- الإعلانات -

- الإعلانات -

تونس.. الرئيس يصارع القضاء | صحيفة الخليج

د. محمد عز العرب *
لا يبدو أن الأوضاع في تونس تتجه إلى الاستقرار بسهولة بعد مرور أكثر من ستة أشهر على إعلان الرئيس قيس سعيّد الإجراءات الاستثنائية؛ إذ أصدر الرئيس مرسوماً، في 12 فبراير/ شباط 2022، يقضي بحل المجلس الأعلى للقضاء، وإنشاء مجلس آخر مؤقت.

يأتي ذلك في سياق توتر العلاقة بين الطرفين منذ إعلان المجلس الأعلى للقضاء عدم انخراطه في تفاعلات الأزمة السياسية، على نحو دفع الرئيس للاجتماع بعدد من القضاة، والبدء في توجيههم في مجموعة من القضايا، ومن أبرزها الانتهاكات التي شهدتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية في عام 2019، وتورط بعض المرشحين والأحزاب في الحصول على تمويلات أجنبية، إلا أن توجيهات الرئيس اعتبرها المجلس الأعلى للقضاء تدخلاً في طبيعة عمله، ورفض المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية. وفي نفس الوقت، أعلن الرئيس سعيّد في تصريحات مختلفة أن «القضاء العادل من حقوق التونسيين الأولى» وأنه «لا ينوي التدخل في شؤون القضاء».

أبعاد متعددة

ويمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل المفسرة لتوتر تلك العلاقة بين الرئيس والقضاة في تونس، على النحو التالي:

* أولها، إلغاء المنح المالية للقضاة؛ حيث تفجرت الخلافات بين رئيس الدولة قيس سعيّد وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء (45 عضواً) عندما أصدر الأول قراراً في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي بإلغاء المزايا والمنح المالية الممنوحة لأعضاء ذلك المجلس، وهو الإجراء الذي أثار غضب القضاة الذين وصفوا ذلك القرار بانتهاك الرئيس لاستقلالية القضاء، ورفضهم لحملات التشويه التي يقودها الرئيس وأنصاره ضد القضاة.

* ثانيها، تطهير القضاء من العناصر الفاسدة، يمثل قرار الرئيس قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء واستحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء، استجابة لدعوات القوى السياسية والمجتمعية المؤيدة للرئيس والذين تظاهروا في 7 فبراير/ شباط الجاري مطالبين إياه بتطهير القضاء وحل المجلس الأعلى للقضاء، لاسيما بعد تأخير البت في الكثير من القضايا المتعلقة بالفساد المالي والإداري والسياسي المنظورة أمام الهيئات القضائية في البلاد، واتهام بعض القضاة خلال الفترة الأخيرة بإطلاق سراح بعض المتهمين في قضايا فساد بعد انتهاء التحقيقات معهم؛ وذلك بعد أن بذلت السلطات الأمنية جهوداً كبيرة لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمات.

* ثالثها، انتقاد الرئيس لما سماه «دولة القضاء»؛ إذ جاء قرار استحداث مجلس مؤقت للقضاء بدلاً من المجلس السابق؛ نظراً لأنه رفض تصاعد سلطات وصلاحيات ونفوذ أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما أكده الرئيس سعيّد بقوله إن القضاء هو مجرد وظيفة وليس سلطة مستقلة عن الدولة وأن السلطة والسيادة للشعب وليس لأحد آخر.

* رابعها، اختراق حركة «النهضة» لعناصر قضائية، وهو ما عكسه مؤشر رئيسي يتعلق باتهام الرئيس للقضاة بالتواطؤ مع حركة «النهضة» لعدم إصدار حكم قضائي نهائي في قضية اغتيال الناشط اليساري «شكري بلعيد» الذي تم اغتياله عام 2013، ومنذ ذلك الحين لم يصدر قرار في هذه القضية، ويرجع ذلك بسبب رئيسي إلى تواطؤ نائب رئيس حركة «النهضة» المعتقل نورالدين البحيري الذي استغل منصبه كوزير للعدل في الفترة 2013 وتعيين العديد من القضاة الموالين لحركة «النهضة»، الأمر الذي أثار غضب الرئيس ودفعه نحو الإصرار على اتخاذ مواقف أكثر تشدداً مع السلطة القضائية.

دلالات عاكسة

تشير العلاقة المتوترة بين الرئيس سعيّد والقضاة وتفاعلات أزمة تونس إلى جملة من الدلالات العاكسة، على النحو التالي:

1- مواصلة فرض الإجراءات الاستثنائية؛ حيث تشير التفاعلات الجارية على الساحة التونسية إلى أن الرئيس يواصل اتخاذ قرارات سياسية جذرية، وعدم تراجعه أمام أية ضغوط تمارس عليه سواء من الداخل أو الخارج، خاصة مع صدور بيان في 9 فبراير/ شباط الجاري من قبل سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية، وما تضمنه من قلق حول قرار حل المجلس الأعلى للقضاء. بل إن المرحلة المقبلة قد تتضمن فتح ملفات فساد قد تتورط فيه رموز سياسية وحزبية ورجال أعمال، لاسيما بعد إعلان الرئيس سعيّد تنقيح القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بعد تشكيل مجلس آخر. هذا فضلاً عن فتح ملف الاغتيالات السياسية التي توجه فيها الاتهامات لحركة «النهضة» وجهازها السري.

2- القضاء على مؤسسات ما قبل مرحلة 25 يوليو/ تموز، ومن ثم يمكن القول إن هذه الإجراءات تمثل استكمالاً للإجراءات الاستثنائية التي بدأها الرئيس سعيّد بهدف القضاء على مؤسسات مرحلة ما قبل 25 يوليو الماضي، واستحداث مؤسسات جديدة تعمل على تحقيق المصالح الوطنية للدولة التونسية، وليس المصالح الخاصة بحزب سياسي أو جماعة، الأمر الذي يساعده في وضع أسس ومعايير جديدة تتسم بالنزاهة والشفافية لإنشاء مؤسسات وطنية تنحاز إلى المواطن التونسي وتعمل على تلبية احتياجاته؛ وذلك في إطار الحركة التصحيحية التي أعلنها الرئيس في البلاد وتأكيده المستمر على عدم الرجوع لمرحلة ما قبل 25 يوليو الماضي. ولعل ذلك يفسر بدء المجلس الأعلى للقضاء الجديد مهامه منذ 15 فبراير/ شباط الجاري.

3- محدودية فرص الإجراءات التصعيدية التي أعلن عنها القضاة المعارضون لحل المجلس الأعلى للقضاء، في تراجع الرئيس عن قراراته الأخيرة في هذا الخصوص، لاسيما أن إضراب القضاة أدى إلى شلل المحاكم التونسية لفترة، وكذلك توسع رقعة الاحتجاج من قبل بعض الأحزاب اليسارية والمنظمات الوطنية.

تجاوز المتاهة

خلاصة القول إن الأزمة السياسية سوف تتواصل في تونس لاسيما في ظل قناعة الرئيس قيس سعيّد بضرورة تغيير هيكل النظام السياسي التونسي، وتفكيك شبكات المصالح التي تولدت وتوطدت بعد ثورة الياسمين، وإضعاف نفوذ حركة «النهضة» التي استغلت نافذة الفرصة لمصلحتها حتى جاءت لحظة الإجراءات الاستثنائية لتضع حداً لذلك، غير أن مواصلة الرئيس سعيّد لقرارات تتطلب فتح المجلس القضائي الجديد لقضايا المال العام والاغتيالات والإرهاب واستمرار اقتناع الرأي العام المؤيد للرئيس سعيّد ودعم دول عربية وغربية لمشروعه وعدم الالتفات لما يتم الترويج له من أن تونس مقبلة على سيناريو لبناني، لأن تونس حالة مغايرة عن كل البلاد العربية التي شهدت انتقالاً سياسياً جديداً يصحح «المتاهة» التي شهدتها على مدى عقد من الزمن.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية

#تونس #الرئيس #يصارع #القضاء #صحيفة #الخليج

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد