سفر عبر التاريخ في فندق “العريشة” بجربة |

جربة (تونس)- يحاول زياد إعادة تمثيل مشهد قوافل التجارة قبل نحو ثلاثة قرون في مبنى الاستراحة الذي يديره اليوم بمنطقة حومة السوق وسط جزيرة جربة، بينما يقص على زبائنه تاريخ فندق “العريشة” الذي تحول إلى منطقة جاذبة للسياح.

بني الفندق في القرن الثامن عشر ويحمل بابه الخارجي نصف الدائري الزائرين عبر ممر عريض يصل إلى بهو تظلله أشجار على أطراف مسبح تقليدي في الوسط محاط ببناية على طابقين موصولة بأعمدة.

◙ النزلاء يحبون التعرف على تفاصيل الفن والروايات الأسطورية المتداولة في جربة
النزلاء يحبون التعرف على تفاصيل الفن والروايات الأسطورية المتداولة في جربة 

مثل أغلب البنايات المنخفضة في الجزيرة لدواع بيئية، يحتوي الطابق الأول على 16 غرفة مهيئة لاستقبال النزلاء فيما خصص الطابق الأرضي للمطعم والحانة ورواق للفن التشكيلي.

ويقع فندق “العريشة” في قلب المدينة العتيقة على بعد أمتار قليلة من كاتدرائية أنيقة، وجامع بني على أيدي الأتراك ويعرف باسم “جامع الترك” وعلى مقربة من السوق المركزي للمدينة والمحلات التجارية والمطاعم السياحية.

ينظر إلى المبنى الحميمي بمعماره الأندلسي العربي كإحدى البنايات المثيرة بقصص التاريخ في قلب المدينة العتيقة بالجزيرة السياحية، وهو مبنى يثير فضول زائري المنطقة من السياح.

ويقول زياد عنان الذي يعمل في النزل منذ العام 1988، وهو مديره اليوم، “يحمل النزل طابعا معماريا موريسكيا ولكن بنايته عربية، وهو فندق يعود تأسيسه إلى نحو 300 عام وكان مخصصا للقوافل التجارية التي تأتي إلى الجزيرة للتبضع وعرض سلعها”. لكن قبل أن يتحول إلى مزار سياحي، يذكر زياد قصصا توارثها عن أجداده، تروي كيف كان المكان يمثل استراحة للتجار، والقوافل القادمة من الجنوب الصحراوي؛ من دول السودان والنيجر والتشاد وحتى من المشرق العربي عبر مصر وليبيا.

وبسبب إشعاعها التجاري تعرف الجزيرة بانتشار أبراج المراقبة على امتداد سواحلها وتسمى الأربطة، يمثل كل برج رباطا وفي ذات الوقت مسجدا. وتقع المساجد في مستوى ثان كصف دفاع متأخر وهي عادة ما تكون بمثابة قلاع محصنة، وتتصل قديما بالرباطات باستخدام الدخان نهارا والنار ليلا.

وترتبط الجزيرة بالقارة الأفريقية بمنفذين أحدهما بحري اِنطلاقا من منطقة أجيم، حيث يوجد مضيق يفصل الجزيرة عن القارة، يبلغ اتساعه كيلومترين أما الثاني فهو بري اِنطلاقا من طريق يشق البحر تعود جذوره إلى العهد الروماني.

◙ المبنى كان استراحة للقوافل القادمة من دول السودان والنيجر وتشاد وحتى من المشرق العربي عبر مصر وليبيا

ولا يبعد فندق العريشة كثيرا عن الموانئ المشيدة بحومة السوق بالساحل الشمالي، حيث شكلت بجانب الموانئ المنتشرة في باقي سواحل الجزيرة تحصينات دفاعية لمنع الأعداء من اختراقها.

وأكثر ما يفاخر به سكان الجزيرة هو البرج الكبير الذي شيد خلال القرن الخامس عشر الميلادي بأمر من السلطان الحفصي أبوفارس عبدالعزيز المتوكل الّذي تنقل من العاصمة شمالا عام 1432 إلى جربة لرد الحملة الإسبانية بقيادة الملك الأرجواني ألفونس الخامس.

وفي حديثه لجمع من السياح الفرنسيين المقيمين في الفندق يشرح زياد قائلا “يأتي التجار من الشمال والجنوب والصحاري ويضعون جمالهم وفي الغد يذهبون إلى السوق لبيع سلعهم. الأمر يتعلق بما يشبه ‘موتال’ حديثا”.

وتابع زياد في سرده للمعلومات “هذه البنايات كانت منتشرة قديما انطلاقا من الجزيرة العربية إلى المغرب. كانت تمثل استراحات للقوافل المتوجهة إلى مكة لأداء فريضة الحج. نفس المبنى ونفس المعمار”.

وحتى وقت قريب احتفط أصحاب الفندق بحلقات دائرية من الحديد كانت مغروسة في جدران المبنى تشد إليها الحبال الموصولة إلى لجام الخيول.

◙ نافذة على التراث
نافذة على التراث

قام والد زياد بتحويل المبنى إلى فندق في ستينيات القرن الماضي كفكرة ثورية في قطاع السياحة الوليدة في الجهة بعد زيارات متكررة لألمانيا. واستقبل الفندق أولى الوفود السياحية القادمة من ألمانيا في العام 1962. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الجزيرة إحدى أبرز الوجهات السياحية للألمان في حوض المتوسط.

وأثناء أشغال إعادة التأهيل والصيانة حافظ ملاك الفندق على هيئته الأصلية، وعلى التصميمات في الغرف المبنية من الصخر من أجل الإبقاء على ظلال التاريخ وجرى إيصالها بخدمات التكييف والإنترنت. ويعد المبنى في الجزيرة بمثابة النواة الأولى لقطاع الفندقة في القرن العشرين.

ويقول زياد، “العريشة هو من أولى النزل في جربة. يبحث التونسيون عن البساطة والاستجمام بعيدا على الفضاءات الفاخرة بنزل الخمس نجوم. هنا تتوفر كل ظروف الحياة البسطية من هدوء وراحة ولكن خاصة ميزة أنك تعيش وسط التاريخ والثقافة”.

يعرض الرسامون لوحاتهم في رواق خاص بالفندق. وتروى أيضا على مسامع الزوار أسطورة القائد أودسيوس الإغريقي، حيث تقول تفاصيلها إنه زار جزيرة جربة بعد أن انتهى من حرب طروادة وتاه في البحر في طريق العودة.

ووفق الأسطورة اسمتع أودسيوس قرب الجزيرة إلى الأناشيد العذبة لعرائس البحر ولكن حتى ينجو من الهلاك مع بحارته اضطر لوضع الشمع في آذان الجميع على المركب وربط نفسه إلى عمود.

ويقول زياد إن النزلاء يحبون التعرف على تفاصيل الفن والروايات الأسطورية المتداولة في جربة مثل إقبالهم أيضا على الأكل والأطباق المحلية.

ويتابع مدير الفندق “نحرص على أن نقدم طعاما تقليديا واللحوم والأكلات البحرية التي تعرف بها جزيرة جربة. وتوفر الغرف أجواء حميمية للزائرين كما لو أنهم في منازلهم يمارسون حياتهم اليومية وفي نفس الوقت يسافرون عبر التاريخ”.

#سفر #عبر #التاريخ #في #فندق #العريشة #بجربة

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد