- الإعلانات -
تمديد “الطوارئ” في تونس.. ضرورة أمنية أم تكريس “نظام قمعي”؟
مع إعلان تمديد حالة الطوارئ في تونس لمدة شهر آخر، تثور تساؤلات عن مدى جدوى هذه الإجراءات، خاصة مع دنو شهر يناير الذي يشهد في العادة تظاهرات واحتجاجات شعبية في ذكرى سقوط نظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، قبل 12 عاما.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية في تونس نقلت، السبت، عن الجريدة الرسمية أن البلاد مددت حالة الطوارئ المستمرة منذ فترة طويلة، لمدة شهر حتى 30 يناير 2024.
وتخضع تونس لحالة الطوارئ منذ العام 2015 بعد هجوم أسفر عن مقتل عدد من أفراد الحرس الرئاسي، وبحسب منظمات حقوقية، وبعض المعارضين، فإن هذا الإجراء يمنح قوات الأمن سلطات استثنائية تتيح حظر إضرابات واجتماعات من شأنها “التسبب في الفوضى” أو اتخاذ إجراءات “لضمان مراقبة الصحافة”.
وعن المغزى من تمديد حالة الطوارئ لمدة شهر، يوضح الباحث والإعلامي التونسي، بدر السلام الطرابلسي، لموقع “الحرة” أن “هذا الأمر لا يتناسب كثيرا مع السياق الأمني والسياسي في البلاد، لأننا لم نشهد منذ مدة طويلة عمليات إرهابية أو أمنية كبيرة الحجم”.
وتابع: “المنظومة القانونية في تونس تحتكم بالأساس إلى بنود وقوانين تتيح للجهات المختصة التعامل مع الحوادث والوقائع الإرهابية والأمنية وبالتالي، وبحسب ظني، لا أعتقد أن هناك أي حاجة لتمديد حالة الطوارئ، سواء لثلاثين يوما أو عدة أشهر أخرى”.
وفي المقابل، يعتقد الباحث والمحلل، منجي الخضراوي، في حديثه إلى موقع “الحرة”، أنه “من المهم فهم تمديد حالة الطوارئ من خلال سياقها الراهن، فالبلاد تعيش أوضاعا سياسية غير مستقرة، فالتهديدات الأمنية لا تزال قائمة، كما أن شهر جانفي (يناير) له أهمية إذ يشهد العديد من الاحتجاجات والتظاهرات في ذكرى الثورة التونسية”.
ونوه الخضراوي إلى وجود “أهمية أمنية لإعلان حالة الطوارئ، فالتهديدات الإرهابية لا تزال قائمة، ولا يزال يجري تتبع بعض الخلايا المتطرفة”.
وكانت وزارة الداخلية التونسية أعلنت “القضاء على 3 إرهابيين” خلال عملية نفذها ، الأربعاء، عناصر من الحرس الوطني والجيش في منطقة جبلية غرب وسط البلاد.
وقُتل الثلاثة خلال عملية أمنية بمنطقة القصرين الجبلية القريبة من الحدود مع الجزائر، بحسب وكالة فرانس برس، في حين قال المتحدث باسم الحرس حسام الدين الجبالي إن “جنديا أصيب برصاص الإرهابيين”.
وأوضحت وزارة الداخلية أن العملية التي جرت بدعم من “وحدات جيش الطيران” مكنت أيضا من مصادرة متفجرات وذخائر وأسلحة، من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
من جانبه، يرى الناشط السياسي محمد العباري، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “السؤال الذي يفرض نفسه لا يتعلق بتمديد حالة الطوارئ، بل السؤال الحقيقي يتمحور إذا كانت البلاد خرجت أصلا من حالة الطوارئ منذ رحيل نظام بن علي قبل نحو 12 عاما، فنحن من وقتها نعيش في حالات طوارئ سواء في عهد الترويكا (ائتلاف حاكم) بزمن الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، ومن ثم في عهد ولاية الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وصولا إلى الزمن الراهن”.
وزاد: “وبالتالي فإن المنتقدين والمعترضين على تمديد الطوارئ لم نكن نسمع صوتهم وتباكيهم خلال السنوات الماضية”.
“معاناة واضطهاد”.. من المسؤول عن الانتهاكات بحق المهاجرين في تونس؟
يتعرض الآلاف من مواطني جنوب الصحراء الذين لجأوا إلى تونس للاضطهاد بشكل متزايد حيث تزداد العنصرية، في وقت يتعثر عليهم السفر إلى أوروبا في ظل الإجراءات المتشددة وظروف أخرى، بحسب تقرير لصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية.
وبحسب الإعلامي بدر السلام الطرابلسي، فإن تاريخ فرض حالات الطوارئ في البلاد، يعود إلى ما يسمى بـ”الأمر عدد 50 لسنة 1978″، الذي كانت قد جرت صياغته في أعقاب ما بات يعرف لاحقا باسم “الخميس الأسود” في السادس والعشرين من يناير، وذلك إثر صدامات على خلفية تحركات نقابية واجتماعية، قادها الاتحاد العام التونسي للشغل.
وأكد الطرابلسي أن المعترضين اعتبروا ذلك الأمر قد أدى إلى تقييد حريات وتحركات المواطنين، خاصة الاجتماعية والسياسية.
واتفق الطرابلسي مع ما ذهب إليه العباري من أن البلاد قد عاشت العديد من حالات الطورائ بمدد وفترات مختلفة سواء منذ عهد بورقيبة، مرورا بزمن بعلي، وليس انتهاء بالوقت الحالي.
بين “القوة المادية” و”تقاسم الكعكة”
من جانبه، يرى القيادي في حركة “مواطنون ضد الانقلاب”، أحمد الغيلوفي، في حديثه إلى موقع “الحرة”: “أن تمديد حالة الطوارئ يعنى أن نظام حكم (الرئيس التونسي) قيس سعيد لم يخرج أبدا وإلى حد الآن من لحظة 25 جويلية (يوليو) 2021″.
وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية منذ أن قرر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بحسب العديد من قوى المعارضة ” احتكار السلطات في البلاد”، عام 2021، حين شملت قراراته حل البرلمان وشن حملة اعتقالات، وصفتها بعض منظمات حقوق الإنسان الدولية بـ “العنيفة”.
وفي 25 يوليو عام 2021 أعلن سعيّد تعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوما وإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوّله اتخاذ تدابير استثنائية في حالة “خطر داهم مهدد لكيان الوطن”.
- الإعلانات -
وبعدها بثلاثة أيام، في 28 يوليو، أطلق سعيّد حملة لمكافحة “مَن نهبوا المال العام”، مطالبا 460 رجل أعمال متهمين باختلاس أموال خلال فترة حكم زين العابدين بن علي (1987-2011) بالاستثمار في المناطق الداخلية مقابل “صلح جزائي” معهم.
وفي 26 أغسطس من نفس العام، أعلنت منظمة العفو الدولية تسجيل 50 حالة حظر سفر “غير قانوني وتعسفي” بحق قضاة ومسؤولين ورجال أعمال ونائب في البرلمان.
وشنت السلطات التونسية حملة اعتقالات تضمنت إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق 12 شخصية سياسية بارزة، من بينها رئيس الوزراء السابق، يوسف الشاهد، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة، نادية عكاشة، لاتهامهم بتشكيل “تحالف إرهابي والتآمر ضد الدولة”.
ونفذت السلطات التونسية حملة توقيفات واسعة، منذ فبراير من العام الماضي، طالت قيادات من الصف الأول في حزب النهضة ورجال أعمال وناشطين سياسيين.
وفي عام 2022، ندّدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بفرض إقامات جبرية في تونس، معتبرة أنّها في الواقع “اعتقالات سريّة بذريعة حالة الطوارئ”.
وهنا يرى الغيلوفي “أن لحظة 25 جويلية التي توقف فيها الزمن بالنسبة لنظام سعيد تتأسس فقط على القوة المادية، أي استعمال الأجهزة الأمنية والعسكرية، وبالتالي هي لحظة تستبطن عدم شرعيتها الدستورية وعدم شرعيتها الشعبية”.
ونوه إلى “التمديد بحالة الطوارئ مسألة متوازية مع أمر عجيب ومتناقض، مفاده أن سعيد ورغم أنه قد أرسى جميع أركان حكمه من مجلس نواب وحكومة ومجالس محلية، إلا أنه لا يزال يحافظ على حالة الاستثناء (الطوارئ)”.
وزاد: “وهذا يشير إلى 3 أمور هامة، أولها أن مؤسسات الحكم التي أرساها شكلية، وليس لها أي دور وأن الحاكم الوحيد والفعلي هو سعيد، وإلا لكانت تلك المؤسسات تقوم بدورها دون الحاجة إلى للإبقاء على حالة الاستثناء وحالة الطوارئ”
وأضاف: “ثاني الأمور يتمثل في أن الرجل (الرئيس التونسي) يستبطن (يدرك بداخله) بشكل حاد جدا أنه ليس لديه أي شعبية، خاصة أنه جرب بالعديد من المرات اختبار مدى جماهيريته منذ ما سماه الاستشارة الإلكترونية، وحتى الاستفتاء على الدستور، وصولا إلى الانتخابات التشريعية، وكلها قادته إلى هزيمة نكراء، وربما سجلنا سابقة عالمية بتسجيل أدنى نسبة مشاركة في انتخابات من المفترض أنها ديمقراطية”.
وأما الأمر الثالث، بحسب الغيلوفي، فيتجلى في أن “الرجل لم يبق له أي شيء يعتمد عليه بعد تلك الخيبات الكبرى غير التعويل على القوة المادية القاهرة وقمع الحريات ومنع المظاهرات، خاصة أن شهر يناير في المخيلة والتاريخ التونسي الحديث معروف بسخونته السياسية والثورات والاضرابات، وتحسبا لذلك قرر تمديد حالة الطوارئ”.
وختم القيادي المعارض بالقول: “في النهاية حتى صفة الشعبوي لم يعد يستحقها قيس سعيد لأن الشعبوي على الأقل يجد له دعما من نصف الشعب من خلال إثارته للأوهام والغرائز والأحلام، إلا أننا لاحظنا في كل المحطات الانتخابية أن الرجل لم يعد يحظى بأي نسبة معقولة يمكن أن تجعله يوصف بالشعبوي”.
وفي المقابل، يرى الناشط السياسي، محمد العباري أن “المعارضة التونسية أفلست ولم يعد لها وجود على أرض الواقع بعد مسار 25 جويلية الذي قاده سعيد”.
الرئيس التونسي يرفض دعما ماليا أوروبيا ويشكك باتفاق للهجرة
قال الرئيس التونسي، قيس سعيد، الاثنين، إنه يرفض دعما ماليا أعلن عنه الاتحاد الأوروبي قبل أيام، مشيرا إلى أن المبلغ زهيد ويتعارض مع الاتفاق الموقع هذا الصيف مع الكتلة الأوروبية، وفقا لوكالة “رويترز”.
وأضاف: “ذلك المسار عانى من هنات وأخطاء مثل التقصير في محاربة الفساد أو تعيين أشخاص غير أكفاء، ولكنه مع ذلك يبقى أفضل وأحسن بألف مرة من العشرية السوداء (العقد الذي تلا سقوط نظام بن علي)”.
وزاد: “في تلك العشرية ظهر (مصطلح تقسيم الكعكة) بين الأحزاب والأطراف الحاكمة، وهو مصطلح جعل الدولة مجرد غنيمة، وبالتالي هم من وصفوا أنفسهم بالمرتزفة بأفعالهم من خلال تقاسم النفوذ والمصالح”.
وشدد العباري: “لذلك فإن الشعب التونسي قد كره دولة الكعكة أو دولة الغنائم، وأراد أن يكون له دولة مستقلة تخدم مصالحه وهذا ما نسعى إليه رغم بعض سقطات رئيس الجمهورية، وهي سقطات لها أعذار لأنه لا يوجد في عالم السياسة شخص من دون كبوات”.
واعتبر أن “الشعب التونسي لا يأبه لتصريحات المعارضة وأشباه المعارضة بشأن أي أمر لأن الفرصة كانت سانحة لهم لفعل الصواب قبل 25 جويلية دون يقدموا على ذلك، وهؤلاء لم يعد لهم أي امتداد شعبي”.
وأردف: “بالنسبة لبعض القوانين التي يعترضون عليها مثل عرض بعض المتهمين منهم على محاكم عسكرية فقد كان معمول بها عندما كانوا في سدة الحكم دون أن يعملوا على تغييرها رغم أن البرلمان والسلطة التشريعية كانت بيدهم، والأدهى والأمر أنهم يشتكون من قوانين هم من شرعوها”.
#تمديد #الطوارئ #في #تونس. #ضرورة #أمنية #أم #تكريس #نظام #قمعي
تابعوا Tunisactus على Google News
- الإعلانات -
