- الإعلانات -

- الإعلانات -

في يومها العالمي … العنف المزدوج ضد المرأة العربية | عبد الحميد صيام

العنف ضد المرأة ظاهرة كونية منتشرة في دول العالم كافة، وحسب تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2021 فإن امرأة من كل ثلاث نساء في العالم، أي نحو 736 مليون امرأة، بين سن 15 و24 سنة، تعرضن لعنف جسدي أو جنسي، ويشير التقرير إلى أن هذا العنف يبدأ في سن مبكرة، على الرغم من أن عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف لم يتغير كثيرا منذ آخر دراسة أجرتها المنظمة على مستوى العالم عام 2013. ويؤكد التقرير أن في العالم الآن 750 مليون امرأة تزوجن قبل سن الثامنة عشرة، و120 مليون امرأة تعرضن لنوع من الإكراه الجنسي.وفي تقديرات الأمم المتحدة فإن النساء يتعرضن لكلا النوعين من العنف، الجسدي كالضرب، أو الجنسي كالتحرش والابتزاز والاغتصاب والاتجار، والعنف النفسي كالقهر والاضطهاد والتهميش والتمييز. وينتشر العنف بشكل أوسع في الدول الفقيرة قليلة الموارد، حيث تضطر المرأة أن تبحث عن عمل يساعد أهلها أو عيالها على شظف العيش، ما يعرضها لأنواع من الابتزاز والتهديد والمساومة والتحرش. ففي دراسة للأمم المتحدة شملت 24000 سيدة في عشر دول، تراوحت نسبة العنف من 15% في المدن اليابانية إلى 71% في الريف الإثيوبي.

لا صلاح ولا نهضة لأمة وهي تلغي نصف سكان البلاد من برامج التنمية والنهوض، نقاط البداية تكمن في التعليم والتمكين والتوعية للرجال قبل النساء

ولتسليط الضوء على ظاهرة تهميش المرأة واضطهادها وتعرضها للعنف، أقرت الجمعية العامة يوم الثامن من مارس من كل عام يوما دوليا للمرأة، حيث اعتمدت في دورتها الثانية والثلاثين عام 1977 القرار 142/32 الذي خصص هذا اليوم لتسليط الضوء على مجموعة من المظالم التي لحقت بالمرأة عبر التاريخ وما زالت في كل الدول، والعمل على رفع تلك المظالم والتخفيف من المعاناة التي تلحق بالنساء في كل مكان والعمل على إدماجهن في عملية التنمية.وفي عام 1979 تم اعتماد المعاهدة الدولية للقضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة (CEDAW) التي تطلب من الدول المنضمة للمعاهدة كافة، اتخاذ كل التدابير لإنهاء العنف والتمييز والتهميش ضد المرأة وتعديل القوانين لتعكس هذا التوجه. وفي عام 2000 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1325 (2000) الذي يعتبر نقطة تحول في إدماج المرأة في عمليات التنمية والسلام. لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة (2020-2022) تراجع حقوق المرأة أثناء وبعد وباء كورونا، خاصة في أربع مناطق نزاعات، حيث تتعرض النساء والأطفال أكثر للأذى والتشرد واللجوء والاغتصاب والاتجار وهي أفغانستان وميانمار وإثيوبيا وأوكرانيا. ففي أفغانستان سنت حركة طالبان قوانين جديدة لمنع المرأة من التعليم والوظيفة العمومية، وخروجها من البيت دون محرم وسفرها أو مشاركتها في أي نشاط اجتماعي. أما في إثيوبيا فقد زادت نسبة العنف والتحرش والاغتصاب في مناطق النزاع، الذي بدأ عام 2020 في منطقة تغراي، لقد زادت نسبة زواج القاصرات 51% بعد اندلاع الحرب. أما في ميانمار فقد تراجعت المساحة المدنية الآمنة، التي يمكن للمرأة أن تتحرك فيها منذ انقلاب فبراير 2021، وتضاعفت الاعتداءات على النساء خمسة أضعاف عما كانت عليه. كما تعرضت نساء الروهينغا المسلمات للعنف والاغتصاب والتشريد والتحرش الجنسي والتهديد والابتزاز. أما في أوكرانيا فنحو 90% من بين الثمانية ملايين لاجئ من النساء والأطفال. ومن بين المشردين داخليا تصل نسبة النساء والأطفال إلى 68%. أما عدد ضحايا الحرب من النساء والأطفال فتصل النسبة إلى نحو 20%.في المنطقة العربية، تتعرض المرأة لنوعين من الاضطهاد، مرة بسبب الظلم الخارجي الذي يتعرض له كل أفراد الشعب مثل، الاحتلال والحروب الأهلية والاستبداد والقمع وتضييق الحريات وتغول الأجهزة الأمنية والشرطة، ومرة لكونها امرأة تتعرض للعنف الأسري والمجتمعي والوظيفي. في العراق تراجعت حقوق المرأة بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 حيث وصلت نسبة الأمية بين النساء إلى 14% بعد أن كانت صفرا. صحيح أن هناك 98 عضو برلمان، لكن الأمور لا تقاس بالعدد، بل بالتأثير، فقد فشلت النساء في اعتماد قرار في البرلمان ضد العنف المجتمعي، لخمس سنوات متواصلة. كما بلغت نسبة زواج الفتيات دون سن 18 نحو 25%، من بينهن 5.2% دون سن الخامسة عشرة. وفي مصر يشير تقرير للأمم المتحدة (عام 2013) أن 99% من النساء تعرضن لنوع من التحرش الجنسي. في فلسطين المحتلة قتلت 57 امرأة عامي 2020 و2021 تحت يافطة العنف البيتي، أو «جرائم الشرف». ووضع المرأة في مناطق الصراع في سوريا واليمن وليبيا أسوأ بكثير، والتقارير التي توثق الاستغلال الجنسي في سوريا وزواج القاصرات في اليمن وتهميش المرأة الليبية واستهداف الناشطات بالقتل والإخفاء القسري، كثيرة ويوجعنا كثيرا ترداد الأرقام المفزعة. لكنني أود تلخيص بعض أنواع من العنف منتشرة في الوطن العربي من غربه إلى شرقه ولا بد من وقفة رسمية وشعبية للتعامل مع هذه الجرائم التي ما زالت آلاف النساء العربيات يدفعن ثمن تسلط العقلية الذكورية، التي تتغلف أحيانا بفتاوى دينية لا نعرف من أين جاءت. إذ تنتشر جريمة الشرف في مناطق واسعة من الأردن وفلسطين وأرياف لبنان وسوريا والعراق وبعض دول الخليج واليمن وصعيد مصر.. ويقوم بارتكاب الجريمة عادة والد أو أخو أو أحد أقارب الضحية تحت حجة أن الفتاة جلبت عارا ليس لعائلتها المباشرة، بل لكل أفراد العشيرة. وغالبا ما تتهم الفتاة بإقامة علاقات غير مسموح بها خارج إطار العلاقات الزوجية، أو قد يكون السبب تهمة غير موثقة أو خروجا فاضحا على تقاليد العائلة، أو رفض زواج موافق عليه من العائلة، أو وقوع الفتاة ضحية للاغتصاب، وربما الحمل السفاح، فتقوم العائلة بقتل المتهمة للتخلص من الفتاة التي هي أصلا ضحية. ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان عدد اللواتي يقتلن سنويا في العالمين العربي والإسلامي، بما فيها باكستان وتركيا، بخمسة آلاف امرأة.وما زالت ظاهرة تزويج القاصرات دون السن القانونية منتشرة في الكثير من الأرياف العربية، خاصة في دول الخليج واليمن، وقد تفاقمت الظاهرة بشكل كبير في اليمن بعد الحرب لتصل إلى 60%، من بينهن 14% دون سن الخامسة عشرة. كذلك شهدت الظاهرة اتساعا كبيرا في كل من سوريا والعراق، بسبب النزاعات الداخلية. والمشكلة ما زالت بحاجة إلى تصد وتقنين لحماية القاصرات من تجبر الآباء، أو أزواج الأمهات، أو الإخوة، وهو ما قامت به الأردن مؤخرا لكن التطبيق قد لا يسير بكل سهولة. وما أكثر الفتاوى والتراخيص التي تتيح التعدد تحت مسميات عديدة، فالفهم البسيط لمقاصد الشريعة يؤكد أن الرخصة الضيقة التي سمح بها الإسلام للتعدد أقرب إلى المنع منها إلى الإباحة، فبعد أن ربط التعدد باليتامى «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا» أي وجود عذر شرعي عام وشامل على مستوى البلاد، عاد ووضع شرطا آخر أكثر صعوبة وهو العدل. «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة». لكن ما زال هناك من يجيز لنفسه أن يدمر نفسيا الزوجة الأولى وأطفالها بزواجه من أخرى أصغر سنا، وأكثر الفئات التي تمارس تعدد الزوجات هم الأغنياء الموغلون في غناهم والفئات الأكثر فقرا وتخلفا وبدائية. بينما تقل حالات التعدد نسبيا لدى الفئة الواعية المثقفة من أبناء الطبقة الوسطى، وقد بدأت الدول العربية تعتمد كثيرا من القوانين والشروط لتقنن موضوع التعدد، فتشترط موافقة الزوجة الأولى، أو موافقة القاضي على الزواج بعد التيقن من مبرراته الموضوعية، أو منعه كليا كما هو الحال في تونس.الختان، تسللت هذه العادة الافريقية الذميمة إلى مصر قبل العهد الفرعوني، خلال الاحتلال الإثيوبي السوداني لمصر، وحسب الاعتقاد السائد يتم وهب الجزء المبتور قربانا لإله الخصوبة، وما زالت هذه العادة المغرقة في بدائيتها منتشرة في أرياف مصر والسودان والقرن الافريقي وموريتانيا. ويصل عدد الفتيات والنساء المختونات في العالم إلى 130 مليونا. ورغم منع هذه الظاهرة في أكثر من بلد واستصدار القوانين ضد المخالفين، وقيام عشرات الجمعيات الأهلية التي تثقف النساء والرجال ضد هذه العادة، إلا أن ممارستها ما زالت قائمة ويعطيها البعض بعدا دينيا. هذه الممارسات العنيفة التي تتعرض لها النساء العربيات نتيجة لبعض العادات القبلية والبدائية المتأصلة التي فرضتها ثقافة الهيمنة الذكورية، التي تعامل المرأة كجسد يباع ويدفن تحت الجلابيب والبراقع، دون التفاتة للجانب العقلي للمرأة، والذي لو أتيح له أن ينطلق نحو الإبداع لشهدت البلاد العربية ملايين النساء المبدعات والمثقفات والقائدات والرائدات والعالمات والمسيسات. فلا صلاح ولا نهضة لأمة وهي تلغي نصف سكان البلاد من برامج التنمية والنهوض. نقاط البداية تكمن في التعليم والتمكين والتوعية للرجال قبل النساء.محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

#في #يومها #العالمي #العنف #المزدوج #ضد #المرأة #العربية #عبد #الحميد #صيام

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد