- الإعلانات -

- الإعلانات -

“عميان المنطقة المحظورة”: قصص العزلة والجسد والهجرة

تطرق الكاتبة التونسية هدى الهرمي، في مجموعتها القصصية “عميان المنطقة المحظورة”، الصادرة حديثًا عن “دار الدراويش” في بلغاريا، مواضيع تتمحور حول العزلة والضياع والجسد والاحتجاج السياسي والقتل والهجرة والفن في ظروف الحرب ونحو ذلك من قضايا المجتمع التونسي.

تُفتتح المجموعة المتضمنة (21) قصة في (114) صفحة، بمقدمة للناقد الجزائري لونيس بن علي، يشير فيها إلى أن الهرمي تكتب بقدر عال من الحساسية الفنية والجمالية، منوهًا بأسلوبها الراقي الذي “يعيد الروح إلى فن القصة”، على حد تعبيره، إذ نقرأ قصصًا عن الفن، وعن الإنسان، وعن الحياة، متجاوزة المعتاد من الكتابات القصصية النسائية التي تعج، في الغالب، بتراجيديات نسائية كأنما يقف قارئها وسط مجلس عزاء.

ويستطرد بن علي في قراءته لقصص هدى التي يجد أنها كتبت بحس فني راقٍ سواء في اللغة الفنية أو في القدرة على التخييل، حيث يشتبك القارئ مع تفاعلات الفن في زمن الحرب، كما يتداعى موضوع الهجرة عبر قوارب الموت ومحاولات التفلُّت من هاجس الغربة في المدن الباردة، فهناك على حواف “نهر السين” في باريس يتأمل بطل إحدى القصص انكسار ملامحه على صفحة النهر، وفي حيازته رسائل قديمة من حبيبةٍ انقطعت عنه أخبارها دون سبب واضح، تلك الرسائل الدافئة برغم برودة الطقس في المكان ووعودها الجميلة التي تلاشت، تسقط منجرفةً مع مياه النهر بعيدًا نحو المجهول.

وثمة قصص تتداعى في سياق سردي ينبني على حركة إيقاعية تنتقل من حالة الظلام إلى الضوء ومن الغموض إلى الوضوح، حيث تبرع الكاتبة في تصوير مشاهد الموت والجريمة بأسلوب غرائبي مشوق بينما “تعيد روحًا ظن الجميع في القرية أنها قتلت ودفنت” ليتفاجأوا بأن الروح المقتولة أخطأت طريقها إلى السماء فعادت إلى القرية. وأمام وجوم الأهالي وصدمتهم بمن فيهم نادل المقهى الذي فرّ مرعوبًا في طريق هروبه من الموت، تعود روح قتيلة إلى “المقهى”، غير أن النادل هو من قتل “تلك الروح” وبالتالي تتحول القصة من لغز جريمة هزت القرية ثم بعد مراسم دفن الجثة ينكشف اللغز بمعرفة أن النادل هو القاتل بشهادة الجثة نفسها وقد عادت للحياة.

“عرش الخسارات”

وتتطرق الكاتبة لقضايا المرأة الأكثر حساسية، حيث تتهاوى عروش القيم الإنسانية ابتداءً من بوابة الجسد الذي يصبح في قصة “عرش الخسارات” مجرد جسر للعبور الخاطف إلى الوهم والمزيد من الخيبات واليأس، حيث تمضي بطلة القصة إلى براثن الخطيئة دون أن تنتبه: هل كانت تنتقم لنفسها باستعمال جسدها عندما اتخذت طريقًا قصيرًا يفضي إلى “الدعارة” لأنها هاربة من قصة حب انتهت بخيانة، لتسلم نفسها إلى عشيق جديد نهش لحمها وارتوى من مفاتن جسدها برغباته الشيطانية، لتتفاقم الخسارات لديها فأصبحت تقرف من الحياة وقد سقطت أخيرًا في هاوية سحيقة حفرها حبيب طارئ جديد قال لها إنه سيصنع منها نجمة سينمائية.

وتستفيد الكاتبة من ثيمة العزلة فتطوع قصة تقوم على أنقاض نص ميتا- سردي، بلسان فتاة تلعب دور السارد في قصة “تذكرة ضائعة إلى لشبونة” تروي علاقتها بفيلم “قطار الليل إلى لشبونة” لباسكال ميرسية، حيث نفاد التذاكر يدفع بها لاقتناء الرواية التي صنع منها الفيلم أساسًا: تغرق في قراءة الرواية لتجد في سطورها إجابات عن بعض الأسئلة التي لطالما شغلتها: هل يتشكل خلاص الإنسانية عبر الأدب والروايات؟

وتتشابه كثير من شخصيات قصص الهرمي في أنها تعيش في ظروف العزلة وتنزع للإغلاق على نفسها داخل الغرف المعتمة، وهي شخصيات تقتل في الأخير مثل بطل قصة “وهم فاقع” ذات البعد الاحتجاجي السياسي، والتي تستعيد روح الثورة التونسية وموجة الاغتيالات على هامش الثورة على حساب رؤوس النضال: بسبب خطاب لبطل القصة يحرض فيه على تغيير النظام تتم ملاحقته من قبل أجهزة الأمن… تؤثر عليه بشكل سلبي حادثة اغتيال أخ له من قبل جماعة مسلحة، فيشعر بشيء من الخيبة وتلاشي الأحلام الثورية وغياب الحماية التي كان يتوهمها، لكنه يستقبل، لاحقًا، قاتلًا مأجورًا يضع حدًا لحياته بسبب نشاطه النضالي، فـ”الثورة مهددة دائمًا بالقتلة المأجورين”…

وتوغل قصة “سقوط غير مدو” ومثلها عدة قصص أخرى في سردية تنهل من تفاصيل الحياة اليومية في تونس وفي المهجر التونسي أيضًا، حيث الشعور بالضياع لدى كثير من الناس يُفقِدهم حقيقتهم مبددًا أحلامهم ومُربِكًا علاقتهم بالواقع الذي جعلهم يتأرجحون بين الحياة والموت، فلا هم أحياء ولا هم موتى.

#عميان #المنطقة #المحظورة #قصص #العزلة #والجسد #والهجرة

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد