- الإعلانات -

- الإعلانات -

قيس سعيّد وديكتاتوريته الناعمة.. أي مستقبل ينتظر تونس؟ – رصيف22

هل صحيح ما تتداوله ألسنة المواطنين في الشارع عن رئيس الجمهورية التونسي، قيس سعيّد، ومفاده أنه يخوض معركةً تحت مسمى الحكم الفردي، أو “الديكتاتورية الناعمة”، ضدّ مختلف الأطياف السياسية والثقافية والمؤسسات النقابية وحتى المعارضين له، وبحصانة شعبية؟يأتي هذا الاستفهام كنتيجة لتصريحات الرئيس سعيّد المتتالية، التي تضمنت نيته إعادة ترشحه لولاية رئاسية ثانية العام المقبل، وما سبقها من شكوك وتعقيب حول تدهور حالته الصحية التي، إن صحّت، من الممكن أن تفتح المجال لجملة من الأزمات الجديدة القاسية التي قد تواجهها تونس، ويحبس معها الجميع أنفاسهم أمام أي تعقيدات قد تربك قمة هرم السلطة.لا صوت يعلو فوق صوت “المؤامرة”في كل مرّة يعتلي فيها رئيس الجمهورية المنبر، تفوح من خطاباته رائحة “نظرية المؤامرة” التي تُحاك ضدّ مساعيه لإعلاء صوت الشعب والوطن. فحديثه المتكرر عن هذا المصطلح، وحتى نفيه وجود أزمة في البلاد واتهامه أطرافاً مجهولةً بافتعال هذه الأزمات، والوعيد بملاحقتهم، أسلحة يتحصّن بها سعيّد من أي هبَّة غير متوقعة في الشارع التونسي، كما لو أنها حقنة مسكنة أو مصل يحميه من المضاعفات الخطيرة لخطاباته التي أكسبها نبرةً خاصةً ونغمةً باتت مألوفةً في العالم كله.حديث رئيس البلاد عن أن “المناصب والقصور لا تهمه، وما يهمه هو الوطن، وأنه ليس على استعداد لتسليم الوطن إلى من لا وطنية لهم”، وفي المقابل قوله إن قرار الترشح لولاية ثانية أمر سابق لأوانه، برغم أنه صرح في الوقت نفسه بأنه “لن يتخلى عن المسؤولية”، يثيران التساؤلات حول طبيعة التغيرات التي ستطرأ في المرحلة القادمة، ونواياه الحقيقية للبقاء في الحكم من عدمه، ومن يقصد بغير الوطنيين، وكيف سيتم تمييز الوطني من اللا وطني، وفق منظوره؟يبدو أن الحنين إلى الديكتاتورية ظلّ يخالج شعور الرئيس التونسي، إلا أنها قد تكون ديكتاتوريةً مزيّنةً بثياب العفة والنقاء ومسنودةً بإرادة الشعب المنحاز لهذا الرجليرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية خالد الدبابي، أن التعاطي مع مسألة عُهدة رئاسة الجمهورية تمّ بطريقة سيئة منذ البداية، مضيفاً: “أذكر أن الأحكام الانتقالية لدستور 2022، لم تتعرّض لإجراء انتخابات رئاسية خلافاً لما تم مع الانتخابات التشريعية. وهذا الأمر كان منطقياً وسليماً لأنه تم إثره صدور دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ، وتالياً لا بد من إجراء انتخابات جديدة تهم جميع السلطات، في حين أن رئيس الجمهورية ارتأى أن يحافظ على العهدة الرئاسية التي بدأ بها بمقتضى دستور 2014، هذا الدستور الذي ألغاه هو بنفسه”.يستنتج محدث رصيف22، أن أستاذ القانون سعيّد، وبصفته رئيساً للجمهورية، بات يستند إلى مشروعية دستورية منتهية، في حين أن السلطات الأخرى تستند إلى مشروعية دستورية جديدة وهي دستور 2022.وفي ما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية، يرى خالد الدبابي، أن هذه العهدة تنتهي بعد خمس سنوات من بدايتها، أي سنة 2024، ومسألة الترشح لا تزال غامضةً، لكن “علينا أن نصرّ ونلحّ على أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تُدار في كنف الديمقراطية وتسودها مبادئ تكاتف الفرص والشفافية والنزاهة”، خاصةً أن شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية تشوبها العديد من النقاط التمييزية، فمثلاً مسألة الاكتفاء بالتونسيين ذوي الجنسية الواحدة، وإقصاء المكتسبين لجنسيات أخرى، وثانياً شرط أن يكون المترشح مسلماً، وكيفية التثبت منه، وما معناه؟ لأن الإسلام شيء والمواطن التونسي شيء آخر وحق الترشح يجب أن يكون مكفولاً لأي مواطن.للوطنية مقاييس… أثار حديث رئيس الجمهورية عن مفهوم الوطنية و”أنه لن يكون خليفته مواطناً غير وطني”، حساسيةً لدى أطياف واسعة من المحللين وحتى من معارضيه. وقال المتخصص في تحليل الخطاب السياسي منير الشرفي، أن كلمات الرئيس قيس سعيّد، “غير المفهومة”، أظهرت وكأنه هو المسؤول عن توزيع الوطنية بما يشمل هذا المعنى من هوية ووطن، لأن الشعب وحده من سيختار رئيسه عبر صناديق الاقتراع، وفي خلوة تتيح له عدم الخضوع لأي ضغوط، وفق قوله.أكد منير الشرفي، لرصيف22، أن هذه التصريحات تحدّ من قيمة الانتخابات التي هي أساس الديمقراطية، مستبعداً أن يكون هناك شخص له القدرة على امتحان غيره أو تقرير مدى وطنية المترشحين للانتخابات مهما كانت قيمته أو شعبيته أو تجربته في الحياة.أثار حديث رئيس الجمهورية عن مفهوم الوطنية و”أنه لن يكون خليفته مواطناً غير وطني”، حساسيةً لدى أطياف واسعة من المحللين وحتى من معارضيهولأن سياسة قيس سعيّد تتجه نحو بناء منظومة سياسية على قياسه، ولا وجود لها إلا في مخيلته، رأى الشرفي أن انتخابات سنة 2024، قد تصبح صوريةً بدليل إجرائه جملةً من التغييرات في المشهد بطريقة أحادية، مثل تعطيل العمل بالدستور ومن ثم تغييره، وحلّ البرلمان وإقامة انتخابات تشريعية أفرزت مجلس نواب جديداً بنسبة مشاركة لا تتجاوز 11 في المئة، وحل المجالس البلدية واستبدالها بمجالس خاصة وتعيين أعضاء مجلس قضاء جديد وتغيير هيئة الانتخابات. ومع تواتر هذه التغييرات التي تتجه نحو قطع كل صلة بالماضي، يتصاعد الحديث عن التآمر على أمن الدولة في خطاباته، وهي “كلمة خطرة جداً” وفق محدثنا، لأنها تهمة قد تؤدي إلى الإعدام لكن للأسف لا يوجد إثبات لهكذا قضية بهذا المستوى من الخطورة.الرئيس ومعركته ضد الإخوانلطالما وعد رئيس تونس بمحاربة الفساد وتوعّد بإيقاف الساعين إلى ضرب الدولة والتآمر على أمنها بالملاحقة، إلّا أن الكرة الأخيرة التي رماها في مرمى حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، قد أفاضت كيل الأحزاب المتخوفة من أن يمسّها سعيّد ولو برأي. يُذكر أن رئيس البرلمان المنحل وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، أو كما يطلَق عليه حزب الإخوان، قد قال في فيديو راج على مواقع التواصل الاجتماعي ولم يُنشر على صفحة جبهة الخلاص الوطني، “إنه لا يجب التسامح مع كل من تورطوا مع الانقلاب (في إشارة إلى حراك 25 تموز/ يوليو)، واصفاً إياهم بالإرهابيين والاستئصاليين ودُعاة حرب أهلية”.لم يكن يعلم الشيخ راشد الغنوشي، أن كلمةً مسربةً له قد تؤدي إلى توقيفه، وتوقف نشاط قياداته وترجح كفّة البحث عن ثغرات لحلّ حزبهلم يكن يعلم الشيخ راشد الغنوشي، أن كلمةً مسربةً له قد تؤدي إلى توقيفه، وتوقف نشاط قياداته وترجح كفّة البحث عن ثغرات لحلّ حزبه. فحسب آخر التسريبات، قد يتم في الفترة القادمة الإعلان عن حلّ حركة النهضة بصفة قانونية ونهائية.يفسّر المحلل السياسي مراد علّالة، تصرفات الرئيس سعيّد بأنها نابعة من الخوف من نفاد الأوراق التي بيده كافة، والتي من المفروض أن ترفع من قيمة شعبيته إلى ما كانت عليه عند بداية ترشحه. وتساءل عن مدى تخطيط قيس سعيّد، لخطوة اعتقال راشد الغنوشي؟ وهل ستكون بالفعالية والاستجابة الشعبية اللتين يجب أن تحصل عليهما، خصوصاً في ظل الانتشار الواسع لمنخرطي حزب النهضة في ربوع تونس كلها؟ وكيف سيكون رد الدول الأجنبية على هذه الحركة الأحادية؟ويرجح محدّث رصيف22، أن عامل الوقت وحده هو الكفيل بحسم المعركة التي يخوضها رئيس البلاد ضدّ المعارضة التي حاولت التصدي له منذ أوّل وهلة، لأنها تعلم مسبقاً أن نجاح معركته ضد حركة النهضة تعني أنه قضى فعلياً على المعارضة، واقتلعها من جذورها، وتالياً ستندثر جبهة الخلاص وسيخبو حراك الناشطين والسياسيين والنقابيين.أي مستقبل ينتظر تونس؟لعلّ من يتبصّر في واقع الحال، وما يقف من أهداف خلف الصراع المعنوي الذي تشنّه السلطة الحاكمة ضدّ كل ما تعدّه فساداً وضلوعاً في تخريب أحوال العباد والبلاد، سيعثر بالتأكيد على الأهداف الحقيقية وراء شنّها، ومن يقف خلفها، وما يقف خلفها من مصالح تخدم الشعب التونسي، وسيستشعر حتماً السيناريوهات التي ستُفضي إليها ديكتاتورية قيس سعيّد الناعمة.وفي هذا الخصوص، يعدّد المتخصص في تحليل الخطاب السياسي منير الشرفي، المآلات الممكنة لهذا الوضع والسيناريوهات المطروحة، قائلاً إن السيناريو الأول لنتيجة سياسة الرئيس للبلاد هي عدم الانفتاح على طاقات شبابية قد يكون الحل بيدها برغم تواصل الرئيس مع الكفاءات الموجودة في كل الميادين، والسبب هو أنه لا يستمع إلى آرائها وحلولها للمشكلات الاقتصادية.أما السيناريو الثاني، كما يتوقع الشرفي، فهو أن يصطف عدد كبير من المواطنين والأحزاب والمنظمات وراء مبادرة اتحاد الشغل والرباعي التي يبدو أنها تمهّد لحوار مهم وعميق ومنفتح على الجمعيات والمجتمع المدني لبحث مشكلات البلاد بطريقة مغايرة، برغم مواصلة الرئيس رفضه لها، وتالياً ستتضاءل حظوظه الشعبية وسيخسر فرصة توليه رئاسةً ثانيةً. لكن إن احتدمت المعركة أكثر، وفق محدثنا، فإن السيناريو الأخير والأخطر سيكون الدخول في مرحلة من العنف، وهو ما يتطلب تلافيه جهوداً وتنازلات من السلطة والمعارضة على حدّ سواء.يبدو أن الحنين إلى الديكتاتورية ظلّ يخالج شعور الرئيس التونسي، إلا أنها قد تكون ديكتاتوريةً مزيّنةً بثياب العفة والنقاء ومسنودةً بإرادة الشعب المنحاز لهذا الرجل الذي يؤكد دائماً أنه لا مجال سوى للّعب بطريقة دفاعية عندما يتعلق الأمر بسيادة الدولة وشعبها.

#قيس #سعيد #وديكتاتوريته #الناعمة. #أي #مستقبل #ينتظر #تونس #رصيف22

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد