- الإعلانات -

- الإعلانات -

جولة أخرى من “حروب الأفيون” لكن في الشرق الأوسط

في سنوات مضت اعتادت السعودية التركيز في مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية داخل أراضيها ومنافذ حدودها، إلا أن الرياض في عهدها الجديد الذي اتسم بالحزم أكثر، اختارت وحلفاؤها نقل المعركة إلى مصدر التهديد وليس فقط قنواته الفرعية وأدواته في المنطقة والخليج، كما فعلت نحو معارك أخرى مثل “الإرهاب” و”إيران” و”أوبك+”.

وإذا ما سألنا حتى الذكاء الاصطناعي عن المصدر الرئيس لطوفان “الكبتاغون” المتدفق على دول الخليج، فإنه يجيبك “معظم شحنات الكبتاغون تأتي من سوريا أو عبر الحدود اللبنانية، حيث تشكلت عصابات إجرامية وزعماء ميليشيات وعصابات حدودية تصنع وتوزع كميات كبيرة من المخدرات على نطاق كبير”، وهكذا فإن الجميع بات يعرف المصدر، ولم يبق إلا التعامل معه، لذلك كثف السعوديون ضغطهم أولاً على لبنان عبر إجراءات عدة، وعلى النظام السوري الذي لم تكن تربطه علاقات مباشرة رسمية به عبر أدوات إقليمية ودولية، قبل أن يتوج المجهود الحربي على هذا الصعيد السياسي بصفقة بكين التي قلبت الطاولة على وكلاء طهران في الإقليم كافة.

عصا قانون “الكبتاغون”

وتعتبر التقارير الدولية العصا الغليظة في هذا الملف، والتي اكتسبت فاعلية أكبر إلى جانب اتفاق الصين عندما لوح البيت الأبيض بـ”قانون الكبتاغون” الذي وقعه الرئيس الأميركي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وطرح بين أهم أدوات تطبيقه توفير الموارد المالية والاستخباراتية اللازمة لدول الإقليم مثل الأردن والخليج، التي يرى النائب فرنش هيل الذي تبنى القانون في مجلس النواب الأميركي أنها تخوض حرباً ضد “الكبتاغون” شبيهة بتلك التي خاضتها المنطقة ضد “داعش”، فكان على أميركا دعمها بالموارد والمعلومات، لأنه إذا استمر التدفق على وتيرته الحالية فإن “إغراق الولايات المتحدة بهذا المخدر سيكون فقط مسألة وقت”.

وأكد تبني استراتيجية “لاستهداف وتعطيل وإضعاف شبكات تصنيع المخدرات في سوريا، عبر الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لإنفاذ القانون، وبناء القدرة على مكافحة المخدرات للدول الشريكة، من خلال المساعدة والتدريب لأجهزة إنفاذ القانون في الدول التي تتلقى أو تعتبر نقطة عبور لكميات كبيرة من الكبتاغون”.

وفي السياق نفسه أعلن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في مارس (آذار) الماضي فرض عقوبات منسقة على قائمة أشخاص اتهمتهم لندن بالضلوع في تجارة “الكبتاغون”، وصفتهم بـ”كبار المسؤولين في النظام الذين ييسرون تجارة المخدرات ومنتجيها، وكبار عناصر حزب الله المسؤولين عن تهريب المخدرات إلى أنحاء الشرق الأوسط، من بينهم رجال أعمال بارزون وقادة ميليشيات وأقارب الرئيس”. وكانت العقوبات “تجميد أرصدتهم ومنع دخولهم بريطانيا”.

3 أضعاف التهريب المقبل من المكسيك

وتفيد تقديرات الحكومة البريطانية بأن نحو”80 في المئة من إمدادات العالم من هذه المادة (الكبتاغون) تنتج في سوريا… إذ تغادر شحنات قيمتها مليارات الدولارات معاقل النظام، في مثل ميناء اللاذقية”، معتبرة أن حجم تلك التجارة يمثل تقريباً ثلاثة أضعاف قيمة أصناف المخدرات المكسيكية ذائعة الصيت مجتمعة!

ولم يكن هذا الضغط الدولي إلا صدى للعمليات الحربية على الأرض التي ظلت دول الإقليم تشنها على المهربين، خصوصاً الأردن الذي قدر إحصاءات صحف محلية فيه قتلى المواجهات بنحو 32 عنصراً على الحدود السورية، ثم بلغت ذروتها بعيد إعطاء الجامعة العربية الضوء الأخضر لعودة سوريا إلى شغل مقعدها، عندما أعلن الجيش الأردني استهداف بارون المخدرات المعروف مرعي الرمثان المحكوم عليه بالإعدام غياباً في عمان، في طلعة جوية داخل سوريا استهدفته في منزله الذي قال شهود عيان إنه أصبح أنقاضاً.

فهمت العملية العسكرية النادرة من نوعها على أنها أول مؤشرات بدء دمشق الوفاء بشروط إنهاء القطيعة معها وفقاً لمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، ومن بينها الحد من فيضان “الكبتاغون”، وفقاً لترجيح الكاتب السعودي محمد السلمي، رئيس معهد رصانة للدراسات الإيرانية، بينما اعتبرها آخرون رسالة صريحة من الخليج وحلفائه الأردنيين للنظام السوري بنفاد الصبر، في وقت تبذل الدول مساعيها لتخفيف الضغوط على النظام.

الخليج هو المستهدف

يشير الأردن إلى أن نحو 85 في المئة من المخدرات التي يتم ضبطها داخل حدوده تكون مجهزة لتهريبها مرة أخرى إلى دول الخليج وعلى رأسها السعودية، بحسب الوكالة الفرنسية.

 

صورة نشرتها مكافحة المخدرات السعودية قبل أيام بعد ضبط كميات كبيرة من “الكبتاغون” (الخدمة الإعلامية)

 

وبينما نفت دمشق رسمياً أي دور في تلك التجارة القذرة، نقلت “رويترز” عن مصادرها أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أبلغ نظراءه العرب في اجتماع عقد في الأول من مايو (أيار) أن التقدم في كبح “الكبتاغون” يعتمد على الضغط العربي على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات، بحسب ثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع، كما ربط عودة اللاجئين بأموال إعادة إعمار سوريا التي فر منها أكثر من خمسة ملايين شخص إلى الدول المجاورة خلال الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، بينما تتحدث تقارير غير رسمية أخرى عن شكوى سورية بأن أمر شحنات “الكبتاغون” انفرط من يديها، في إشارة إلى أن طهران وميليشياتها النشطة في الدولة العربية هي المتحكمة في التجارة المقدرة سنوياً بنحو 5.7 مليار دولار.

وكانت مراكز دراسات أجنبية مثل كارنيغي أشارت بعد الانتفاضات داخل إيران إلى أن جزءاً منها كان احتجاج الشعب على فاتورة الإعانات المالية من طهران إلى شريكها في دمشق، مما أثار لغطاً حتى بين المعتدلين حول ما إذا كانت المقاربة الإيرانية في العواصم العربية الأربع قابلة للاستمرار، أو ذات جدوى. وأشار المركز إلى أن الاستراتيجيين أصبحوا يعتقدون إيران “قوة خاسرة”. واعتبر تلك الفكرة خصوصاً بعد حرب أوكرانيا إحدى محفزات طهران على التنازل لجارتها الإقليمية الكبيرة السعودية.

البحث عن تقاسم أعباء سوريا

في وقت من غير الوارد تخلي إيران عن حليفتها الأهم في المنطقة سوريا لعقود، كان خيارها الأكثر منطقية، هو تقاسم أعبائها مع جيرانها العرب، الذين أقلقهم المشهد السوري لسنوات، ويخشون تفاقمه إلى ما هو أبعد، مثل تقسيم البلاد وانهيار كل أشكال الدولة فيها، إلا أن الصناديق الخليجية الأكثر سخاءً في التمويل يستبعد قيامها بتلك الخطوة حتى بعد عودة سوريا إلى الجامعة قبل أن تقوم بأضعف الإيمان في سبيل شعبها المشرد.

 

منذ أكثر من ١٥ يوماً أشعلت السعودية شرارة الحرب على المخدرات، وأعلنت أنها #بالمرصاد للمروج والمهرب. الأرقام المضبوطة ضخمة، وهناك ابتهاج شعبي بالحرب على الآفة. #الأردن انطلقت باستهداف عسكري أيضا لتجارة الكبتاجون ومصانع الكبس في #سوريا. المروج شريك للمهرب في خيانة الوطن واستهدافه.
— عضوان الأحمري (@Adhwan) May 9, 2023

 

وفي مايو (أيار) 2020 تناقلت المواقع الدولية تصريحاً من نائب إيراني يدعى حشمت الله فلاحت بيشه، من لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، أكد فيه أن نفقات بلاده على سوريا “بين 20 ملياراً و30 مليار دولار في دعم بشار الأسد”، مطالباً باستعادة تلك الأموال بشكل مباشر أو غير مباشر. وهو تقدير غير مبالغ فيه، إذ حتى التقديرات المستقلة تتحدث عن نحو 700 مليون دولار شهرياً تقدمها إيران للنظام على هيئة مشتقات نفطية، وذلك قبل أن تتسرب وثيقة إيرانية رفعت سقف تقديرات دعم الحرب في سوريا بنحو 50 مليار دولار.

“الكبتاغون” في صميم الملف

في حديثها إلى الصحافيين الشهر الماضي أشارت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية باربرا ليف إلى تحركات شركاء واشنطن الإقليميين لكسر الجليد مع الأسد وحثتهم على الحصول على شيء في المقابل.

وقالت “أود أن أضع إنهاء تجارة الكبتاغون في المقدمة جنباً إلى جنب مع القضايا الأخرى”، إلا أن مهند حاج علي من “كارنيغي” للشرق الأوسط يرجح أن حاجة الأسد الماسة إلى المساعدات الخارجية ستشكل التعاون في قضيتي اللاجئين و”الكبتاغون”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكنه حذر من أن “قدرة النظام على الإنجاز محدودة مثل سيادته التي يتم تقاسمها الآن بين عدد من الجهات الفاعلة” بما في ذلك روسيا وإيران والجماعات شبه العسكرية المحلية.

تلك الجزئية أيضاً لم تفت صانع القرار السعودي، إذ وظف نفوذه من أجل عودة سوريا إلى حاضنتها العربية، وبدء تبادل البعثات معها، بعد أن مهد لذلك بضمانات الأطراف الإقليمية مثل روسيا وإيران والصين، ذات النفوذ الأكبر في دمشق من النظام ذاته.

وكانت الرياض بررت سعيها في فك العزلة عن سوريا على رغم رفضها مقاربة النظام الأمنية بالأوضاع الإنسانية للشعب السوري بعد الزلزال الذي ضرب أجزاء من البلاد، وفاقم معاناة الشعب المنكوب، وسط إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي بعد مرور عقد على الأزمة بأنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما” حتى تتسنى في الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين، بحسب تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أشهر.

ومع أن أطرافاً في المعارضة السورية خصوصاً الإخواني منها انتقدت الموقف السعودي الذي قالت إنه فاجأها، إلا أن مراقبين للمشهد يرون الواقعية تقتضي التعامل مع النظام، فإنه بات أمراً واقعاً، ومقاطعته تزيد معاناة الشعب وتمدد النفوذ الأجنبي في دمشق، بما يهدد تقسيم البلد وتعريض الأمن الإقليمي العربي برمته للتهديد.

خطاب عربي واقعي

وفي هذا الصدد يرى الدبلوماسي السعودي السابق عبدالرحمن الجديع أن الخطوات السعودية تكشف عن آلية “مبدعة في التعاطي مع التحديات ومجابهتها، في سبيل إنتاج خطاب عربي واقعي” يستلزم طي صفحات الماضي المحبرة بالتوترات… وتعزيز تدابير الثقة بين العرب وترتيب بيتهم، بعيداً من الاستقطابات الدولية، مشيراً إلى أن حالة المقاطعة من هذا النوع ليست الوحيدة، إذ سبقتها أخرى في عام 1979، بعزل مصر عربياً بعد توقيعها اتفاقية “كامب ديفيد” قبل أن تعود تدريجاً في 1984 بعد مؤتمر القمة في عمان الذي أرسى القواعد لبداية عمل عربي، يأخذ بالحد الأدنى من التوافق القومي، لكن العضوية الكاملة لم تستعدها إلا في الدار البيضاء 1989.

 

ابتكارت في طرق تهريب حبوب الكبتاغون ( مكافحة المخدرات السعودية)

 

لكن كتاباً عرباً آخرين مثل المحلل السياسي خالد الدخيل انتقدوا بشدة خطوة الجامعة العربية قبل أن يتخذ نظام الأسد الحد الأدنى من الإصلاحات، مشيراً إلى أبعد من ذلك بأن النظام أولويته العلاقة بإيران وليس الاستجابة للمطالب العربية، مؤكداً أن القرار العربي “لم يحل الوضع السوري المأزوم منذ 12 سنة. منح نظام الأسد غطاء الجامعة من دون التزام بحل الأزمة سياسياً على رغم جرائمه البشعة. وبذلك جمدت الوضع السوري وتركته في عهدة نظام جمهوري لا يؤمن بالحل السياسي”!

وزير الداخلية السعودي: لن ينجو أحد

وشنت الحكومة السعودية منذ أسابيع حملة واسعة النطاق على المخدرات، خصوصاً “الكبتاغون” الذي رفعت من سقف عقوبات تعاطيه والاتجار به وعدم الإبلاغ عن متناوليه، وكثفت من الإعلان عن ضبط كميات هائلة من أقراصه في شحنات تجاوزت واحدة منها فقط 47 مليون قرص. وأكد وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف أن رجال مكافحة المخدرات سيكونون “بالمرصاد” يوقعون بالمتورطين “ضربة تتلوها ضربات، لن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات، ومن يستهدفون مجتمعنا ووطننا”.

وبدأت السلطات الأمنية في البلاد تنفيذ ذلك الوعيد على نحو لافت منذ إعلان الحرب على المخدرات قبل أسابيع، إذ قل أن تسلك أي طريق فرعية في مدينة مكتظة بالسكان مثل الرياض من دون أن تجد دوريات أمنية تفتش السيارات وترصد الممنوعات على نحو لم يكن شائعاً من قبل بتلك الكثافة.

ضربة تتلوها ضرباتلن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات، ومن يستهدفون مجتمعنا ووطننا،،، https://t.co/cDPacoXfYR
— عبدالعزيز بن سعود بن نايف Abdulaziz bin Saud (@AbdulazizSNA) April 29, 2023

وكانت السعودية بين دول قلة في العالم مثل ماليزيا وسنغافورة والفيليبين لا تتسامح في تجارة المخدرات، وتصل أقصى عقوباتها الإعدام، خصوصاً بعد أن بات هذا النشاط إحدى الأدوات الرئيسة لنشاط تكتلات الفساد وعصابات الجريمة المنظمة، مثل الحركات الثورية والانفصالية والإرهابية وغسل الأموال.

ووثق تقرير دولي نشرت أجزاء منه إذاعة “مونت كارلو” أن المخدرات خصوصاً “الكبتاغون” بين الوسائل التي تستخدم على نطاق واسع من جانب الحركات الإرهابية للتحكم في عناصرها، كما أن حركات مثل جماعات الإخوان المسلمين وأذرعها وظفتها في انتفاضات ما يسمى “الربيع العربي” في تهييج شبان الميادين، بدافع الإبقاء على حماستهم من دول كلل. ويظهر ذلك أكثر ما يكون في أشخاص عناصر جماعة الحوثي الغاضبة، بأفواه مريديها الملأى بنسختها المحلية من المخدرات “القات”، الذي يستهلك في اليمن الشمالي من دون تحفظ، بين مختلف الأوساط.

“الكبتاغون” وقود الإرهاب

وذكر التقرير أن “مقاتلي داعش وفق صحف بلغارية، يتعاطون مخدر الكبتاغون الذي يجعلهم شرسين ويمدهم بقدرة بدنية عالية، إضافة إلى أن هذا المخدر يذهب عنهم مشاعر الخوف والألم ويضاعف من نهمهم الجنسي، وهو بذلك سلاح فتاك يستعمله مقاتلو داعش ليتحولوا إلى آلات قتل إن جاز التعبير. وقد رجحت عديد من الشهادات لمعتقلين لدى داعش أن المقاتلين كانوا مخدرين وفي حالة غير طبيعية”.

وأقر التقرير نقلاً عن المصادر البلغارية أن هذه الصورة سوريالية، لكنها “بكل تأكيد ليست دعابة ولا كذبة”، فالمجلة الفرنسية “لوكورييه إنترناسيونال” تؤكد أن المعلومات التي تنقلها عن مخدر “الكبتاغون” مصدرها صحف بلغارية عدة وأيضاً وكالة “ريا نوفوستي” الروسية ووكالة “بارنسا لاتينا” الكوبية وكذلك موقع “تونيزيه نوميريك” التونسي.

بل إن وكالة “ريا نوفوستي” الروسية تفيد بأن المخدر المحرم دولياً “استعمل في تونس ومصر وليبيا إبان موجة الثورات العربية، حتى إنه وزع على الحشود في كييف إبان التظاهرات المناهضة للنفوذ الروسي في أوكرانيا”.

 

المخدر المحرم دولياً استعمل في تونس ومصر وليبيا إبان موجة الثورات العربية​​​​​​​ (غيتي)

 

ويروي لنا رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل كيف أن عملاءه في أفغانستان وجدوا صعوبة كبيرة في استعادة عدد من مواطنيه المقاتلين بعد انتهاء الجهاد الأفغاني، بسبب التحكم فيهم من جانب أمراء حرب محددين، باستخدام المخدرات، لكنه تمكن في نهاية المطاف من ترحيل أكثرهم بعد محاولات إقناع مضنية، كان بين أهم بنودها التعهد لهم بعدم ملاحقتهم قضائياً وتسهيل علاجهم من الإدمان.

البحث عن مخرج

وتقود الجهات الحكومية والأهلية جهوداً لمعالجة المدمنين، ولا سيما بعد إطلاق الحملة أخيراً وخشية كثيرين على أنفسهم، وسط أرقام صادمة نشرتها صحيفة محلية عن وزارة الصحة في البلاد تتحدث عن “200 ألف مدمن للمخدرات، نسبة قليلة منهم تسعى إلى العلاج من الآفة الخطرة”، لكن ارتفاع الإقبال أخيراً على العلاج جعل نشطاء يطالبون بتوسيع رقعة مراكز العلاج، وتوفيرها بالتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص، وهي فكرة رحبت بها “الصحة”.

 وأبلغ أحد المراكز الصحية المرخصة لعلاج الإدمان يدعى “قويم” الصحيفة بأن الإقبال صار كبيراً، ربما بوصفهم “أول جهة مرخصة من وزارة الصحة تؤمن الاستشارات النفسية والعلاج الطبي والرعاية والمساعدة لمدمني المخدرات أو الكحول الذين هم بحاجة إلى التخلص من السلوكيات والعادات السيئة، بسرية وخصوصية تامة”.

وأوضحت منصتها الإلكترونية أنها تقدم أصنافاً من التأهيل بحسب الحاجة، فهناك من يحتاج إلى استضافة وإيران تقدمها لهم في “غرف فندقية مدفوعة الأجر بعد تحقق الشروط اللازمة للمستفيدين وتقييم الحالات وتحديد نوع المرض وشدته ووضع الخطة العلاجية المناسبة وتقديم برامج تأهيلية وتخصصية وترفيهية لهم من خلال برامج علاجية مجدولة”، بينما تكتفي لمن إصابتهم أقل بتقديم الاستشارات النفسية في مجال التعافي من الإدمان داخل عياداتها، أو من قبل أطباء واستشاريين ومتخصصين في المجال، إلى جانب مساعدة الأسر التي يعاني بعض أفرادها الإدمان، عبر التوجيه والإرشاد النفسي الاحترافي.

حروب غسل الأدمغة

ومن المصادفات تزامن الفصل الجديد من حرب المنطقة على “المخدرات” مع الذكرى الـ20 لحرب البلاد على الإرهاب التي انطلقت في مايو 2003 عندما “صعق الناس بخبر تفجيرات هائلة استهدفت ثلاثة مجمعات سكنية مدنية شرق العاصمة السعودية الرياض، ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من السعوديين وغيرهم” وفق الكاتب مشاري الذايدي، إلا أن التفجيرات لم تكن معزولة، إذ كانت مجرد الإعلان الأول لحرب استمرت سنوات، شهدت فيها الرياض ومدن رئيسة في المملكة مواجهات دامية بين مقاتلي تنظيم “القاعدة” وقوات الأمن السعودية التي هزمتهم في نهاية المطاف بعد قافلة من التضحيات والشهداء، مما يجعل البعض يسقط ذلك التهديد والانتصار على الحرب المماثلة الراهنة على “الكبتاغون”، فكلا الحربين يقوم وقودها في نظرهم على “غسل أدمغة الشبان السعوديين، وتوظيفهم في معارك تستغل لافتات عدة، تقف خلفها منظمات ودول أجنبية تستهدف البلاد وشعبها”.

حروب الأفيون

ولم تكن الحرب الراهنة في المنطقة هي الحرب القذرة الأولى التي تحاك خيوطها على حساب حياة وصحة أبنائها، فبعد غزو أميركا العراق 2003 كان مشهوراً الطريق الذي سلكته دمشق وحلفاؤها الإيرانيون لإغراق عراق ما بعد صدام بالفوضى، على نحو لم يعد سراً، على رغم نفي السوريين المتكرر، وهم الذين سقوا من الكأس نفسها في انتفاضات 2011.

وفي ذلك الوقت كان أحد الضحايا السعوديين من الشباب السذج الذي يعتقدون أنهم كانوا بتحريض من الدعاة يقاتلون المحتل الأميركي دفاعاً عن عروبة العراق واستباحته، روى للكاتب كيف أن سوريا التي تسلل إليها، تضم متعهدين شبه رسميين بإيصال المقاتلين إلى العراق، فيما تبين لاحقاً أنه استعداد لمرحلة زعيم التنظيم الدموي في العراق “الزرقاوي” الذي سهلت إيران دخوله العراق وتطور جناحه في ما بعد إلى تأسيس النسخة الأكثر إرهاباً “داعش”.

لكن اللافت في قصة الشاب التي نشرت أجزاء منها آنذاك صحيفة “الحياة” اللندنية، أنه وجد فرزاً غريباً للقادمين، فمن لم تكن لديه خبرات قتالية سابقة يصنف مباشرة “انتحاري”، ويذهب إلى رحلة لا عودة فيها قطعاً. وهذا ما جعله يتراجع ويدرك حينها أن اللعبة أكبر مما تصور، فعاد أدراجه، وفق ما أكدت كذلك مصادر محيطة به في ذلك الحين.

أما الحروب الناجمة عن الأطماع الاقتصادية فهي أكثر من أن تحصى، غير أن أغربها كان ما عرف تاريخياً بـ”حروب الأفيون” التي اندلعت بين الإمبراطورية البريطانية والصين في مرحلتين متقاربتين، بين 1939-1960م وشكلت واحدة من المراحل التاريخية المخزية للغربيين.

 غير أن لندن المتصالحة مع نفسها لا تخجل من رواية حتى المسيء من ماضيها، إذ توثق دائرة المعارف البريطانية أن الحرب اندلعت إثر محاولات الصين منع تجارة الأفيون التي كان يمارسها تجار غربيون أغلبهم بريطانيون بشكل غير مشروع بين الهند والصين منذ القرن الثامن عشر، إلا أنها نمت بشكل كبير منذ عام 1820، مما أدى إلى “انتشار الأفيون في الصين والإدمان وظهور مشكلات اجتماعية واقتصادية خطرة فقررت الحكومة الصينية عام 1839 مصادرة وتدمير نحو 1400 طن من هذا المخدر الذي كان التجار البريطانيون يخزنونه في إقليم غوانغزو”. وهكذا انطلقت الشرارة الأولى للحرب قبل أن تضع أوزارها في معاهدة، اتفق فيها البريطانيون على تعويض المعتدى عليهم.

 بيد أن الأحداث شهدت تطورات أخرى، إذ استعرت المواجهات بين الفريقين واندلعت حرب الأفيون الثانية 1856م التي تمكن فيها البريطانيون إلى جانب حلفائهم الفرنسيين من إلحاق أذى كبير ببكين، وأخضعوها للأمر الواقع في المعاهدة الموقعة بين الطرفين 1860م، بما في ذلك تشريع استيراد الأفيون.

#جولة #أخرى #من #حروب #الأفيون #لكن #في #الشرق #الأوسط

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد