- الإعلانات -

- الإعلانات -

صحة تونس… خدمات متردية في القطاع العمومي


بعدما لقي 12 رضيعاً – ثمّة أرقام تشير إلى عدد أكبر – حتفهم في تونس، أعيد طرح ملف القطاع الصحي العمومي، لا سيّما تردّي الخدمات الصحية في البلاد. والثغرات الكثيرة في هذا السياق، غير مقتصرة على منطقة دون أخرى، بل تطاول المستشفيات في مختلف أنحاء تونسيبدو أنّ ثمّة مخاطر تتهدد قسم الأطفال في مستشفى محمد التلاتلي في نابل، شمال شرقي تونس. هذا ما يحذّر منه رئيس قسم الأطفال والولدان في المستشفى الدكتور هيثم البشروش. بالنسبة إليه، الوضع حرج والقسم لم يعد قادراً على استيعاب مزيد من المرضى، بينما الأطباء يعملون في ظروف كارثية بسبب النقص الفادح في الأطباء المتخصصين وفي الفريق العامل، ما يؤدّي إلى عجز عن تقديم الخدمات المطلوبة. والبشروش قرّر مواصلة تأمين خدماته في المستشفى حتى شهر يوليو/ تموز المقبل، على أن يقدّم بعد ذلك استقالته نتيجة يأسه من الإصلاح، هو الذي كان بعث برسائل عدّة إلى وزارة الصحة، لكنّ سلطة الإشراف تجاهلتها. يقول البشروش لـ”العربي الجديد” إنّ “ظروف العمل صعبة للغاية وقطاع الصحة يعاني نقصاً فادحاً في العنصر البشري، الأمر الذي أثّر على أداء الأطباء إلى جانب النقص الفادح في الفريق شبه الطبي”، مشيراً إلى أنّ “الحلول التي تقدّمها وزارة الصحة بمعظمها هي حلول ترقيعية وتقوم على الضغط على العنصر البشري المتوفّر في ظل غياب استراتيجية للإصلاح”. ويدعو إلى “تدخّل عاجل لإنقاذ الأطفال في قسمنا وفي بقيّة الأقسام التي تعاني الصعوبات نفسها”. ويعاني قطاع الصحة في تونس بمجمله، تراجعاً واضحاً في الخدمات، إلى درجة أنّ ثمّة مَن يصفه بـ”القطاع المريض” من جرّاء النواقص الكثيرة التي تؤثّر على المنظومة الصحية ككل. والأطباء طالبوا كثيراً بتحسين ظروف العمل، وعدد منهم لم يتمكّن من إجراء عمليات جراحية بسبب عدم توفّر مستلزمات العمل الضرورية. كذلك عجز ممرضون كثر عن تقديم الإسعافات الأولية وغيرها إلى المرضى بسبب عدم توفّر الدواء، بينما تأجّلت مواعيد تحاليل مختلفة نظراً إلى فقدان المعدات أو تعطّلها. يؤكد المتحدث الرسمي باسم عمادة الأطباء التونسيين، سامي بالحارث، لـ”العربي الجديد” أنّ المشكلات كثيرة وقد تعبنا من دقّ ناقوس الخطر، فالخطوط الحمراء تمّ تجاوزها قبل فترة طويلة”، مبيّناً أنّ “القطاع الصحي في تونس يواجه (عمومياً كان أم خاصاً) تحديات كبيرة، منها هجرة الكفاءات الطبية. وفي حال لم يتوقّف النزيف، فإنّ التونسي لن يجد من يعالجه مستقبلاً”. وفي سياق وفاة الرضّع الاثنَي عشر في مستشفى عزيزة عثمانة العمومي بالعاصمة تونس أخيراً، يقول بالحارث إنّ “ستّة أطباء كانوا يعملون في القسم المعنيّ بالحادثة، أمّا اليوم فهو يضمّ ثلاثة فقط”، شارحاً أنّ “أحدهم أحيل إلى التقاعد من دون أن يعيَّن طبيب آخر بدلاً منه، وثانياً هاجر إلى خارج البلاد، وثالثاً غادر المستشفى. أمّا الفريق شبه الطبي، فيعاني بدوره نقصاً في عدد الممرضين. ثمّة ممرّضة واحدة لـ 12 رضيعاً، على الرغم من أنّ هؤلاء الرضّع يحتاجون إلى رعاية وخدمات خاصة”. ويلفت بالحارث إلى أنّ “العمل في مثل هذه الظروف صار غير مقبول، وأيّ قسم تخصصي لن يقبل بالعمل في ظلّ نقص مماثل. لكن، على الرغم من ذلك، يضطر الأطباء والفرق شبه الطبية إلى تأمين الخدمات، إذ إنّ توقّفهم عن العمل سوف يؤدّي إلى وفاة عشرات المرضى”. يضيف أنّ “النقص في المستلزمات الضرورية للعلاج في المستشفيات مسألة قديمة متجددة يشكو منها أطباء كثيرون. فعدم توفّر المعدّات يحوّل الطبّ إلى طبّ حرب، أي أنّ الوضع الطبي يصير شبيهاً بما يكون عليه عادة في خلال الأزمات”. ويشدّد على أنّ “الوقت حان ليتوقّف هذا الأمر، خصوصاً أنّ تونس تزخر بكفاءات طبية مشهود لها في هذا المجال”. تفيد آخر الإحصاءات بأنّ 45 في المائة من الأطباء التونسيين الجدد المسجلين في هيئة الأطباء في عام 2017، غادروا إلى وجهات مختلفة، بالمقارنة مع ستة في المائة في عام 2013. وقد حذّرت عمادة الأطباء من أنّ النسبة مرشّحة للارتفاع في خلال أربعة أعوام. وفي هذا الإطار، يقول الكاتب العام للجامعة العامة للصحة، عثمان الجلولي، لـ”العربي الجديد”، إنّهم طالبوا منذ سنوات بإصلاح قطاع الصحة ونبّهوا من تراجع الخدمات، مشيراً إلى أنّ “الفاجعة التي وقعت والتي ذهب ضحيّتها 12 رضيعاً قد تكون أعادت الملف إلى الواجهة، لكنّه في حال لم تسارع السلطات المعنية إلى وضع خطة واضحة للإصلاح فإنّ القطاع سوف يتراجع أكثر فأكثر”. ويوضح الجلولي أنّ “المشكلة تكمن في الحوكمة والتمويل والنصوص القانونية التي يجب أن تواكب النموّ الديموغرافي والتكنولوجيا الحديثة. فعندما يتعطّل جهاز تصوير بالأشعة المقطعية على سبيل المثال، فإنّ الانتظار قد يطول ثمانية أشهر أو أكثر، لأنّ القوانين معقّدة ولا يمكن استقدام مختصين لإصلاح العطل إلا بعد توجيه مراسلات وفتح مناقصة في الغرض وما إلى ذلك من إجراءات لم تعد مقبولة إذ إنّها تعطّل الخدمات في المستشفيات العمومية”. يضيف الجلولي أنّه “في ظلّ غياب الانتدابات في قطاع الصحة والنقص الفادح في الممرضين والفرق شبه الطبية، فإنّه من غير الممكن تحسين الخدمات مع توافد مئات المرضى يومياً. بالتالي، يمكن القول إنّ منظومة الصحة العمومية تنهار شيئاً فشيئاً”. ويتابع الجلولي أنّه “من غير المقبول استمرار الفساد في قطاع الصحة بسبب الصفقات العمومية التي شرّعت للبعض جني المال والاستفادة من القطاع، كذلك فإنّ غياب المتابعة الجدية ساهم في انتشار الفساد أكثر في القطاع. على سبيل المثال، ثمّة صفقة أجهزة تصوير بالأشعة المقطعية أبرمت في عام 2014 من دون احترام كرّاس الشروط ومن دون ضمانات ما بعد البيع. وقد تعطلت أجهزة منها في مستشفيات عدّة من دون أيّ متابعة للملف”. ويرى الجلولي أنّ “الإصلاح رهن توفّر الإرادة السياسة. إمّا المحافظة على حقّ التونسيين في الحصول على خدمات صحية جيدة وإمّا عدم ذلك”، مشدداً على “وجوب ألا يكون ردّ الفعل آنيّاً، أي أن يتحرّك الجميع بمجرّد وقوع فاجعة ثمّ يطوى ملف الصحة من جديد”. تجدر الإشارة إلى أنّ وزيرة الصحة بالإنابة، الدكتورة سنية بالشيخ، كانت قد صرّحت في خلال مؤتمر صحافي عقدته أخيراً بأنّ قطاع الصحة يعاني مشكلات عدّة وأنّ ثمّة وعياً حول ذلك، مضيفة أنّ التشخيص معروف، وثمّة إقرار بوجود نواقص. وشدّدت على وجوب ألا يتوقف قطاع الصحة عن العمل، مشيرة إلى أنّ الإصلاح سوف يتمّ تدريجياً.



المصدر


الصورة من المصدر : www.alaraby.co.uk


مصدر المقال : www.alaraby.co.uk


يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد