- الإعلانات -

- الإعلانات -

ثقافة النعامة

في المرحلة التي نمر بها نحن العرب، نجد أن الأزمة مركبة في السياسة وفي الاجتماع والتعليم وربما في معظم القطاعات يمكن وصفها بـ”ثقافة النعامة” والتي تُختصر برفض التعامل مع الواقع والعيش في فضاء افتراض يستند إلى الماضي. الظواهر كثيرة، أبرزها انتقاء وليس حصرُ عدد يمكن وضعه في ثلاث مؤشرات حاضنة.

الأول: خلط الديني بالسياسي. وقد ثار جدل وحدثت نقاشات في الكويت في الأسبوع الأخير عندما قررت الدولة أن تشارك المرأة في القطاع العسكري، وتم اللجوء الى “الإفتاء” لتحديد ما اذا كان، “يجوز أو لا يجوز”!. وانطلق بعد ذلك الكثير من التساؤلات، هل نحن في دولة مدنية أم دينية؟ وهل الإسلام له أشكال مختلفة في التطبيق … فالجوار الخليجي تقريباً كله يُشرك المرأة في القطاع العسكري. سوف يطول النقاش، لكن المسألة أوسع، فكثير من قادة العمل السياسي، مباشرة أو من خلف الستار، في منطقتنا العربية هم “معممون”!. في العراق هناك الكثير منهم وفي لبنان وفي اليمن. وهناك قوى ملتصقة بالتفسير الديني للظواهر السياسية والاجتماعية كما كان في السودان حتى الفترة الأخيرة وأيضاً في تونس. السؤال، هل نحن في مرحلة “النعامة”؟ التقدم الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي له شروط أصبحت معروفة على نطاق العالم، ليس من بينها “خلط الديني بالسياسي” بالتأكيد.

الثاني: كنس المشكلات تحت السجاد. وللتدليل أشارك مع نخبة عربية من دول كثيرة تدعو الى السلام بين مجتمعاتنا، ومن ضمن القرارات أن ننشئ “مجتمعاً افتراضياً على الواتساب” يضع فيه من يرغب الآراء التي يكتبها في الصحف. وما هي إلا فترة قصيرة حتى ضاج البعض مما ينشر على الموقع لأنه لا يساير فكره، واضطر مدير الموقع أن يقفله تجنباً للاختلاف الذي قد يقود الى التنافر بين أعضاء المجموعة. والمفاجئ لا بل المحيّر أنه إذا لم تكن مثل هذه المجموعة “النخبوية” قادرة على قبول الرأي والرأي الآخر ومناقشته بطريقة حضارية وصولاً الى مشترك بينها، فكيف نلوم الآخرين على هذا الشتات في وسائل الاتصال الاجتماعي المفتوحة… ليس هناك تفسير لذلك إلا ثقافة النعامة والتي تقود الى ثقافة القطيع!.

ثالثاً: انتشر لغط كبير وواسع خلال الأسبوع الماضي حول تفسير فيلم وضعته شركة نتفليكس اسمه “أصحاب و لا اعز” كان الأكثر مشاهدة أخيراً على مستوى الوطن العربي، وفق ما أعلنت الشركة. وقام المدافعون “عن القيم” بحملة كبيرة ضد الفيلم لأنه في نظرهم يحضّ على الشذوذ وتفكّك الأسرة الى آخر تلك الاتهامات النابعة من “حراس النوايا”. والفيلم يشارك فيه ممثلون مصريون ولبنانيون، وهو في الأصل فكرة مأخوذة عن فيلم إيطالي عُرض في مهرجان القاهرة منذ سنوات وفاز بجوائز! بل تعرض الشركة منذ فترة نسخة منه أيضاً بالإنكليزية تحت عنوان “لا شيء نخفيه” ويشاهدها العرب! لم يقتصر نقاش الفيلم ورمي الكثير من الأحجار “القيمية” عليه وعلى الممثلين المشاركين، بل نوقش أيضاً في محطات تلفزيونيه دولية وإذاعات دولية ناطقة بالعربية. ومثل فكرة الفيلم، وإن كانت بأشكال مختلفة، قد نوقشت في أفلام عربية ومسرحيات “منها مسرحيات كويتية”، كما نشير على سبيل التذكير لا الحصر إلى مسرحية “مدرسة المشاغبين” للمرحوم علي سالم، وهي أيضاً مقتبسة من مسرحية بريطانية. فبالرغم من أن المسرحية نالت شهرة واسعة وأثرت في جيل كامل، إلا أنها جاءت في مرحلة يمكن وصفها بـ”انتقال القيم” وكانت فيها ايحاءات جنسية لا تخفى! لكن جماعة “ثقافة النعامة” كالت على المسرحية وكاتبها الكثير من النقد اللاذع. وما دمنا في هذا المجال لنذكر رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ والذي كاد أن يفقد حياته بسببها، وغيرها من الأعمال الأدبية والفنية التي وجد أصحاب ثقافة النعامة أنها تفسد المجتمع وتقدم أمثولة “للفسق والفجور” من وجهة نظرهم. والمجتمع العربي، كباقي مجتمعات العالم ليس مثالياً كما يرغب أن يصفه أصحاب تلك النظرية، بل إن بعضهم غاطس في “الخروج على القيم” حتى أذنيه ولكن بالسر، وآخرين منهم افتضح أمرهم على الملأ!

الفكرة الأساس هنا أن الإرهاب ليس هو أن يقوم البعض بالتفجير والقتل ضد الآمنين، والأخطر هو الإرهاب الفكري، والذي يريد أن يفرض وجهة نظره على الجميع وأنه هو يملك الحكمة وغيره في ضلالة، ولا يتوجب أن يعرض أو يقال رأي آخر غير ما يراه، وأي رأي مخالف في السياسة أو القيم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية هو من عمل الشيطان يجب أن يجرم ويلقى من يقوم به التعزير وفي بعض الأوقات القتل.

ثقافة النعامة لا تريد أن تعترف في حال “أصحاب ولا أعز” أن المنصة التي أتاحت العمل هي منصة دولة عابرة للأوطان والثقافات، كما إنها منصة اختيارية، يمكن للفرد أن يشترك فيها أو لا يشترك! ولكن الأهم أن مثل هذه المنصات هي التي سوف تسود في المستقبل القريب. فإذا استمرت ثقافة النعامة بعيش الحاضر في ثياب الماضي، فهي لا شك في طريقها الى الإفلاس!

* نقلا عن ” النهار”

تنويه:
جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

#ثقافة #النعامة

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد