عودة الحراك الاجتماعي تنذر بدخول تونس منعطفا أكثر قتامة | الجمعي قاسمي

قرأ مراقبون في كلمة المشيشي أن الدولة تعيش بالفعل أزمة حقيقية، وأن ذلك مقدمة لتهدئة الأوضاع مؤقتا بما قد يُقلص من اتساع خارطة الاحتجاجات التي وُصفت بأنها سابقة لم تعرف تونس مثلها حتى أثناء “الثورة” التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
وأمام التطورات الأخيرة، حذر الرئيس قيس سعيد في كلمة توجه بها إلى شباب التقى بهم مساء الاثنين الماضي خلال زيارة قام بها إلى أكبر أحياء ولاية (محافظة) أريانة غرب العاصمة من “الذين يتحركون في الظلام، ويُتاجرون بفقر الشباب، وبؤسهم، هدفهم في ذلك بث الفوضى وليس تحقيق مطالب الشعب”. ودعا المُحتجين إلى “عدم التعرض لأي كان لا في ذاته ولا في عرضه ولا في ممتلكاته”، مؤكدا على “حق الشعب في الشغل والحرية والكرامة الوطنية”.
وبينما سعى ممثلو التحالف البرلماني الداعم للحكومة في بيانات صدرت عن مجلس شورى حركة النهضة وحزب قلب تونس إلى اتهام المحتجين بإثارة الفوضى، والارتهان لأجندات مشبوهة، سارعت المعارضة إلى اتهام الحكومة بـ”الفشل” في معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والتي يُنظر إليها على أنها المُحرك الرئيسي لهذه الاحتجاجات.
وعبّر عن هذا الموقف، النائب زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب، حيث قال في تصريحات إن هذه الاحتجاجات لها ما يُبررها بعد مرور عشر سنوات على الثورة دون أن تُحقق أهدافها في التنمية والتشغيل، وهو ما تؤكده أرقام عمليات سبر الآراء التي تُبين أن جزءا كبيرا من التونسيين لم تعد لديهم ثقة في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر أن الثورة في تونس قامت على استحقاقين كبيرين، سياسي واجتماعي، وقال إن “الاستحقاق السياسي اليوم مشوب بكل الشوائب، وكذلك أيضا الاستحقاق الاجتماعي الذي لم يتحقق منه أي شيء، لذلك فإن هذا الشباب الذي يتظاهر ويحتجّ يشعر بأنه بات خارج النظام”.
وتجد هذه القراءة صدى لها في مختلف قراءات المُتابعين للشأن التونسي، الذين سبق لهم أن توقعوا حدوث مثل هذه الاحتجاجات، وحذروا من “ثورة ثانية”، أطلقوا عليها اسم “ثورة الفقراء والجياع”، ما لم تُسارع السلطات التنفيذية إلى إجراء حزمة كبيرة من الإصلاحات العاجلة لمعالجة الأزمة، بما يستجيب لتطلعات الشعب.
وذهب النائب الصافي سعيد في مداخلة له خلال جلسة برلمانية إلى القول إن “من طرد بن علي وأسقطه هو الجيل الذي ترعرع في ظل نظامه ومن يقوم اليوم بالاحتجاج هو جيل الثورة وينبغي على البرلمان والحكومة الاستجابة لمطالبه”.
وفيما اعتبر الصافي سعيد أن “الشعب لا يعجبه اليوم لا الرئيس ولا المجلس ولا الحكومة، ونحن ذاهبون إلى الظلام ومهددون بالكنس”، ربط النائب منجي الرحوي الاحتجاجات بحالة الفقر والتهميش وقال في مداخلة له خلال نفس الجلسة، إن “الأحداث الأخيرة هي نتاج للفقر وتجاهل أبناء الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية لمطالبهم المشروعة في التشغيل والكرامة وتحقيق أبسط مقوّمات العيش الكريم”.
وشدّد على أن من يقف وراءها، “هو طرف واحد وهو الجوع والفقر والحرمان، وهو الطرف الذي وحّدهم ودفعهم إلى التظاهر والاحتجاج بالليل والنهار”، داعيا في نفس الوقت إلى ضرورة “المشاركة فيها ودعمها وتأطيرها وتقديم ما يمكن تقديمه لها من أجل أن تصوّب هذه الحركة الاحتجاجية مسار الثورة، بعد أن تمّ خنق مسارها”.
ولم يتردد القيادي في حزب التيار الشعبي غسان بوعزي في وصف ما جرى بـ”الانتفاضة الشعبية” التي تبقى الحل الأنسب لمقاومة ما وصفها بـ”عصابة الإخوان”، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي.
وأكد في بيان أن حزبه يدعم هذه الاحتجاجات بشكل واضح وصريح، ذلك أن تونس “تقبع حاليا تحت حكم إخواني بغيض حيث تحكمها جماعة ومرشد اخترقا كل مفاصل الدولة، وقد تمكنت هذه الجماعة وفي ظرف عشر سنوات من تبديد كل آمال الشعب في الشغل والحرية والكرامة الإنسانية والسيادة الوطنية”.
وقال إن ما تعيشه تونس منذ مدة من احتجاجات متصاعدة شملت العديد من الجهات وخاصة المناطق والأحياء الأكثر فقرا وتهميشا “هو نتيجة حتمية منتظرة لحصيلة عشر سنوات من حكم تحالف تجار الدين والمافيا المالية”، واصفا الأسباب التي أدت إلى ذلك بأنها “عميقة جدا”.
وبين هذا الرأي وذاك الموقف، تُجمع الدوائر السياسية في البلاد على وصف الأزمة في تونس بأنها “أزمة حكم مُتحركة”، و تفتح على أزمة اقتصادية حادة، تسببت في هذا الاحتقان الاجتماعي المتواصل، الذي يُنذر بانفجارات قوية في كل لحظة نتيجة فشل جميع المقاربات التي اعتمدتها الحكومات المُتعاقبة منذ العام 2011، في إيجاد الحلول المناسبة لبناء اقتصاد قادر على تجسيد تطلعات المواطن.
وتتجلّى هذه الأزمة من خلال حالة الانقسام السياسي الحاد، وتدهور الوضع الاقتصادي، الذي يعكسه انهيار قيمة الدينار، وتواصل توقف الإنتاج، وارتفاع حجم المديونية الخارجية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وتزايد نسبة التضخم، إلى جانب ارتفاع البطالة والفقر والانقطاع عن التعليم، وانهيار كل الخدمات والمرافق العمومية والحيوية من صحة وتعليم ونقل وبيئة وثقافة.

المصدر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد