنا جولة طويلة في شيكاغو، واسترجعنا بعض زياراتنا السّابقة عنها، في طرقها وأسواقها ومكتباتها وحدائقها ومطاعمها.

وفي السّاعة الخامسة عصرا توجهنا إلى فندق Double Tree Hilton في منطقة Skokie Blvd لحضور جلسة افتتاح مؤتمر العرب الأمريكيين السّنوي الثّامن، وسبق أن شاركنا المؤتمر السّابع وكان بعنوان: الوحدة في التّنوع، وأشرنا إليه بإسهاب في الرّحلة الشّيكاغيّة، وأمّا هذا العام بعنوان: تطلعات لمستقبل الإنسانيّة .

وجلسة الافتتاح عبارة عن جلسة تعارف بين المحاضرين والحضور مع القائمين على المؤتمر، يتضمنها جلسة عشاء، مع توزيع برنامج المؤتمر، والتّسجيل فيه، وهنا التّقيت بمجموعة ممّن رأيتهم سابقا، مثل الباحثة سوسن حسني وأخوها عمرو حسني، والثّاني من القائمين في المؤتمر، كما التقيت بثريا وأخوها سمير، وهؤلاء أصولهم عراقيّة، وسبق الحديث عن سمير في الرّحلة الشّيكاغيّة، وهو من ولاية أريزونا، وعاتبنا على عدم زيارته والتّعرف على الهنود الحمر، فأكدنا عليه زيارتنا له 2020م، ولكن كورونا حالت دون ذلك، كما التقيت مرة ثانية بالأستاذ ورقاء كنعاني من كندا عاش في السّعوديّة سابقا، وهو شخص فاضل، وكنت قد وعدته في المؤتمر السّابق بنسخة من كتابي فقه التّطرف، وقد حضر هو وزوجته ألحان رحيمي وعائلته برا بالسّيارة من كندا وحتّى شيكاغو، كذلك التقينا بالأستاذ فريد شريفي من كندا عاش في السّعوديّة أيضا سابقا مع زوجته مرجان رحيمي، والأستاذتان ألحان ومرجان كلتاهما كانتا في قطر، والتقيت مرة ثانية بالأستاذة هيلين فرهاني حيث زرتها في بينها في دالاس، كما التقيت بالأستاذة سناء روحاني، وهي عضوة في المؤتمر، وكذلك الأستاذ عبير من العراق، وعضو في المؤتمر أيضا، كما كان حديث طويل على العشاء مع الدّكتور نبيل إلياس، وقد التقيت به في المؤتمر السّابع، ومن حسن الطّالع التقيت مرة أخرى بالمشرف السّوداني على المطعم القائم بتقديم الوجبات في المؤتمر، وحدث بيننا حديث جانبي أيضا، والتقيت بالعديد من الجدد الّذين تعرفت عليهم لأول مرة، وعلى رأسهم الأستاذ محمود عطيّة الله روحاني من مملكة البحرين، حيث جاءني مسلما بقوّة وحرارة، وأخبرني أنّه عرفني من خلال القناة اليوتيوبيّة (أنس)، وحدث بيننا ألفة كبيرة وصحبة بعدها.

وفي صباح يوم الجمعة في الثّالث والعشرين من أغسطس كان افتتاح المؤتمر في التّاسعة والنّصف صباحا، وقبل الجلسة كانت جلسة الفطور في الفندق على نفقة المؤتمر، ثمّ جلسة الافتتاح، وأدارت الجلسة الأستاذة مي رو، وأعقبتها الأستاذة سارة أحمدي أخوان، عضو اللّجنة المنظمة لمؤتمر العرب الأمريكيين، مرحبة بالحضور، ومبينة رسالة المؤتمر لهذا العام وجدول أعماله، ثمّ قرأ الأستاذ كن بورز سكرتير المحفل الرّوحاني للبهائيين في أمريكا رسالةَ المحفل المركزي في أمريكا، مبينا سعادتهم في ارتفاع عدد مناصري حقوق الإنسان في الدّول العربيّة، مع الغوص في أعماق الثّقافة العربيّة، جامعين بين الماضي والحاضر، لتشكل حضارة عالميّة إنسانيّة، وبالرّغم من المشاكل الّتي تعم العالم؛ إلا أنّ المتصفح في الأوضاع الحالية يجد أيضا تقدّما كبيرا، فنجد التّعصب والنّزاعات بدأت تتلاشى أمام التّفاهم الإنساني، وأملنا أن تتوسع الحقوق المدنيّة للأقليات، وتمكين المرأة، واحترام الأديان، وفهم القواسم المشتركة بينها، وهذا سيعود أثره إيجابا أيضا على العالم العربي.

ثمّ كانت ورقة الدّكتورة صبا حدّاد، وهي باحثة أكاديميّة في الطّب الحيوي، وشاركت في تقديم برامج تعليميّة للشّباب في ألمانيا والنّمسا وسويسرا، في الابتداء عرضت فيلما جميلا يصوّر مساعدات إنسانيّة يقوم بها صغار السّن لمساعدة الكبار وذوي الحاجة في الأسواق والطّرق في الغرب، مثلا امرأة كبيرة في السّن، تحمل أغراضا كبيرة، فينشأ الولد على مساعدتها وخدمتها إنسانيّا بدون أخذ مقابل، وأشارت الدّكتورة صبا إلى حالة اجتماعيّة حقيقيّة تتمثل في ناشئين يقدّمون خدمات اللّغة لآبائهم الكبار، ولا تقتصر هذه الخدمات عند التّرجمة فقط، ولهذا ترى لابدّ من بناء جامعات نابضة بالحياة، ولا تقتصر فقط عند تلقين المعرفة، كما لابدّ من تدريب النّاشئة والشّباب على الخدمات الاجتماعيّة ليكبروا عليها، وليدركوا أنّ السّعادة الحقيقيّة تتمثل في تقديم خدمة للآخر.

ثمّ كانت استراحة لمدة ربع ساعة، وفيها تعرّفت على الدّكتور فريدون جواهري، وهو عضو سابق في بيت العدل الأعظم في حيفا، كما أنّه رمزيّة بهائيّة لها مكانتها، وأهديته كتابي إضاءة قلم حول التّعايش، وسر بذلك، وقال لي هذا اشتغال الأديان جميعا، وأنّ الإنسان واحد علينا التّعاون في الرّقيّ به وإحيائه، وكنت قد كتبت ترجمة بسيطة حول البهائيّة في إضاءة قلم من خلال لقائي بالدّكتورة أميلي جوشي في الكويت، وأثنى كثيرا على التّرجمة، وطلب مني أن نلتقي في وقت أوسع، كما رجوت منه تسجيل حلقة يوتيوبيّة، إلا أنّه اعتذر لوضعه المنصبي.

وبعد الاستراحة كانت كلمة الأستاذ بارازان باران رشيد من كردستان العراق، ويعمل في وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة في كردستان العراق، وعمله مرتبط بخطب الجمعة والأئمة، وهو ذاته إمام وخطيب في مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق، وناشط في مجال حقوق الإنسان، ومهتم بالتّعايش الدّيني بين الأديان، وقد كان شاركنا في المؤتمر السّابع مريوان النّقشبنديّ، وكلاهما على الطّريقة النّقشبنديّة، وأصبح بيننا تواصل وتعارف حتّى كتابة هذه الرّحلة، وشاركنا في العديد من الحلقات الحواريّة الّتي كانت عبر برنامج ZOOM، كما طلبت منه زيارة كردستان العراق وتسجيل حلقات مع الأديان الثّمانية أو بعضها، كما أرجو أن أعمل حلقات أيضا مع الطّرق الصّوفيّة، وكان لي أمل أن أزور البصرة والمناطق المتاخمة لها، برا عن طريق الكويت في ديسمير 2020م، وقد نسقت مع الدّكتور سعد سلوم، وهو من أهم الباحثين في شؤون الأديان في العراق المعاصرين، ورحب بالفكرة وعمل ما يلزم هناك، ولكن كورونا حالت دون ذلك، وعموما سجلت حلقة مع الأستاذ بارازان باران حول التّعايش الدّيني في كردستان العراق نذكرها في حينه.

وكانت ورقة الأستاذ بارازان حول دور رجال الدّين في تعزيز وتقوية وتوطيد التّعايش بين عناصر المجتمع المتنوعة، وأشار فيها إلى أهميّة دور علماء الدّين في تحقيق ذلك على مجتمعهم، لما لهم من تأثير إيجابي وسلبي، فيمكن لعلماء الدّين استخدام تعاليم دينهم في بناء السّلام، وغرس التّعايش وقيم الإنسان في المجتمع، فضلا عن الصّحة والاقتصاد والثّقافة وغيرها، ولهم دور في مدافعة العنف، ومواجهة التّطرف، وأن يكملوا أدوار الدّولة لثلاثة أسباب رئيسة: الأول: تمتعهم بالسّلطة الأخلاقيّة لهذا يستمع لهم عدد كبير من السّكان، والثّاني: ارتباطهم بقوّة قاعدة مجتمعاتهم، وبالتّالي تأثيرهم على شريحة أكبر من النّاس، والثالّث: توجيه الدّعم المادي من خلال التّعاون المجتمعي في توجيه المشاريع الخيريّة في المجتمع، ممّا يساهم في الاقتصاد واستقرار الأمن.

وبعد هذه الجلسة كانت الحلقة النّقاشيّة والّتي أدارتها أيضا الأستاذة مي رو، وفيها وجهتُ العديد من الأسئلة رغم أنّها كتابيّة، وشخصيّا لا أحبّ الأسئلة الكتابيّة بل المباشرة، ثمّ كانت فترة الغداء وبعدها راحة، وهنا كنّا في رحاب الفندق مع الدّكتور فريدون جواهري، ومعنا الأستاذ بيان النّوري ومحمود روحاني، وحدث جدل بين بيان ومحمود، فبيان يرى أنّ الدّعوة تكون بشكل مباشر، ولا تحتاج إلى كتمان أو تعريض، فكل يعرّف بدينه، واستشهد في أمريكا بشهود يهوة والمورمون مثلا، بينما محمود يرى الدّعوة بإظهار القيم وليس بالشّريطة أن تكون مباشرة، بل الحكمة مطلوبة، وهنا عقّب فريدون جواهري، وقال العديد من أصحاب الأديان ليسوا بهائيين، ولكن يحملون نفس القيم الّتي يدعو إليها البهائيّة، فنحن جميعا في طريق واحد، وإن اختلفت مسميات ديننا، وأمّا الخلاف بينكما – أي بيان ومحمود – ليس كبيرا، فيختلف حسب الوضع، لكن علينا أن نتمسك مع المبادئ الّتي تدعو إليها جميع الأديان في رقي الإنسان.

وفي السّاعة الثّالثة والرّبع كانت ورقة الدّكتور فريدون جواهري، وهو مع كونه عضوا سابقا في بيت العدل الأعظم؛ إلا أنّه عظيم المستشارين لمنظمة الأغذية والزّراعة للأمم المتحدة في زاميبا، وشارك في تأسيس مدرسة بناتي الثّانوية الدّوليّة، وتحدّث في ورقته حول السّلام العالمي والفرد، وبين أهميّة الفرد أيّا كان دينه ومركزه في تحقيق هذا السّلام العالمي، والمرتبط بالماهيّة الإنسانيّة.

ثمّ كانت دردشة مع الأستاذة ألحان رحيمي كنعاني، وقد ولدت في الدّوحة، بكالوريوس لغة عربيّة، ماجستير ترجمة، كما عاشت في الإمارات وتونس وبريطانيا ثمّ كندا، وهي مترجمة ومؤلفة ثلاث كتب للأطفال، تهتم في قصصها بشؤون اللّاجئين والانخراط المجتمعي في المجتمع الغربي، ومن قصصها الثّلاثة قصّة: يارا صديقتي من سوريا، وكانت في أسلوب قصصي على شكل رسومات بريشة أناهيت أليكسانيان، وأدارت الأستاذة سنا روحاني الدّردشة، وتدور القصّة حول يارا بنت سوريّة، جاءت من سوريا إلى كندا بسبب الحرب، حيث قبل أربع سنوات أتى عدد كبير من اللّاجئين السّورين إلى كندا، وتتناول القصّة أول يوم لها في المدرسة، وهي تشعر بالخجل لكونها لا تتكلم الإنجليزيّة، مع وجود طلاب يرحبون بها، وهي لا تفهم لهم، وهنا شاهدت تفاحة في يد أحد الطّلاب، فتذكرت شجرة التّفاح في بيتها في سوريّة، فهي لم تسطع أحضار العديد من ألعابها وملابسها من سوريّة بسبب الحرب، لكن أحضرت أوراقا من شجرة التّفاح، ثمّ أحضرتهم لأصداقائها ليشاهدوها، وكوّنت لها علاقة مع أنجلا من أصول أروبيّة، وأليفر من أصول كنديّة.

وفكرة التّفاحة أنّ اللّاجئ ليس فقيرا أو مسكينا كما يتصوّر، بل جاء ومعه ثقافة قد تشترك في جوانب مع الآخر، فهو إنسان له ثقافته، لهذا تحاول الكاتبة غرس هذا الجانب في الأطفال أن ينظروا إيجابيّا مع اللّاجئين، لهذا تكونت علاقة بين ثلاثة أطفال يختلفون في أصولهم، لكنّهم يشتركون في بناء الحياة والإنسان.

ولقت القصّة قبولا كبيرا من وزارة التّعليم في المقاطعة الّتي تسكن فيها الكاتبة في كندا، وكان طلب كبير على القصّة، مع إقامة حلقات حولها للأطفال في المدارس.

ومن أسباب كتابة القصّة كما تقول الكاتبة: أنّ مقاطعتهم في كندا أول مدينة تستقبل عائلتين سوريتين، فشكلوا لجنة، ووطلب منّي أنا وزوجي خدمة العائلتين، وهذه المدينة لا يوجد بها تعدد كبير، والأغلبيّة فيها من أصول أروبيّة، فكنّا نحن أيضا محط أنظار لهم، ولهذا قد يعاني أطفالهم من بعض المصاعب، ووجدت سابقا عائلة سورية أطفالهم يتقنون الفرنسيّة لأنّهم عاشوا في لبنان قبل المجيء إلى كندا، فاللّاجي جاء من بلد له تراثه الزّاخر؛ وليس مجرد لاجئ فقير أو مسكين، والعائلة الأخرى كان لها مصنع شوكلاته في سوريّة، فلمّا أتوا إلى كندا بدأوا المشروع ذاته في بيتهم، وشيئا فشيئا أصبح لديهم مصنع في بيتهم، وقاموا بتطويره، حتّى رئيس الوزاراء الكندي تحدّث عنهم.

ثمّ كانت جلسة راحة، وبعدها كان جدول ورشات العمل، فكانت ورشتان: الأولى عن المشورة: بحث جماعي عن الحقيقة، مع الدّكتورة صبا حداد، والثّانية حول تسخير حرية الإرادة للتّغلب على العادات الجماعيّة المدمرة، مع الأستاذة سويدا معاني يوينغ، واخترت الورشة الأولى؛ لأنّها تهمني في العمل المجتمعي.

وبعد الورشة حضرنا عرض فني شامي مع الفنان بهاء الدّين عسّاف والفرقة الموسيقيّة، وكان جوّا موسيقيّا رائعا، لنذهب بعده إلى العشاء وصاحبنا الأستاذ محمود روحاني في مطعم عربي في شيكاغو، لنرجع إلى النّزل ونستعد ليوم جديد، ومع اليوم الثّاني من المؤتمر، وتسجيل حلقة مع الدّكتورة سوسن حسني حول اللّغة العربيّة وتعليم غير النّاطقين بها كما سنرى في الحلقة القادمة.

#بدر #بن #سالم #العبري #يكتب #الرحلة #التكساسية #حضور #جلسة #افتتاح #مؤتمر #العرب #الأمريكيين #السنوي #الثامن

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد