- الإعلانات -

- الإعلانات -

ربما أحرق الشيخ الغنوشي نفسه

لا تملك حركة النهضة الإسلامية ما يؤهلها لإقامة حوار على أسس وطنية مع الرئيس قيس سعيد أو التيارات السياسية التي تؤيد قراراته في الخامس والعشرين من يوليو الماضي والتي قضت بنزع سلطة مجلس النواب من خلال تجميده الذي صار اليوم بمثابة واقع حال قد يستمر من غير أن يكون له سقف زمني محدد.

كان واضحا يومها أن النهضة فقدت القدرة على الحراك وتم عزلها عن الحياة السياسية، التي وصلت قبل قرارات سعيد إلى أزمة مستغلقة ألقت بظلالها على عمل الحكومة وقدرتها على تصريف شؤون الشعب الذي يعاني من تردي أحواله المعيشية، إضافة إلى شعوره بأن السياسيين الذين وصلوا إلى مناصبهم عن طريقه صاروا يعبثون بمصيره في ظل حالة مستمرة من الإرجاء والتسويف التي كانت واجهة لعمليات فساد ومحسوبيات، بعضها تستر بالقانون كما هو حال تعويضات مجاهدي النهضة.

لقد جربت النهضة الضغط من خلال استفتاء قوتها في الشارع، غير أن تلك المحاولة فشلت حين كشفت عن اندثار وانحسار نسبة المؤيدين الذين ناصروها في الانتخابات ومنحوها أعلى الأصوات، بحيث تمكن رئيسها راشد الغنوشي من تولي رئاسة السلطة التشريعية وهو ما أدى إلى أن تتخذ الفوضى طابعا يوميا في مجلس النواب الذي بات حلبة لتبادل الكلمات والجمل البذيئة.

ما لم تتمكن النهضة من تفكيكه في سلطة الرئيس قيس سعيد الجديدة أن قراراته كانت قائمة على أساس دستوري. بمعنى أن دستور 2014 الذي صاغته النهضة قد سمح للرئيس بكل ما قام به. كانت تلك نقطة تُحسب لسعيد. غير أن الرجل وهو يملك خبرة في الفذلكة الدستورية كان على دراية بأن الدستور الذي يمكن اعتباره نهضويا لا يُعتبر حجرا مقدسا لا يمكن إزالته من الطريق. وهنا ستشعر النهضة بالخطر الذي سيكون عليها أن تواجهه في حالة إلغاء دستورها والعمل بدستور جديد.

لو لم تكن حركة النهضة هي التي وضعت الدستور بما يناسب أحوالها لما شعرت بالخطر. ذلك لأن الدستور وهو القانون العام يمكن أن يحمي حقوق الجميع من غير أن يستثني أحدا. غير أن النهضويين اغتصبوا الدستور حين فرضوا حقوقا لأنفسهم على حساب حقوق الآخرين فصار قانونهم جزءا من القانون العام الذي وجد الرئيس سعيد أن التماشي معه يعني بالضرورة استمرار الدولة التونسية في الخضوع للابتزاز الذي تمارسه حركة النهضة.

ولأن الرجل ليس انقلابيا فإن علاقته بالشارع لم تنقطع. مرات عديدة حاول سعيد أن يرسل رسائل إلى الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة، تفيد بأن دورها في الحياة السياسية قد انتهى. لم تتضمن تلك الرسائل شيئا من الحديث عن الدستور غير أن في إمكان السياسي الخبير أن يقرأ ما بين السطور. لقد كتب سعيد بالحبر السري ما كان يفكر فيه في ما يتعلق بفشل النظام السياسي البرلماني. تونس ليست في حالة تؤهلها لتحمّل عشرية فشل أخرى. ما جرى كان واضحا. ما دامت حركة النهضة غير قادرة على الهيمنة تماما على السلطة فإنها ستمنع الدولة من العمل. كل شيء سيكون معطلا.

في ذلك لا تمزح حركة النهضة. ما الذي تملكه تونس؟ السياحة والفلاحة على مستوى مباشر. نجحت حركة النهضة في تدميرهما. سيكون في إمكان التحقيقات التي ستُجرى بشكل شفاف الكشف عن علاقة النهضة بما شهده قطاعا السياحة والفلاحة من تدمير هو أشبه بالانتحار الذاتي. كان نجاح البلد سياحيا وفلاحيا يمثل عقبة في طريق النهضة. ذلك لأنه الوسيلة التي يتمكن الشعب التونسي من خلالها من التعرف على ثرائه. وبما أن الفقر مطلوب بالنسبة إلى الجماعات الدينية فقد عملت حركة النهضة على إفقار الشعب التونسي من خلال ضرب السياحة والفلاحة.

اليوم إذ يفكر الرئيس التونسي في تحرير الدستور من هيمنة حركة النهضة فإن ذلك يعني أن الحركة قد اقتربت من نهايتها. الدستور الذي تستنجد به بات بحكم الملغى. وهي تعرف أن دستورا جديدا لن ينجدها، لا لشيء إلا لأن مطلبها في الاستثناء لن يقره دستور يضعه خبراء وطنيون لهم دراية بالقوانين. لذلك يمكن القول إن مشكلة النهضة إنما تكمن في عدم قدرتها على الانسجام مع متغيرات الحياة السياسية. لقد قرر الشيخ الغنوشي أن يحكم تونس. أما لو حُرم من ذلك فسيكون عليه الانتحار. انتحار سياسي. فلا أعتقد أنه سيفعلها كما حدث لأحد أعضاء حركته حين أحرق نفسه في مقر الحركة.

نقلا عن العرب

تنويه:
جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

#ربما #أحرق #الشيخ #الغنوشي #نفسه

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد