- الإعلانات -

- الإعلانات -

حكومة «الجنرالات» التونسية | صحيفة الخليج

مفتاح شعيب

بعد انتظار لم يدم طويلاً، خرجت الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن إلى النور مختلفة عن سابقاتها شكلاً ومضموناً وبروتوكولياً، لتفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، ولتشرع باباً للأمل لعله يزيح بعضاً من مرارات اليأس والفشل التي صاحبت عهد ما قبل 25 يوليو الماضي. ولأول مرة منذ 2011 تولد حكومة تونسية دون معارك سياسية ومساومات ومحاصصات، ودون إسراف في الوعود والشعارات.

من الصعب توقع مدى النجاح الذي يمكن أن يتحقق في المدى المنظور، ولكن الإطلالة الأولى لهذه الحكومة بسيداتها العشر ورجالها، تترك انطباعاً بأن هذه الكوكبة استجابت لنداء الواجب الوطني، وبدت منضبطة دون هدر في الخطاب أو تصفيق مصطنع، وأظهرت من النوايا ما يعزز ثقة الرئيس قيس سعيّد وغالبية الشعب التونسي ببدء «معركة التحرير الوطني» ضد الفساد والانتهازية والإرهاب، ومن أجل استعادة قيم العمل والوطنية وحقوق الانسان وتمكين المرأة وإحياء الثقة بين المواطن والدولة. كل هذه الاستحقاقات الملحة تتطلب نساء ورجالاً ينذرون أنفسهم لهذه المهمة مؤمنين بالعمل والتضحية ونكران الذات والغيرة العالية على تونس، وهو ما لم يتوفر في الحكومات التسع التي عرفتها البلاد في السنوات العشر الماضية مع أكثر من 400 وزير كان حصادهم هشيماً، وذهب كما يذهب الزبد والثرثرات.

حكومة نجلاء بودن، فيها الكثير من الاستثناءات، أولاً: أنها المرة الأولى التي تقود فيه سيدة فريقاً وزارياً في تونس والعالم العربي، وثانياً: أن نحو نصف الفريق من السيدات، وثالثاً: أن كل الوزراء هم ثمرة الدولة الوطنية ونتاج مدرسة التعليم التونسية الصارمة في مناهجها والمنفتحة على شتى فنون العلوم والمعارف، ورابعاً: أن هؤلاء السادة والسيدات، هم بمثابة «الجنرالات» في اختصاصاتهم الأكاديمية، ولا يمكن أن يزايد عليهم أحد، في الوطنية والنزاهة ونظافة اليد، ومنهم العابرون لشتى الحكومات لكفاءتهم، مثل وزير الخارجية خميس الجهيناوي ابن الدبلوماسية التونسية الواقعية، ووزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي أقالوه من المنصب ذاته لصدقه في مهمته. وخامساً: أن هذه الحكومة المختلفة هي الكتيبة المناسبة لخوض معركة إعادة بناء ما أفسدته الأحزاب في العشرية السابقة، وأساساً ما فعلته حركة «النهضة» المتهالكة ومن تحالف معها من إقطاعيات الفساد. ومن يزايدون على هذه الحكومة ويراهنون على فشلها، مازالوا لم يستوعبوا أن التغير المناخي أصاب الواقع السياسي، وأن الأحزاب التي خيبت أمل ناخبيها، باستثناء البعض، لم يعد لها مكان على الخريطة بعدما خانت الأمانة وخرجت طريدة النقمة الشعبية.

من حق التونسيين أن يتفاءلوا بأول حكومة تقودها امرأة، فالسيدات هن الأقل فساداً في عالم السياسة، وهن الأقدر على التضحية والإخلاص، والعمل على التجميع لا على الفتنة والتفريق. ولأن المرأة هي بمثابة «الصندوق الأسود» الذي يحفظ ذاكرة الوطن والمجتمع، ستكون هذه الميزة معياراً ضامناً للنزاهة، وعاملاً إضافياً يفتح الأفق لطور سياسي جديد تعيد فيه تونس ترتيب أولوياتها، وتعيد اكتشاف ذاتها وترسم خطها المستقبلي متسلحة بكفاءة أبنائها المغمورة لتضيف تجربة استثنائية في سياق مدها الإصلاحي العريق.

[email protected]

#حكومة #الجنرالات #التونسية #صحيفة #الخليج

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد