بعد عقدين من تطبيقها بالمغرب.. هل ستحتاج النساء دائما “كوتا” التمييز الإيجابي في السياسة؟

تابعت شؤون السياسة في سن مبكر في قريتها البعيدة بالجنوب المغربي، كانت تنتظر عودة طالبات الجامعة لتناقش معهن الأحداث وتستمع لحديثهن عن الفصائل الطلابية والتوجهات الفكرية.
واستفادت أمينة ماء العينين من نظام “الكوتا” (الكوتا النسائية تعني حصة أو جزءا مخصصا للنساء لضمان وصول عدد محدد سلفا من النساء لقبة البرلمان وتستخدم في العربية كلفظة مقابل مصطلح الحصة النسبية في الأنظمة النيابية) في أول عمل انتدابي لها.
إذ رشحها حزبها في الانتخابات البلدية ضمن لائحة إضافية في 2009 (أول لوائح محلية خاصة بالنساء في المغرب بعد اعتماد الكوتا في البرلمان عام 2002)، وبعدها اللائحة الوطنية ثم الجهوية، لتخوض فيما بعد الانتخابات التشريعية عبر اللوائح دونما حاجة إلى التمييز.
الفرصة الأولى
تعتبر من خريجات نظام الحصص النسبية (الكوتا) بامتياز، أمينة ماء العينين واحدة من القيادات السياسية النسائية بالمغرب، أظهرت استيعابها لدواليب السياسة وجرأة في تدبير الفعل السياسي، حيث شغلت مناصب مهمة في تدبير الشأن العام محليا ووطنيا، ومثلت حزبها ومؤسسات المغرب في محافل ومناسبات دولية، وتعتبر اليوم رمزا من رموز العمل السياسي النسائي والشبابي بالمغرب، هذا الأمر لم ينطبق على الكثيرات ممن استفدن من نظام الكوتا.
تقول أمينة ماء العينين في حديث مع الجزيرة نت، إن نظام الكوتا مكّنها من الفرصة الأولى لممارسة الفعل السياسي عبر الانتداب، وسهّل لها طريقا ربما كان سيطول وسيأخذ منها جهدا أكبر في النظام الانتخابي.
ويظل السؤال: هل كان النظام الانتخابي التقليدي سيسمح لقدرات شابة من الفئات الشعبية بالظهور؟ هل نجحت الكوتا في خلق نخبة نسائية سياسية متمرسة أم أفرزت أعدادا نسائية فقط؟ هل ستحتاج النساء دائما لتمييز إيجابي في السياسة ليخضن غمار الانتداب؟ ولماذا وقفت الدول العربية عند حدود الوسيلة؟
البرلمان التونسي اعتمد نظام التمثيل النسبي منذ عام 2011 وأخذ بمبدأ أن تكون القوائم مناصفة بين الرجال والنساء (رويترز)لائحة محظوظات!
اعتمد المغرب عام 2002 نظام كوتا لتخصيص 30 مقعدا للنساء، واستمرت هذه الحال حتى عام 2011 حيث تمت زيادة عدد المقاعد من 30 إلى 60 مقعدا، كإجراء مؤقت (وسيلة) بهدف تعزيز تمثيلهن داخل البرلمان، وانخراطهن الفعلي في صناعة وتوجيه السياسات العمومية.
لكن واقع حال السياسات عموما في العالم العربي عامة، وفي المغرب خاصة، يظهر أن الكوتا نجحت في إيجاد النساء في المؤسسات الانتخابية كأعداد محددة بقوة القانون، ولم تنجح في خلق قيادات ولا في تغيير نمط التفكير الذي ما زال يعتقد أن الرجل أكثر قدرة على الفعل السياسي والانتخابي.
تقول ماء العينين إن المغرب لا يزال يعوّل على نظام الكوتا بدليل أن اللوائح العادية لا توجد فيها نساء، والمجالس التي لا يفرض فيها نظام الكوتا لا توجد بها نساء أو توجد بنسب قليلة.
من جانبه يرى المحلل السياسي رشيد الأزرق أن قانون الكوتا لم يحقق المطلوب، وأن منطقها الفوقي جعلها لائحة محظوظات، لا تفرز الكفاءات بالكيفية المطلوبة.
ويرجح الأزرق في حديث للجزيرة نت أن المطلوب اليوم ليس حضور النساء في الحياة السياسية بشكله العددي (تضاعف تقريبا خلال العقدين الماضيين)، بل المطلوب الكفاءة والمسؤولية والنجاعة في الفعل السياسي والتدبيري على أساس الكفاءة والمصداقية والارتباط الحزبي والالتزام بمبادئه، والإشعاع داخل الحزب والمجتمع، والقدرة على القيام بالمهام التمثيلية ابتداء من المجال المحلي، ومرورا بالمجال الجهوي، وانتهاء بالمستوى الوطني.
ريع لا بد منه!
وشكل استمرار التمييز الإيجابي عبر نظام الحصص لعقدين من الزمن بالمغرب موضوع نقاش واسع النطاق، بين من يعتبره ضرورة ومن يعتبره ريعا وجد تربة خصبة في بيئة اجتماعية وثقافية ذكورية وبنية حزبية متهالكة.
فكما تقول ماء العينين فإن تمثيل النساء لا يعود للكفاءة بقدر ما يعود إلى النسق الحزبي والانتخابي، وغياب القدرة التنظيمية لديه، وتقر ماء العينين بأن نظام الكوتا ساعد في وجود النساء عدديا لكن لم يفرز قيادات، وبقي تأثير النساء في الفعل السياسي ضعيفا.
وأشارت إلى أن هناك برلمانيات تعرفن على السياسة عبر مدخل البرلمان، والحال أن البرلمان يكون تتويجا لمسار نضالي وليس العكس. وتلاحظ ماء العينين أن نساء عديدات مررن من نظام الكوتا ولم تستوعبهن بنية أحزابهن فيما بعد، مما أدى إلى غياب التراكم وغياب نخبة نسائية فاعلة.
وتتوقع ماء العينين أن تحدث انتكاسة حقيقية في تمثيل النساء إن تراجع المغرب عن نظام الكوتا في المرحلة الحالية. وتعزو البرلمانية المغربية توقعها لواقع الأحزاب، التي تشهد -حسب رأيها- نوعا من التراجع الديمقراطي.
البرلمان الأردني زاد كوتا النساء إلى 15 على أساس امرأة لكل محافظة منهن 3 نساء يمثلن دوائر البادية (شمال ووسط وجنوب) (الجزيرة)الكوتا في بعض الدول العربية
ولا يعد المغرب استثناء في نظام الكوتا، إذ أخذت به الكثير من البلدان العربية، حيث وقعت مجمل هذه الدول على اتفاقية “سيداو” (CEDAW) ووثيقة بكين، ومنذ ذلك الحين اعتمدت الكثير منها نظام التمييز الإيجابي لصالح النساء بهدف تمثيلهن في المؤسسات التشريعية.
ولا يزال التمكين للنساء يقتضي التوعية والتثقيف وتغيير التفكير النمطي والدفع بالمشهد السياسي العام للمزيد من الديمقراطية.
وقد اعتمدت تونس نظام التمثيل النسبي منذ عام 2011، وأخذت بمبدأ أن تكون القوائم التي يتم اعتمادها مناصفة فإن كانت القائمة تبدأ برجل سيكون الثاني امرأة وهكذا، أو العكس إذا كانت تبدأ بامرأة بعدها يكون رجل وهكذا، وتكون القوائم مغلقة، فكانت نسبة الترشح 50%.
وفي مصر تم تطبيق نظام الكوتا، ولكن النظام أغلبي يعتمد على أساس نوعين من الأغلبية: دوائر متعددة، ودوائر كبيرة، والقائمة التي تفوز تأخذ جميع المقاعد من ضمنها حصة المرأة والحصة المسيحية والكوتا. ويبلغ عدد النساء حوالي 80 امرأة من بين أكثر من 500 مقعد.
وفي الأردن بدأ النقاش حول ترشح المرأة منذ عام 1989 وترشحت 12 امرأة ولم تفز أي منهن. أما في انتخابات 1993 فتراجع عدد النساء المرشحات إلى 3 فقط. وفي انتخابات عام 2003 تم اعتماد الكوتا النسوية في القانون، وقد خصصت 6 مقاعد، وفي عام 2013 و2016 زاد العدد إلى 15 على أساس امرأة لكل محافظة منهن 3 نساء يمثلن دوائر البادية (بدو الشمال والوسط والجنوب).
التركيز على المساواة الفعلية
يؤكد رشيد الأزرق على ضرورة ربط “التنخيب” (الانتخاب) بالشرعية الانتخابية، ويشدد على جعل الكوتا في اللوائح المباشرة عبر إلزام ضم كل لائحة انتخابية عددا متساويا من الرجال والنساء، وذلك في إطار تكافؤ عمودي وفق نظام التناوب.
ويدعو الأزرق إلى التركيز على المساواة الفعلية، والدفع في اتجاه تغيير نظرة الناخبين فيما يتعلق بمهارات النساء القيادية وقدرتهن على النجاح.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد