داعش يتبنى قتل 3 جنود وراعي أغنام في تونس

مع دخول الأزمة السياسية غير المسبوقة في تونس بين رئيسي الجمهورية والحكومة أسبوعها الرابع، يحذر مراقبون من مخاطر دعوة كل طرف أنصاره للنزول إلى الشارع. 

فقد أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي، الاثنين، إعفاء خمسة من وزرائه من مهامهم وهم وزراء العدل والطاقة والرياضة وأملاك الدولة والزراعة وتسليم حقائبهم إلى مسؤولين بالنيابة.

إجراء قالت رئاسة الوزراء، في بيان، إنه يأتي في إطار استكمال إجراءات التحوير الوزاري  الذي شمل 11 وزيرا ونال تزكية مجلس النواب منذ ثلاثة أسابيع، والذي يرفضه الرئيس قيس سعيد تماما، بعد أن أكد مرارا أن عددا من الوزراء الجدد تحوم حولهم شبهات فساد، لم يفصح عن أسمائهم رغم مطالبة المشيشي له بذكرهم. 

وقال الدبلوماسي التونسي السابق والمحلل السياسي، جلال الأخضر، لـ “موقع الحرة” إن “المشيشي سأل محكمة هيئة مكافحة الفساد، وهي مؤسسة مستقلة، عن الوزراء الذين عينهم، وأجابته بأنه لا توجد شبهات فساد حولهم”. 

ونشرت منظمة “أنا يقظ” غير الحكومية والمتخصصة في ملفات الفساد، تقارير أكدت فيها وجود شبهات في تضارب مصالح وفساد “جدية” تحوم حول الوزراء الذين اقترحت أسماؤهم حينها وهم الهادي خيري لوزارة الصحة، وسفيان بن تونس لوزارة الطاقة والمناجم ويوسف فنيرة وزير للتكوين المهني والتشغيل ويوسف الزواغي للعدل.

لكن المشيشي لم يعف وزير الصحة من منصبه.

“لي الذراع”

وبالرغم من ذلك، فمن شأن خطوة المشيشي، الاثنين، أن تعقد الأزمة السياسية، بحسب مراقبين، الذين يرون أنها تأتي في إطار زيادة الضغط على سعيد للقبول بالوزراء المدعومين من الإتلاف الحاكم الذي تقوده النهضة واستقبالهم في قصر قرطاج لأداء اليمين الدستوري.

ويرى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، صلاح الدين بن فرج، لـ “موقع الحرة”: أنه “لا يعقل أن الرئيس سيقف مكتوف الأيدي بعد إجراء المشيشي، بل سيبحث عن رد هو الآخر.. دخلنا في مرحلة لي الذراع”. 

وبالفعل، وجه سعيّد، الاثنين، رسالة إلى المشيشي، بحسب الرئاسة التونسية على صفحتها على فيسبوك، قالت إنها “تتعلق بالجوانب القانونية للتحوير الوزاري وخاصة بتجاهل بعض أحكام الدستور”. 

وأضافت الرئاسة، أن “الكتاب تضمن أيضا تذكيرا بجملة من المبادئ المتعلقة بضرورة أن تكون السلطة السياسية في تونس معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب، وأن اليمين لا تقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نص القسم وبالآثار التي ستُرتب عليه لا في الحياة الدنيا فقط ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين”. 

وجّه رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى رئيس الحكومة هشام مشيشي، اليوم الإثنين 15 فيفري 2021، كتابا يتعلّق بالجوانب القانونية…
Posted by ‎Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية‎ on Monday, 15 February 2021

وقال بن فرج “أعتقد أن هذا وضع غير مسبوق في تاريخ البلاد، حيث دخلنا في مرحلة محمولة على المجهول. عناد ومكابرة من الطرفين في غياب مصلحة الوطن والمواطنين للأسف عن الأذهان، فضلا على أن ما يحدث يبعث برسائل سلبية وغير مطمئنة للداخل والخارج”.  

ويوضح أستاذ الاتصال السياسي ورئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة، منير الشرفي، لـ”موقع الحرة” أن رفض الرئيس، أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية، وإن كانت الخطوة شكلية، فإنها تمنعهم من بدء ممارسة عملهم، ويعمق التصدع وانعدام الثقة بين رأسي السلطة التنفيذية ورئيس البرلمان ما قد يؤدي إلى “مزيد من الشلل في مؤسسات الدولة”.

مواجهات بين قوات الأمن التونسية والمتظاهرينبداية الأزمة

بدأت الأزمة منذ أن تجاهل المشيشي الرئيس، ولم يشاوره في التعديل الوزاري، كما لم يشاور إلا الأغلبية البرلمانية المتمثلة في تحالف النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة. 

ويوضح بن فرج أن “الرئيس متمسك بما يعتقد أنه القانون واحترام للدستور، ورئيس الوزراء وراءه قوى سياسية وحزام سياسي مصمم على ألا يخسر هذه المعركة”.

ويقول الأخضر “في ليلة رأس السنة، زار رئيس الجمهورية قيس سعيد وزارة الداخلية وصرح بأنه القائد الأعلى لوزارة الدفاع والقوات الأمنية، وهذا خرق للدستور، نظرا لأن الدستور يفصل بين الرئيس المسؤول عن الأمن القومي ووزارة الدفاع والخارجية، ورئيس الوزراء والذي هو المسؤول عن وزارة الداخلية والأمن الوطني الداخلي”، مشيرا إلى أن ما فعله الرئيس أثار غضب رئيس الوزراء، الذي أقال وزير الداخلية”.  

وكان المشيشي قال إن الهدف من التعديل الوزاري الحصول على فريق “أكثر كفاءة” من أجل تحقيق الإصلاحات في البلاد التي تشهد أزمة صحية واقتصادية وسياسية واجتماعية.

لكن الرئيس سعيّد انتقد بشدة هذا التعديل، معربا عن أسفه لعدم استشارته، مشيرا إلى أن “بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلق بهم قضايا أو لهم ملفات تضارب مصالح”.

وكان المشيشي، وهو تكنوقراطي عينه الرئيس قيس سعيّد، شكل فريقا يضم عديدا من المسؤولين والأكاديميين من بينهم بعض المقربين من الرئيس.

واكتسب ثقة النواب الذين كانوا يواجهون خطر حل البرلمان إلا أنهم ما لبثوا أن طالبوا لاحقاً بتغييرات.

لذلك، أعاد المشيشي تشكيل فريقه بدعم من حزب “النهضة” المتحالف مع حزب “قلب تونس” الليبرالي وائتلاف الكرامة الإسلامي.

والطبقة السياسية منقسمة أكثر من أيّ وقت مضى منذ الانتخابات التشريعيّة في 2019، رغم تفاقم الأوضاع الاجتماعيّة جراء انتشار وباء كوفيد-19 وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة والتراجع المستمرّ للخدمات العامّة.

البرلمان التونسيلكن الرئيس سعيد وهو أكاديمي مستقل ومنتقد للديموقراطية البرلمانية ومنخرط في مواجهة مع “النهضة”، يحاول قلب لعبة سياسية غير مستقرة مخاطرا بتفاقم العداوات التي تشل العمل السياسي، في وقت تضرّرت فيه البلاد بشدّة من وباء كوفيد-19 وتداعياته الاجتماعية.

“الدستور لم يتوقع مثل هذه الأزمة”

يقول الأخضر “هناك قراءتان للدستور، الأولى أن رئيس الحكومة باعتباره رئيس الجهاز التنفيذي مخول له تشكيل الحكومة حسب قناعاته وميزان القوى في البرلمان، وإعلام الرئيس فقط بالتعديل لكن رئيس الجمهورية الذي يعطي له الدستور صلاحيات تعيين وزيري الدفاع والخارجية، وباعتباره أستاذ قانون دستوري يقول إنه يجب مشاورته في التعديل قبل عرضه على البرلمان”. 

ويضيف الأخضر أن “الدستور لم يتوقع مثل هذه الأزمات فوجدنا أنفسنا في أزمة عميقة لها تأويلات مختلفة”. 

ما يزيد الأزمة تعقيدا هو غياب المحكمة الدستورية للبت في هذه الخلافات، حيث كان من المفترض تشكيلها منذ المصادقة على الدستور الجديد في 2014 إلا أن التجاذبات السياسية منعت مواصلة عملية اختيار أعضائها.

المعركة تنتقل إلى الشارع

في تحد كبير لرئيسي الحكومة والبرلمان، تجول سعيد الأسبوع الماضي، في شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة، والمعروف بشارع الثورة، وقال لمؤيديه إنه الضامن لاستمرار الدولة، فيما ردد أنصاره شعارات تنادي بحل البرلمان وإسقاط رئيسه، زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي. 

موالون للرئيس يطالبون بحل البرلمان التونسيوقال الأخضر إنه “أمام استفحال الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات التي تقودها فصائل يسارية تنادي بإسقاط الحكومة وحل البرلمان وتمادت إلى إسقاط النظام، خرج رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، منذ أسبوع، بتصريح غريب وهو مطالبة أنصاره بمؤازرة قوات الأمن، ما جعل الرأي العام يعترض بشدة على هذه الدعوة ويعتبرها كأنها ميليشيا لأن الأمن من مسؤوليات الدولة ووزارة الداخلية”. 

ودعت النهضة حلفاءها وأنصارها “لمسيرة شعبية حاشدة” في 27 فبراير الجاري، 

ويقول بن فرج “لدينا تجربة مريرة وهي 9 أبريل عندما نزل أنصار أو ميليشيات حركة النهضة للشارع ومنعوا الناس من التعبير عن رأيهم ومواجهة المسيرة التي كانت تطالب بمحاسبة قتلة شكري بلعيد، الذي كان معروفا بمواقفه المناهضة لحركة النهضة”. 

في المقابل نظمت رئيسة الحزب الدستوري الحر والنائبة المعارضة بقوة لحركة النهضة، عبير موسى، اعتصاما ودعت إلى خروج تظاهرات من أجل إسقاط الغنوشي وتركيبة الحكومة. 

وحذر بن فرج من الانزلاق إلى حرب أهلية “سمعنا كلمات خطيرة لم نسمع بها من قبل قيلت على لسان سياسيين أضاعوا مصلحة البلاد ما قد يدخلنا إلى حرب أهلية وهذا أمر خطير”. 

وأكد أن “النزول إلى الشارع هو السقف الذي يجب ألا نصل إليه، هناك استنكار واسع لدعوة حركة النهضة بالنزول وخوف شديد من الانفلاتات، خاصة وأن الحركة لا تملك كل القدرة لفرض ما تريده على أنصارها لأن الشارع ليس له قواعد”. 

وأضاف “سيكون شارع مقابل شارع وهذه هي الطامة الكبرى، في ظل احتقان رهيب بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية وصحية غير مسبوقة”. 

وقال الأخضر “إن خروج احتجاجات وتظاهرات مضادة قد يؤدي إلى صدام بين الطرفين وحدوث ما لا يحمد عقباه، ننتظر تدخل العقلاء وأعتقد أن المشيشي سيطالب حركة النهضة بعدم النزول”. 

كيف الخروج من الأزمة؟

يرى الأخضر أن تونس تعيش أزمة “لن نخرج منها إلا باستعمال العقل خاصة أننا في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية حادة، يجب إيجاد مخارج سياسية وليست دستورية باعتبار أن الدستور عاجز أمام مثل هذه الإشكالية”، مضيفا أنه “لابد من الحوار”. 

لكن الشرفي يشير إلى أن “هذا الحوار لن يحدث، لأن الخلافات كبيرة جدا بين القوى السياسية في تونس والتحاور بين هذه القوى من الصعب جدا بسبب علاقة العداء والصراع. لهذا لا أعتقد أن المسؤولين عن هذه الأحزاب سيوافقون على الجلوس على طاولة حوار واحدة”. 

ويرى الشرفي أن الحل الوحيد هو تطبيق تقرير محكمة المحاسبات وهي محكمة تقدم سنويا تقريرا عن المؤسسات الدستورية الرسمية في الدولة. 

وأوضح الشرفي أن تقرير محكمة المحاسبات عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في سنة 2019، تضمن تجاوزات خطيرة جدا في حق حركة النهضة وحزب قلب تونس وهما يشكلان الأغلبية البرلمانية، بما فيها من تجاوزات في الدعاية الانتخابية أو مالية حيث أن هناك تقارير عن أن دعايتهما تجاوزت عشر مرات المبلغ القانوني”. 

وأضاف “لو تم تطبيق القانون بشأنها يمكن أن تتم إقالة عدد كبير من أعضاء المجلس، يمكن أن نلجأ إلى انتخابات جزئية لسد الشغور، وهو ما يمكن في النهاية أن يبعد الغنوشي وجماعته بدون حل المجلس”. 

ويقول بن فرج “يجب أن يجلس الجميع الآن قبل غدا، وأعتقد أن هذا بات بعيدا، والشارع هو الذي سيفرض الحل وربما بعض العقلاء يتدخلون”. 

وقال إن الاتحاد العام للشعل والمجتمع المدني هما الكفيلان بوضع حد لهذه “المسرحية المؤلمة وإخراج البلاد مما تعيشه من شلل تام. الاتحاد مهما كان فيه من عيوب فإنه يبقى منظمة يطمئن التونسيون إليها ويثقون فيها”. 

واقترح  اتحاد الشغل حوارا وطنيا، لكن رئيس الجمهورية جدد في لقائه أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، في الثالث من فبراير الجاري، رفضه للحوار مع من وصفهم بناهبي الشعب والمتسببين في فقره.

وكشف بن فرج أن هناك محاولات ما يسمى “الحوار من أجل الإنقاذ الوطني”، وحراك من أجل سحب المبادرة من يد كل هذه الأطراف سواء الرئاسة أو البرلمان أو رئاسة الحكومة “وإرجاعهم للطاولة رغما عنهم مثلما حدث في 2013”. 

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد