- الإعلانات -

- الإعلانات -

في معركة السيطرة على طرابلس ولاءآت متغيرة وخلل بنيوي وعجز دولي

إبراهيم درويش

أثار خروج الوفد المصري في اجتماع الجامعة العربية في الأسبوع الماضي احتجاجا على رئاسة نجلاء المنقوش وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس الجدل. وشوهدت مقاعد الوفد المصري فارغة والمنقوش تخاطب وزراء الخارجية العرب. وجاء خروج الوفد المصري بناء على موقف القاهرة من أن التفويض الذي منح لحكومة الوحدة الوطنية التي تمثلها المنقوش قد انتهى. وكان عبد الحميد الدبيبة قد عين في شباط/فبراير 2021 على رأس حكومة لكتابة دستور وتحضير البلاد لانتخابات تعقد في كانون الأول/ديسمبر 2021 وألغيت الانتخابات لأجل غير مسمى وسط عودة الخلاف بين حكومة طرابلس ومجلس النواب في الشرق. وقامت هذه الحكومة في شباط/فبراير بانتخاب فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني رئيسا للوزراء وكلفته بتشكيل الحكومة. وحاول منذ عدة أشهر دخول العاصمة طرابلس إلا أن محاولاته قوبلت بالقوة العسكرية وكانت آخرها التي قتل فيها على الأقل 32 شخصا وجرح أكثر من 150 آخرين في مواجهات تعتبر الأكبر دموية منذ عام 2020. وتعتبر جزءا من محاولات باشاغا للإطاحة بالدبيبة. ويواجه معسكر باشاغا معوقات كبيرة للدخول إلى العاصمة، فهو وإن حظي بدعم من الشرق وما يطلق عليه بالجيش الوطني الليبي بقيادة أمير الحرب خليفة حفتر إلا أنه يواجه معسكرا قويا وميليشيات تدعم حكومة الدبيبة، ورغم تقليل المنقوش من شأن التصرف المصري في مجلس الجامعة العربية بالقاهرة وحديثها عن خلافات الرأي بشأن الشرعية للحكومة الحالية في طرابلس إلا أن المواقف الخارجية لا تزال تمارس دورا وتأثيرا على أطراف النزاع في الحرب الليبية المستمرة منذ سنوات. وبعد فشل خليفة حفتر دخول طرابلس والتوصل إلى هدنة هشة، ساد هدوء في البلاد وعادت الحياة إلى طبيعتها، رغم أن الظروف المعيشية لم تتغير كثيرا.

التحصن

وحذر دبلوماسيون ومحللون من أنه لو لم تقد الهدنة الحذرة بين الأطراف المتنازعة إلى تسوية سياسية، فقد يشتري الدبيبة الوقت لنفسه قبل المواجهة المقبلة مع خصمه باشاغا. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» (1/9/2022) عن محمد الجارح مدير «ليبيا ديسك» أن «لا أحد يمكنه النصر» و «لكن الدبيبة ومن حوله سيشعرون بالجرأة، وسيواجه باشاغا خيار التخلي عن جهوده أو يصبح عنيفا وأقل تنازلا». وتثير المواجهات الأخيرة احتمال عودة البلاد إلى ساحة حروب بالوكالة، ففي عام 2019 حاول حفتر مدعوما من مصر والإمارات العربية المتحدة والمرتزقة الروس السيطرة على طرابلس ولكنه فشل بعد التدخل التركي. وفي عالم من الجماعات المسلحة والساسة فالولاءآت المعقدة تتغير بشكل سريع، فباشاغا الذي كان في المعسكر المعادي لهجوم حفتر أصبح ممثل المعسكر الذي دعمه الحالي في معركة السيطرة على ليبيا، عضو أوبك والتي تملك أكبر احتياط نفط في القارة الأفريقية. وبنفس المثابة أقامت الإمارات التي دعمت حملة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية، علاقات مع الدبيبة. ويقول دبلوماسيون إن المرتزقة الروس الذين يعملون لصالح شركة التعهدات الأمنية القريبة من الكرملين، فاغنر وعملوا تحت إمرة حفتر لم يعودوا يتبعون أوامره ويتصرفون بطريقة مستقلة. ويحظى الدبيبة أيضا بدعم تركيا التي تتنافس مع روسيا على مراكز التأثير في ليبيا. وقال أسامة الجويلي للصحيفة إنه عندما كان يتقدم بكتيبته المسلحة نحو طرابلس في المواجهات الأخيرة، تعرضت مجموعته لما يعتقد انها غارات صاروخية بالمسيرات التركية «تأكدنا من 18 صاروخا وانقل عني بالإسم». وأكد دبلوماسي غربي كلامه إلا أن المسؤولين الليبيين نفوا تدخل تركيا التي تحتفظ بقوات في الغرب لإنقاذ الدبيبة. وأكدت أنقرة للقاهرة أنها لم تتدخل بجانب الدبيبة. وقال مساعد لباشاغا إن الدعم المصري له لن يتغير، مع أن المسؤولين عبروا في أحاديثهم عن إحباط منه لعدم السيطرة على العاصمة. وقال المساعد نفسه إن باشاغا الذي حاول دخول طرابلس في أيار/مايو لن يلجأ للعنف في المرة المقبلة. وربما لجأ الدبيبة لشراء دعم الجماعات الموالية لباشاغا في العاصمة طرابلس، وحسب مستشار رئيس الوزراء المعين من طبرق لشؤون الأمن، فإن الوضع الحالي لا يمكن الحفاظ عليه.
ويرى عماد بادي من المجلس الاطلنطي أن الاشتباكات الأخيرة لا تحل أي شيء من الناحية السياسية، ولكن الديناميات العسكرية تعتبر مساعدا على التغيير و «ربما استخدمت لبداية المفاوضات السياسية مع أن الفرص لهذا ضئيلة».

عجز الدبلوماسية الدولية

وفي غياب الحل الدبلوماسي وعجز الجهود الدولية رغم تعيين مبعوث جديد للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، يواصل الليبيون العيش تحت وطأة النزاعات المستمرة بين الزعامات السياسية والجماعات المسلحة التي تدعمها. ويأتي تعيين عبدالله باتيلي، الدبلوماسي السنغالي بعد فراغ في منصب المبعوث الدولي لمدة عام عندما استقال يان كوبيتش بطريقة مفاجئة كنوع من التحرك، مع أن بعض الليبيين يعارضون تعيين مبعوث جديد لأنه لن يحل المشكلة وبعد فشل أكثر من مبعوث دولي. ولجأ أنطونيو غويتريش لتعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز كمبعوثة خاصة له لأن تعيينها لا يحتاج لموافقة الدول الـ 15الأعضاء في مجلس الأمن. واعترضت روسيا على ترشيح ويليامز للمنصب في الماضي، وهي التي أشرفت على عملية الحوار الوطني في تونس العام الماضي وأدى لولادة حكومة الدبيبة بالتفويض المعروف، وتعهد أفراد العملية السياسية بعدم المشاركة في الانتخابات أو الترشيحات الرئاسية وهو ما لم يلتزم به الدبيبة. ويرى البعض أن تعيين مبعوث جديد لليبيا متوازن وقوي خطوة مهمة للمرحلة الحرجة والمقبلة في البلاد. وخاضت ويليامز التي أنهت عملها في تموز/يوليو في السياسة الليبية. وحاولت الكشف عن خلل الطبقة السياسية الليبية في الغرب والشرق ودعمت ولادة طبقة سياسية جديدة وشابة. وكادت أن تحقق هدفها من خلال وقف إطلاق النار العام في تشرين الأول/أكتوبر 2020 والتوافق على خطة طريق عبر منبر الحوار السياسي الليبي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 والتقدم بين الشرق والغرب بشأن الإطار الدستوري للانتخابات. لكن تقدما أقل حصل في إخراج القوى الأجنبية والمصالحة الضرورية لعقد الانتخابات.

فقدان الثقة

وإزاء المعارك بين الميليشيات والمماحكات بين الساسة والتدخل الخارجي، فقد الليبيون الثقة بالنخبة السياسية. وقدم دبلوماسي أمريكي في الأمم المتحدة تقييما قاتما لمجلس الأمن الدولي في الأسبوع الماضي، جاء بعد المواجهات الدامية في العاصمة طرابلس. وقال إن الليبيين لم يعودوا يصدقون أن الطبقة السياسية والميليشيات والمرتزقة ستتوقف عن سرقة ثروة البلاد. وقال جيفري دي لورنتيس، المستشار لبعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إن الليبيين «يفقدون الأمل من أن بلدهم سيتعافى من الفساد والتأثير الأجنبي ووحدة القوى المسلحة وانسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد. وهم محرومون من الخدمات الأساسية في وقت يتقاسمون فيه موارد الثروة النفطية بالطريقة التي تخدم مصالحهم، وتحديدا الميليشيات التي تسيطر عليها الفصائل، بحيث يحرم الشعب الليبي من الثروة الوطنية».
وأشارت صحيفة «الغارديان» (1/9/2022) إلى ما قاله طارق المجريسي، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حول العنف الأخير واستخدام السلاح الثقيل والمدفعية ويترك الدبيبة في موقع قوي بالوقت الحالي مع أن المواجهات تؤكد الحاجة للعملية السياسية الغائبة». ورأت الصحيفة أن الانتخابات التي رعتها الأمم المتحدة في العام الماضي ونظر إليها باعتبارها الطريق لمنح القادة السياسيين والمؤسسات تفويضا جديدة، بعيدة أكثر من أي وقت مضى. وقالت إن الخلاف حول دستوريتها ومن يحق له الترشح وتأجيلها أدى إلى خلق فراغ في السلطة ملأته المعركة العسكرية المتجددة على السلطة. ورأت الصحيفة أن الكثير من النخب السياسية لا تحبذ عقد الانتخابات لأنها تحرمها من الوصول إلى السلطة والمصادر. وفي المعركة الحالية زعم الدبيبة أن حكومته تواجه عدوانا جديدا خطط له من الداخل والخارج. وفي الوقت نفسه اتهم باشاغا الدبيبة بأنه عزز قوة الميليشيات. وقال: «كان الدبيبة هو من استغل ثروات الدولة لدعم الجماعات المسلحة». وعبر حفتر عن عدم رضاه من الانتكاسة التي تعرض لها باشاغا الحليف الجديد. ولم يرض على ما يبدو بالتراجع، ودعا لإنقاذ ليبيا لكنه لم يكشف عن الكيفية. ونفى باشاغا أي علاقة بعنف الأسبوع الماضي، إلا أن الميليشيات الموالية له تم التصدي لها ثلاث مرات وهي تحاول الدخول إلى طرابلس. ويرى كريم مرزان، من المجلس الأطلنطي أن الميليشيات في ليبيا هي «منظمات إجرامية مكرسة بشكل كامل للسلطة والمال والاستيلاء على السلطة بأي ثمن، ومن الخطأ النظر إليها على أنها منظمات سياسية أيديولوجية. ولكنها بدلا من ذلك منظمات مافيا لها مصلحة راسخة بعدم نشوء دولة فاعلة».

صراع بين الطرابلسيين

وعلينا الإشارة هنا أن الأطراف الخارجية التي لعبت دورا في نزاع 2019- 2020 معظمها غائب أو غير مواقفه في معركة الحكومتين، فباشاغا الذي تعمل حكومته من سرت يواجه حكومة طرابلس معتمدا على الجماعات الموالية له، تماما كما هو الحال مع الدبيبة، وهو ما يمكن وصفها بالحرب «بين الطرابلسيين» وهي الجماعات التي واجهت حفتر عندما قام بمحاولته للسيطرة على العاصمة، وهي معركة بدون دعم خارجي. فالدول التي شاركت في النزاع السابق لا تريد تكرار نفس التجربة، خشية خروجها عن السيطرة وعودة حروب الوكالة من جديد، ولو اضطرت للإنجرار لمواجهة جديدة فهي تريدها سريعة وقصيرة وأقل دمارا من الحرب السابقة. وحسب المحلل بيلغهان أوزتيرك من معهد سيتا، في مقال نشره موقع «ميدل إيست آي» الشهر الماضي فإن المعركة الحالية بين طرفي النزاع ليست متساوية، فحكومة الدبيبة والتي تدافع عن العاصمة في وضع أفضل للدفاع عنها من باشاغا الذي يواجه مهمة أصعب، فهو بحاجة لغطاء جوي وأسلحة ثقيلة، ولن توافق الإمارات هذه المرة على عملية أخرى. فحفتر الذي كانت لديه قوات أكبر وغطاء جويا ومعدات ثقيلة ودعما خارجيا واسعا فشل في كسر دفاعات العاصمة. ومن هنا ينظر إلى أن المواجهات الأخيرة قوت من ساعد الدبيبة وهناك مخاوف من تهميش معسكر باشاغا الذي فشل بدخول العاصمة مرتين. وبانشغال المجتمع الدولي بالحرب في أوكرانيا وغياب الدور الفاعل للأمم المتحدة في ليبيا، وهو ما أدى إلى تعيين باشاغا، وفي المقام الأول ستظل الخلافات قائمة ولن تتغير في المنظور القريب. وعليه فالدعوات لحوار وطني واجتماعات بين الأطراف المعنية بالأزمة كما في اجتماع برلين الأخير، لن يحل الأزمة طالما ظلت المشاكل البنيوية قائمة، وبدون تغيير جذري للنخبة الحالية فلن يكون هناك منظور جديد، وربما كانت الانتخابات طريقا لتهميش هذه النخب إلا أن التجارب في العراق ولبنان وغيرهما تعطي صورة أن العملية الانتخابية قد تكون وسيلة لتمكين النخب. وطالما استمر الوضع على ما هو فستظل ليبيا تعاني من خلل بنيوي وعجز ومصدرا للتوترات الداخلية ومبررا لتدخل القوى الخارجية باسم حماية أمنها كما في حالة مصر. وستبقى نقطة لينة لعبور السلاح والمهاجرين من وإلى الدول المجاورة، كما في منطقة الساحل والصحراء التي تقوت فيها الحركات الجهادية بعد عملية الناتو التي أطاحت بالديكتاتور معمر القذافي.

بعبع الهجرة

وفي هذا السياق، أشارت «الغارديان» إلى أن استمرار العنف يظل مصدرا لإثارة المخاوف من ليبيا باعتبارها مركز انطلاق للمهاجرين نحو الطرف الجنوبي لأوروبا. وفي إيطاليا التي تحضر فيها الجماعات اليمينية للحصول على حصة كبيرة في الانتخابات المقبلة بعد استقالة رئيس الوزراء ماريو دراغي تم استحضار بعبع المهاجرين. واستخدمت جورجيا ميلوني، التي يتوقع المراقبون فوز حزبها المتطرف في الانتخابات، العنف في طرابلس كذريعة للتحذير ودعت المهمة التي يقودها الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط لفرض حظر بحري على شمال أفريقيا ومنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الإيطالية. ووصل في الستة أشهر الأولى من العام الحالي 27.633 مهاجر إلى إيطاليا عبر البحر، بزيادة عن 20.532 عن نفس الفترة في عام 2021 حسب أرقام المفوضية السامية للأجئين التابعة للأمم المتحدة.

#في #معركة #السيطرة #على #طرابلس #ولاءآت #متغيرة #وخلل #بنيوي #وعجز #دولي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد