لوحة “شابة مع الفاوانيا”.. الوجه المظلم لطليعة المثقفين الفرنسيين

في وقت كانت فيه العبودية قد ألغيت بموجب قانون رسمي في فرنسا. كان الكثير من ذوي البشرة السوداء يُعاملون كأنهم غير موجودين.

كانت باريس عاصمة للفنون التشكيلية والشعر والأدب منذ منتصف القرن الـ19 إلى حدٍ بعيد. ضمت فرنسا العديد من المتاحف وعرضت آلاف اللوحات واستقر فيها مئات الكُتّاب والفنانين من جنسيات مختلفة. هذا هو الوجه الأكثر تصديرًا للعالم وتسجيلا في كتب التاريخ.

على الجانب الآخر، كانت فرنسا مرتعًا لأكثر الأوضاع عنصرية وإهانة للعرق الأسود بعد أن جلبت في حروبها الاستعمارية آلاف الضحايا عبيدا لخدمة ذوي النفوذ من الطبقات الأرستقراطية والبرجوازية الفرنسية.

كان التعامل مع العرق الأسود كأنهم خلقوا ليكونوا عبيدًا للرجل الأبيض مترسخًا في ثقافة الأوروبيين، حتى إن أكثر الفئات ادعاءً للثقافة والفنون كانوا يعتمدون على العبيد مادة فنية للوحاتهم التي ساعدت بدورها في ترسيخ تلك الثقافة أكثر فأكثر.

واحدٌ من صفوة تلك الطبقة هو الرسام الفرنسي جان فريدريك بازيل (السادس من ديسمبر/كانون الأول 1841- 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1870)، الذي اعتمد في العديد من أعماله على الطبيعة والرسم في الهواء الطلق وفق المذهب الانطباعي، لكن في الوقت نفسه كان لا يأنف من تمثيل أكثر الأوضاع بؤسًا للعرق الأسود بوصفها مواضيع فنية.

انضم بازيل إلى أستوديو لتدريس الفن الأكاديمي حيث التقى عددا كبيرا من الرسّامين الطليعيين، منهم مونيه ورينوار وسيسلي، الذين رأوا انجذاب  الاتجاهات للفن الطليعي، وقد كان بازيل وعدد كبير من رفاقه الأكاديميين قد توجهوا نحو العمل في الطبيعة حتى ظهر ما يعرف بالمذهب الانطباعي في الرسم.

ومع ذلك انقطع إنتاج بازيل عندما قُتل عام 1870 أثناء الحرب الفرنسية البروسية، تاركًا وراءه عددا قليلا من اللوحات المهمة التي لا يزال يُستدل بها حتى اليوم على الأوضاع التي قاسى منها ذوو البشرة السوداء في البلاد التي تطلق على نفسها “عاصمة النور”.

 

شابة مع الفاوانيا

رسم بازيل في أواخر ربيع عام 1870، قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب الفرنسية البروسية التي قُتل فيها، واحدة من اللوحات الأيقونية التي تعد حتى اليوم نموذجا على الوضع الاجتماعي الذي كان يعيش فيه ذوو البشرة السوداء. شابة مع الفاوانيا، أو امرأة سمراء مع الفاوانيا، لشابة سمراء تنسق الزهور وهي تنظر نحو الرسّام بحزن. ترتدي غطاء رأس وتنسق الزهور مختلفة الألوان أمام جدار رمادي.

شأن بازيل في ذلك شأن كثيرين. فقد رسم رائد المدرسة الانطباعية كلود مونيه لوحة شبيهة يُظهر فيها خادمًا أسود يحضر باقة من زهور الفاوانيا إلى عاهرة مستلقية على السرير.

بازيل أيضًا رسم نسخة أخرى للمرأة نفسها تدير وجهها عن الرسام لتتابع تنسيق الزهور. وهي موجودة حاليًا في مجموعة المعرض الوطني الفرنسي للفنون.

يصور العمل امرأة سوداء تمسك بيد واحدة حفنة من الفاوانيا في سلة، في حين تمد يدها الأخرى ببعض زهور الفاونيا نحو الرسام أو المشتري.

الاستعباد جزء طبيعي من الحياة اليومية

تعتبر لوحة بازيل في سياقها ووقتها (عام 1870) موضوعًا ذا رمزية شديدة. آنذاك، كانت فكرة أن امرأة سوداء أو رجلا أسود يعمل خادما أو في وظائف كان المجتمع البرجوازي الفرنسي يعتبرها وضيعة، مسألة عادية مترسخة في جينات المجتمع الأوروبي كله وليس الفرنسي فقط، على الرغم من أن اللوحة رُسمت في الفترة التي أعقبت الإلغاء الفرنسي النهائي للعبودية الإقليمية في عام 1848.

على هذا النحو، فإن الموضوع يتبع المدرسة الواقعية، على الرغم من أبعاده السياسية التي كانت تعتمد مواضيع وتفاصيل يومية حقيقية بعيدًا عن الأعمال التوراتية أو الأسطورية التي سيطرت في العصور الوسطى.

النموذج الذي يستخدمه بازيل في هذه اللوحة، وهو الشابة السوداء، من المفترض إذن أنها ليست أَمة أو جارية بل امرأة حرة. فلماذا تظهر عكس ذلك؟

ترى المؤرخة الفنية جوليا حنا أن بازيل على عكس مونيه لم يضع ذوي البشرة السوداء في لوحاته بوصفهم خدما للعاهرات شديدات البياض بشكل يجعلهم مهمشين للغاية. هو عوضًا عن ذلك يعطيها هنا مساحة لتفصح عن هويتها وتنظر نحو الرسّام/ المشاهد/ المشتري، في الوقت الذي لا تزال فيه ثيمة العبودية مسيطرة على اللوحة.

ففي الوقت الذي كانت فيه العبودية قد ألغيت بموجب قانون رسمي في فرنسا، كان الكثير من ذوي البشرة السوداء يُعاملون كأنهم غير موجودين. مونيه ومانيا وبازيل وغيرهم كثيرون استمروا في تصوير ذوي البشرة السوداء كأنهم عبيد، فحتى لو حصلوا على حريتهم الشخصية فإنهم يظلون في أدنى درجات السلم الاجتماعي بسبب لون بشرتهم.

#لوحة #شابة #مع #الفاوانيا #الوجه #المظلم #لطليعة #المثقفين #الفرنسيين

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد