- الإعلانات -

- الإعلانات -

دول الكوميسا بين التفاؤل والتحديات

لا يمكن تجاهل المصاعب التى تواجه السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية «الكوميسا»، فالاضطرابات السياسية تعم العديد من الدول، من تونس وليبيا إلى السودان وإثيوبيا والصومال وغيرها من بلدان القارة الباحثة عن الأمن والنماء، ومازالت جائحة كورونا تترك بصماتها على أنحاء القارة، وأثرت على الإنتاج والتجارة، وانخفض الطلب، كما أن البنية التحتية تعانى الضعف فى الكثير من الدول.

ورغم كثرة المصاعب والتحديات فقد لمست تفاؤلا بين قيادات الدول المشاركة فى مراسم تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسى قيادة الكوميسا، وتحدثوا عن الثقة الكبيرة فى قدرات مصر على تحقيق خطوات واسعة فى التجارة الحرة والمشروعات المشتركة، وأنهم رأوا ما تحقق فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية من مشروعات قومية عملاقة، وأن التجربة المصرية ستكون مرشدا وحافزا على نهوض دول الكوميسا، وتعميق الاندماج الاقتصادى، وتحفر مسارا لإقامة السوق المشتركة، «الحلم الإفريقى القديم «، وهناك وعى أعمق بأن نهوض دول القارة لن يتحقق إلا على أيدى أبنائها، وبالتعاون المشترك بين دولها، وهذا ما يمكن أن تحققه الدورة الجديدة برئاسة مصر، والتى حملت عنوان «تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمى الاقتصادى الإستراتيجى «، التى تضع فى اعتبارها الصعوبات التى تواجه كل دولة، كما تتضمن مزاياها النسبية وسبل الاستفادة منها، من خلال توفير قاعدة معلومات كافية عن الفرص الاستثمارية المتاحة، حتى يمكن تشجيع الشركات ورجال الأعمال على التوجه إليها.

وقد وضعت الإستراتيجية المصرية عدة محاور للنهوض بالقطاعات المختلفة، المتعلقة بتحديث البنية التحتية، وخاصة شبكات الطرق والاتصالات والمعلومات، لأنها ستكون الشرايين التى توفر الوقت والجهد والمعرفة وتسهل التنقل وتبادل المعلومات، ومن أهم تلك المشروعات الكبرى الطريق البرى بين القاهرة فى شمال القارة وجوهانسبرج فى أقصى الجنوب، ليكون شريانا رئيسيا تتفرع منه الطرق الفرعية، لتربط جوانب القارة، وتسهل التجارة البينية، فلا يمكن تنشيط التجارة إلا عبر شبكة طرق حديثة تنقل البضائع بسرعة أكبر وتكلفة أقل، ومشروع ربط البحر المتوسط ببحيرة فكتوريا، وكذلك شبكة الاتصالات والمعلومات التى تحقق الترابط الفورى عبر شبكات الإنترنت، والاتصال عبر الأثير، لنتخطى الحواجز التى تعرقل تنمية التجارة والمعرفة، وتسهل حركة العمالة والاستثمارات، كما علينا إزالة العقبات الجمركية والتجارية التى تعرقل نمو التبادل التجارى، ومراجعة تلك السياسات بما يدفع التجارة البينية إلى الأمام، بالتوازى مع التكامل الصناعى من خلال زيادة الإنتاجية، والمشروعات المشتركة، واستغلال الموارد التى تتميز بها دول الكوميسا، وكانت المبادرة المصرية لإنتاج صناعى يحمل شعار «صنع فى الكوميسا» موضع ترحيب من الوفود المشاركة، والتى رأت فيه أملا لدول القارة أن تكون لها منتجات مشتركة تنافس الدول الصناعية الكبرى، وتكون لها حصة متزايدة فى السوق العالمى، بدلا من أن تعتمد على تصدير المواد الخام، الذى لا يعود عليها إلا بالقليل، كما أن المنتج الصناعى المحلى سيدفع للأمام التعليم والبحوث العلمية من أجل منافسة الواردات، بل وأن تجد مكانا يتناسب مع ما تمتلكه دولها من موارد وقدرات وطاقات غير مستغلة، وبما يوفر فرص عمل بعائدات مجزية للشباب.

لقد أضاءت الإستراتيجية المصرية المقترحة للكوميسا سبل الارتقاء بمختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتسعى إلى توفير البيئة المناسبة لقطاع الأعمال، خاصة فى مجال المعلومات والخدمات والتشريعات والاتصالات، ليجد قطاع الأعمال الأرض الممهدة للاستثمار والإنتاج، ويمكن لقطاع الأعمال بحكم مؤهلاته واستفادته من هذا التجمع الاقتصادى الواعد أن يكون قاطرة للتنمية السريعة والمستدامة، وإنشاء سوق مشتركة، تتكامل مع باقى التجمعات الاقتصادية فى علاقة تبادل منفعة، لتتحقق الفائدة للجميع.

لاحظت تركيز الرئيس عبد الفتاح السيسى على جائحة كورونا، وفهمت أنه يريد تحويل الأزمة التى تعانى منها دول الكوميسا إلى فرصة لتعزيز التعاون الصحى، وإقامة نظام صحى متكامل بين دول القارة، وكذلك استغلال تراجع التجارة العالمية فى تعزيز التجارة البينية وتنشيط الصناعة المحلية، فالجائحة أثرت على صناعات كثيرة فى العالم، أو تراجع تصديرها، مما يعطى فرصة لتطوير المنتج المحلى، وأن يجد فى أسواق الكوميسا بديلا، كما أن التعاون الصحى، والاعتماد على الكوادر الوطنية، وإنتاج وتبادل الأدوية سيكون أحد المسارات المهمة التى تعزز العلاقات بين دول الكوميسا.

وإذا كان الرئيس تناول بإيجاز مخاطر الصراعات وحالة عدم الاستقرار السياسى، فإنه أكد أهمية التعاون الأمنى، وحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية، لكنه يعول أكثر على أن تلاقى المصالح الاقتصادية بين الدول سوف يكون حافزا للاستقرار والسلام، فالانتعاش الاقتصادى يوفر مناخا من الشعور بالأمان والثقة، ويفتح أبواب الأمل أمام شعوب الدول، أما الأزمات فهى التى تجلب التوتر وعدم الاستقرار والصراع حول الموارد، وتفتح الأبواب مشرعة أمام التدخلات الخارجية التى تزيدها تعقيدا، أما إذا تكاتفت دول الكوميسا، واستطاعت أن تبنى المشروعات التى تحقق التنمية فإنها ستشهد حالة استقرار داخلها ومع جيرانها وشركائها.

كانت حواراتى مع عدد من المشاركين فى القمة تدور حول التحديات والأمل، وكانوا سعداء بما رأوه فى مصر وعاصمتها الإدارية، وتوقعوا لمصر مستقبلا واعدا بسيرها السريع والدءوب على مسار التنمية الحديثة والمستدامة، ورغم تناولهم الظروف الصعبة التى تمر بالمنطقة والعالم كله، إلا أن الآمال كانت واسعة بأن تتحقق الإستراتيجية المصرية لدول الكوميسا، ورأوا فيها طموحا كبيرا يستند إلى رؤية عملية، لا تتجاهل المشكلات، بل تراها وتدرسها وتحدد سبل التغلب عليها، والوصول إلى غايات مبشرة لمصر وباقى دول الكوميسا، ليكون شرق وجنوب القارة واحة للنماء والسلام.

لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثــابت

رابط دائم: 

#دول #الكوميسا #بين #التفاؤل #والتحديات

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد