- الإعلانات -

- الإعلانات -

صانع البهجة الحزين.. صلاح جاهين شخصية العام في معرض القاهرة للكتاب

صناعة البهجة وتعدد المواهب أهم ما تميّز به الشاعر والسيناريست المصري صلاح جاهين الذي اختاره القائمون على معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ54 (25 يناير/كانون الثاني-6 فبراير/شباط)، ليكون شخصية العام، واختيرت قصيدته “على اسم مصر” شعارًا للمعرض هذا العام.
وعلى الرغم من شهرة جاهين بـ”الرباعيات” و”أوبريت الليلة الكبيرة”، فإن إبداعاته ضمّت مزيجا من المواهب، فهو رسام كاريكاتير وشاعر وكاتب سيناريو ومؤلف أغنيات ومُغَنٍّ وممثل، واستطاع أن يقدم إنتاجات مختلفة في الفن والثقافة.
ولادة متعثرة
في 25 ديسمبر/كانون الأول 1930 أبصر صلاح جاهين النور، لكنه وصف ولادته بالمتعثّرة، إذ جاء إلى الدنيا أزرق اللون مكتوم الأنفاس التي استعادها لتُكتب له الحياة، وهو ما كتب عنه في إحدى قصائده “مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل/ لا دخلتها برجليا ولا كان لي ميل/ شايليني شيل دخلت أنا في الحياة/ وبكرة هاخرج منها شايلينى شيل”.
وكان جاهين في طفولته محبًّا للفنون، إلا أنه أذعن لرغبة والده والتحق بكلية الحقوق، لكن سرعان ما قرّر أن يتجه إلى الفن والكتابة، ليصبح في صدارة المشهد الإبداعي.
شاعر الثورة والشعب
دخل جاهين مضمار الشعر الغنائي من باب الصور الغنائية التي كانت تنتجها الإذاعة المصرية في خمسينيات القرن الـ20، ليتجه في المرحلة ذاتها إلى الأغنيات العاطفية، فظهرت قدرته على مزج المفردات الشعبية في إطار مختلف يبتعد عن قاموس الأغنية العاطفي الدارج، مع ابتكار تراكيب لغوية جديدة، ومن أغنياته “أنا هنا يا ابن الحلال” و”بان عليا حبّه” و”حدوتة”.

وإلى جانب الغناء العاطفي، كان لجاهين وجه آخر، وهو “شاعر الثورة”، إذ عبّر عن ثورة 1952 بأغنياته التي قدّمها مع عبد الحليم حافظ، مثل “احنا الشعب” و”بالأحضان” و”صورة” و”يا أهلا بالمعارك”.
استمر جاهين في مشواره في الشعر الغنائي، فتعاون مع المطرب علي الحجار في “ولد وبنت-نخبي ليه”، وسمح له بغناء الرباعيات التي غناها سابقًا سيد مكاوي.
كذلك أثر في التكوين الفني والإنساني لمحمد منير، على الرغم من أنهما لم يلتقيا فنيًّا إلا بعد رحيله في أغنيات “اتكلموا” و”بعد الطوفان” و”المريلة الكحلي”. وأسهمت صداقته مع الموسيقار هاني شنودة في إطلاق “فرقة المصريين” معه، فكتب أشهر أغنياتها، مثل “ماشية السنيورة” و”متحسبوش يا بنات” و”الشوارع حواديت”.
وإلى جانب تقديمه الكثير من الكلمات الغنائية لأفلام سينمائية ومسلسلات، ظلّت شهرته الواسعة من خلال أوبريت “الليلة الكبيرة” مع الموسيقار الراحل سيد مكاوي، والفوازير التي قدمها مع الفنانة نيللي.

 
 
رباعيات وسيناريوهات
شهرته الواسعة في الشعر الغنائي كانت إلى جوار كونه واحدًا من أهم شعراء جيله، إذ تميز شعره باللغة العامية الدارجة البسيطة، فنشر ديوانه الأول في عام 1955 “كلمة سلام”. ومن دواوينه الشعرية الأخرى “موال عشان القنال” الذي نشره في عام 1957، و”الرباعيات” في عام 1963، التي عُرفت أيضًا باسم “رباعيات صلاح جاهين”.
إلى ذلك، اتجه جاهين إلى كتابة السيناريو، فحملت أعماله رؤية فلسفية، فضلًا عن خفة الظل التي ميّزت الأفلام السبعة التي كتبها.
ففي السبعينيات كتب سيناريو فيلم “خلي بالك من زوزو”، وبعدئذ شارك في كتابة “أميرة حبي أنا”، وهي الأعمال التي لعبت سعاد حسني دور البطولة فيها. كما شارك في “عودة الابن الضال” ليوسف شاهين، وفيلم “شيلني وأشيلك”، وسيناريو “شفيقة ومتولي” و”المتوحشة”. وآخر هذه الأعمال فيلم “اللعنة” في عام 1984، ثم مسلسل “حكايات هو وهي” في عام 1985.
التعاون الفني بين صلاح جاهين وسعاد حسني في أعمال سينمائية وغنائية كانت وراءه صداقة وطيدة امتدت سنوات، إذ كانت النجمة المصرية تعدّه “الأب الروحي” لها.

ممثل فاشل ورسام رائد
وفضلا عن مواهبه المتعددة، قدم صلاح جاهين تجارب في التمثيل في 9 أفلام، بدايةً من 1962 من خلال فيلم “من غير ميعاد”، وأتبعه بـ”عذراء البصرة” و”اللص والكلاب”، و”لا وقت للحب” و”المماليك”، وكان آخر عمل شارك فيه “الوداع يا بونابرت”.
لكن ابنته الفنانة سامية جاهين قالت، في حوار لها لاحقًا، إنه كان يعدّ نفسه ممثلًا فاشلًا، وكان يشعر بأنه يجسّد “صلاح جاهين” ولا يجيد تقمص الشخصيات، إلى جانب كونه يميل إلى الإبداع الذي يكون هو صاحب القرار فيه وليس تحت إدارة مخرج.
كان لصلاح جاهين دور كبير في تأسيس مدرسة الكاريكاتير المصرية الحديثة في منتصف الخمسينيات، مع رفاقه في مجلة “صباح الخير” الأسبوعية المتخصصة في هذا الفن.
فمن خلال رسومه البسيطة والسلسة، عبّر جاهين عن الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها مصر في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وأصبحت لاحقًا طريقته السلسلة مدرسة انتهجها رسامو الكاريكاتير في مصر، ليكون هو أحد روّادها.
تجربة سياسية ونهاية حزينة
كانت الحياة السياسية والمجتمع الذي نشأ فيه صلاح جاهين جزءًا أصيلًا في تجربته، فهو ابن ثورة يوليو/تموز 1952 وشاعرها وصوتها القادر على تحريك مشاعر الشعب من خلال كلماته، بالأغاني الوطنية التي قدمها.
وعلى قدر حماسته وحبّه للثورة، كان انكساره النفسي إثر هزيمة مصر في 1967 (النكسة)، عندئذ تغيّر حال جاهين وانقلب رأسًا على عقب، فاختفى وأصيب بالاكتئاب ومرض، وأضحى يعيش في ذنب أنه شارك في بيع الكذب للمصريين وإشعال حماستهم، خداعًا من دون فائدة حتى وصل بهم إلى النكسة.
كان أثر “النكسة” عميقًا في نفسه، فهزّت كيانه، ووصل به الأمر إلى أنه سافر ليتلقى علاجًا في مصحة نفسية خاصة في روسيا، ليعود بعدئذ متمرّدًا على كل الأفكار التي روَّج لها من خلال أغنياته.
وعلى الرغم من عالم البهجة الذي أضفاه صلاح جاهين على الفن، من خلال كتاباته في عالم الشعر والسينما والدراما والفوازير، فإن نهايته لم تكن على القدر ذاته من البهجة، فقد أثارت وفاته جدلًا كثيرًا، بسبب معاناته من مرض الاكتئاب الحاد، ليُغمض عينيه نهائيا في أبريل/نيسان 1986.

#صانع #البهجة #الحزين. #صلاح #جاهين #شخصية #العام #في #معرض #القاهرة #للكتاب

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد