- الإعلانات -

- الإعلانات -

تونس وتحديات الاستقرار | رأي ودراسات

حسام ميرو

بعد ما يقارب 10 سنوات من تغيير نظام الحكم في تونس، لا يزال سؤال الاستقرار هو السؤال الأبرز الذي يواجهه التونسيون؛ لكن من دون وجود إجابات مقنعة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والمعيشية. فالمشهد التونسي السياسي يظهر حالة انقسام كبيرة بين الأحزاب السياسية، والتي تتبنى مرجعيات أيديولوجية متباينة، وبرامج اقتصادية غير واضحة المعالم، وهو ما يدفع التونسيون ثمنه بشكل يومي؛ فالمؤشرات الاجتماعية تشير بكل وضوح إلى تراجع وتقلّص في نسبة الطبقة الوسطى، وزيادة في تهميش الفئات الأكثر فقراً، التي أصبحت تشكل مجتمعات ظل، غير مرئية في حسابات الطبقة السياسية، وقد أفصحت هذه الفئات عن أزماتها مؤخراً بشكل تظاهرات واحتجاجات على أوضاعها البائسة.

 تقديرات البنك الدولي لنسبة السكان التي تقع تحت خط فقر مقدّر بحد إنفاق قدره 5.5 دولار يومياً على أساس تعادل القوة الشرائية، ارتفعت في عام 2020 من 16.6% إلى 22% من السكان، وتتضمن هذه الفئة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر العالمي المقدّر بنحو 1.9 دولار يومياً، وليس هذا الارتفاع مستغرباً في ظل عجز حساب المعادلات التجارية الذي بلغ 7.1% من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، مع توقعات بأن يصل عجز الموازنة العامة إلى 12%، وكل هذا يترافق مع تدني الأجور بالنسبة للعاملين في القطاعين العام والخاص، قياساً إلى كُلفة ضرورات المعيشة الأولية من سكن وصحة وغذاء وخدمات.

 واجهت الحكومات المتعاقبة في تونس تحدي الدين العام، من دون أن تتمكن من تقليصه، وقد ارتفع حجم الدين العام إلى ما نسبته 85% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفرض على الحكومة التونسية، بغض النظر عن تشكيلتها، أو القوى السياسية التي تتضمنها، مواجهة أزمة سداد الديون، والتي تفاقمت العام الماضي مع جائحة كورونا، وما فرضته من إغلاقات متكررة، طالت قطاعات رئيسية يعتمد عليها الاقتصاد التونسي، من حيث نسبة تشغيل العمالة، أو تحقيق موارد للخزينة، وفي مقدمتها قطاع السياحة، الذي يعد من أهم القطاعات الاقتصادية التونسية، وقد كشفت دراسة أعدّتها الجامعة التونسية للفنادق عن خسارة نحو 27 ألف عامل في قطاع السياحة لوظائفهم، أي نحو 60% من العاملين في قطاع السياحة.

 الأزمة الاقتصادية في تونس ليست مفصولة عن أزمات المشهد السياسي التونسي؛ بل إنها في أحد جوانبها انعكاس لأزمات الحياة السياسية، ولشكل وآليات نظام الحكم الذي اختاره التونسيون بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي؛ إذ تمّ توزيع الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان، وجعل رئاسة الحكومة محط تجاذب بين رئيس الدولة ورئيس البرلمان، وإذا كان هذا الشكل من أشكال نظام الحكم يضمن من الناحية النظرية حالة التوازن بين القوى السياسية، إلا أنه في الوقت نفسه يجعل من التجاذبات السياسية حجر عثرة في تحقيق حالة استقرار لفترة طويلة، خصوصاً وأن تونس ليست بلداً صناعياً، وإنما تعتمد اقتصادياً على بعض الصناعات الاستخراجية والتحويلية والزراعة والسياحة.

 اليأس الشعبي العام من الأوضاع السياسية والاقتصادية تجلى في ارتفاع عدد المهاجرين التونسيين عبر المتوسط، فقد شهدت ظاهرة الهجرة ارتفاعاً غير مسبوق؛ حيث تضاعف عدد المهاجرين التونسيين خمس مرات في عام 2020، فقد أحصت المنظمات الحقوقية نحو 13 ألف طالب لجوء من تونس في إيطاليا خلال العام الماضي، وهم في أغلبهم من جيل الشباب؛ حيث انعدمت أمام هؤلاء سبل فرص العمل والعيش، على الرغم من كل الوعود التي أطلقتها الحكومات التونسية المتعاقبة، من دون أن تتمكن من خلق برامج وديناميات؛ لتطوير سوق العمل، لتمكين الشباب التونسي من الاستقرار والعيش الكريم.

 وإذا كان نظام بن علي قد سمح بنشوء طبقة من الأثرياء، عبر ما يعرف بدولة المحاسيب، فإن النظام الحالي قام بسن قوانين تساعد على توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء، مثل قانون الضريبة، الذي سمح بنشوء طبقة من الأثرياء الجدد، على حساب الفئات الشعبية، وضرب أحد أهم الأسس للاستقرار الاجتماعي؛ حيث لا يمكن تحقيق استقرار مستدام في ضوء اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء في بلد يعتمد على مقومات اقتصادية محلية.

 تونس بعد عقد من التغيير السياسي تقف أمام أسئلة عديدة ستحدد مسار الاستقرار فيها، لكن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق النخب السياسية، ففي ظل المؤشرات الراهنة لا يبدو تحقيق مطلب تحقيق الاستقرار المستدام أمراً ميسوراً؛ بل إن كل عوامل الانفجار الاجتماعي تبدو قائمة، وليست احتجاجات الشباب التونسي المهمشين اليوم إلا من تجلياته.

[email protected]

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد