- الإعلانات -

- الإعلانات -

ليالي المديح في موريتانيا.. أهازيج تقليدية من الأرجاء البدوية إلى الأنحاء الحضرية

 مهرجان ليالي المديح النبوي فرجة روحية فنية يراها سكان مدينة نواكشوط فرصة للترويح عن نفوسهم المتعبة.

نواكشوط – في نسخته التاسعة وبعد التوقف مؤقتا بسبب إجراءات كورونا، تعم أهازيج مهرجان ليالي المديح النبوي أرجاء العاصمة الموريتانية نواكشوط من جديد، حيث يُحيى ذكر صفات النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان.

5 ليال متتالية من المديح النبوي المكثف، أنعشها عشرات من المداحين القادمين من مختلف ولايات البلاد الداخلية، وهم أصحاب الحناجر الذهبية التي نشأت على حب هذا الفن الشعبي الأصيل المتجذر في الذاكرة الشعبية الموريتانية.

ويعد مهرجان ليالي المديح النبوي فرجة روحية فنية يراها سكان مدينة نواكشوط فرصة للترويح عن نفوسهم المتعبة من أجواء العاصمة الكئيبة، وفق تعبير بعضهم.

وبالرغم من أن هذا الفن نشأ في القرى والبوادي فإن ذلك لم يمنع سكان العاصمة من التوافد على أسماره والتكدس على سهراته، والتي تتواصل بلا انقطاع حتى أوقات السحور، وقد استقطب المهرجان أكثر من 8 آلاف مرتاد، جماهير غصت بهم ساحة المعرض وسط الأحياء الشعبية في نواكشوط وأشعل حماسهم؛ بل أدهش بعروضه المذهلة الأجانب الحاضرين من ألمانيا وفرنسا ودول أخرى.

نشأ هذا الفن في القرى والبوادي، لكن هذا لم يمنع سكان العاصمة من التوافد على أسماره والتكدس على سهراته (الجزيرة)

نصوص شعبية وألحان عذبة

تعد ليالي المديح مناسبة موسمية ثمينة يصدح فيها المداحون التقليديون بحماس ملتهب بحب النبي عليه السلام بأعلى أصواتهم، ويعلنون بحناجرهم الغنائية المميزة عن قوة شوقهم لرؤيته وزيارة الأماكن المقدسة.

ويردد هؤلاء المداحون نصوصا شعرية شعبية بالعامية حفظوها من آبائهم وأجدادهم تحمل في مضامينها ودلالاتها الصفات الخَلقية والخُلقية للنبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلى أصحابه وزوجاته وذكر الأماكن المقدسة، والتعبير بصدق باد عن مدى الشوق له.

والكلمات الملحنة بأصوات عذبة مع قرع الطبول تثير مشاعر محبة النبي عليه السلام في نفوس الحاضرين وتبعث فيهم الحماس فيصفقون ويتمايلون ويتراقصون.

يقول محمد عال بلال مدير مركز ترانيم للجزيرة نت “إن أهم ما يميز هذا الفن هو البعد الروحي لقداسته وتركيزه على السيرة النبوية العطرة وتوحيد الله سبحانه وتعالى وتمجيد آل البيت والصحابة الأبرار”.

هذا بالإضافة إلى أن صرخاته وأهازيجه هي في الأصل تعبير عن معاناة ممارسيه، فالبحث عن الشفاعة وذكر العدالة والرحمة والمودة والغزوات وسعة رحمته تعالى؛ مواضيع من بين أخرى تعبر عن مشاعر وعواطف صاحبها، الذي ينظمها على شكل قصائد يمكن الترنم بها على إيقاع الطبل، ليعبر من خلالها عن معاناة ومآسي تحتاج إلى التشخيص.

عزف وقرع وأهازيج

تتكون فرقة المداحين على المسرح من 25 عضوا من النساء والرجال تزيد وتقل، ويتناوب هؤلاء على المديح وإلقاء النصوص وتلحينها، وفي تلك الأثناء يقف بالقرب عازف الناي الذي يسمى محليا “بالنيفارة” وهي من الفنون الموسيقية المرتبطة قديما بحياة الرعاة وسكان المناطق الصحراوية، لها جمهور عريض وتعزف رفقة الكلمات الغنائية المديحية لتضفي عليها رونقا حماسيا مذهلا.

ضرب الدفوف وقرعها وأهازيج “أسكي” أمور لا غنى عنها في المديح منذ نشأته، ويرى بعض الباحثين أن ما يميز أهازيج المديح الموريتاني عن غيره من الأهازيج الدينية العربية، هو أنه فن شعبي مستقل ليس له مرجعية ولا أصول صوفية، وحتى الآن ليست هناك أي فرقة صوفية تتبنى هذا الفن أو تدعي علاقتها به.

جانب من حضور سهرة من سهرات المديح (الجزيرة)

حناجر تنشد العدالة

وإن ارتباط المدح الشعبي بشريحة “الحراطين”؛ هو أمر لم يكن اعتباطا ولا يعتبر غريبا نظرا لبعده التعبدي الروحي والتحرري، ووفق ما صرح به مدير مركز ترانيم للفنون الشعبية محمد عالي بلال للجزيرة نت فإن “الحراطين” من خلال ممارسة هذا الفن ينشدون العدالة الاجتماعية، لأنها شريحة عانت منذ زمن بعيد من الظلم والقهر، لذلك وجدوا متنفسا حقيقيا في المدح الذي يجتمع حوله الكل ويتمناه.

ويضيف ولد بلال “لم تكن سهرات المديح مرتبطة فقط بالمناسبات الدينية، بل كانت ممارستها تشكل ھروبا من واقع تعيشه طبقة مسحوقة من المجتمع. وھي طبقة الأرقاء (العبيد) قديما التي احتضنت هذا اللون وحافظت عليه، بوصفه مهدئا روحيا يجعلها ولو للحظات تخرج من واقع مر، لتعبر من خلال المديح عن آلامها ومأساتها، فكان التقرب إلى الله تعالى والتضرع لسيد الأمة محمد صلى الله عليه وسلم أهم ما ميز لغة المديح”.

تصفيق الجمهور وتفاعله مع الأهازيج (الجزيرة)

دمج واحتواء

وقد اشتهرت مناطق الشمال والجنوب في موريتانيا بهذا الفن الشعبي وازدهر فيها منذ زمن بعيد خصوصا المدن الأثرية منها؛ كشنقيط ووادان، وقد شكل مهرجان ليالي المديح الذي ينظم منذ سنوات من مركز ترانين فرصة للم شمل المبدعين من مختلف المناطق.

الفنانة الشعبية “تسلم” (50 عاما) القادمة من قرية النمجاط في أقصى الجنوب الموريتاني تقول للجزيرة نت إنها تمارس هذا الفن منذ عشرات السنين، وقد ورثته من آبائها، ولا تعرف كيف حفظت هذه النصوص ولكنها تضيف “هذا المهرجان مثّل لي الكثير وأتاح لي الفرص لتطوير مهارتي في هذا الفن، وإضافة لمسات جمالية عليه جعلته يناسب أهل المدن والحضر واستخدمت فيه أدوات لم تكن معروفة لدينا في البادية”.

ويقول مسؤول الدراسات في ترانيم الأستاذ محمد سيدي “إن المشاركين استفادوا من دوارات تكوينية وتدريبية على فنيات الإلقاء والعرض أمام الجمهور، وتميزت هذه النسخة بحضور مميز للفئات الشابة الممارسة لهذا الفن”.

المهرجان كان فرصة لقاء وتكوين للفنانين المشاركين (الجزيرة)

موروث مشترك يستحق التدوين

مما يميز هذا الفن الموريتاني الصحراوي أنه فن قروي اقتصرت ممارسته منذ القدم على شريحة “الحراطين” من الأرقاء السابقين، ولكنه في نفس الوقت يحظى بقبول ومكانة خاصة بين مختلف مكونات الشعب الموريتاني.

ولأن المدح النبوي الشعبي هو أبرز الفنون الشعبية لبعده الروحي ولكونه أحد الفنون التي يجتمع حولها كل الموريتانيين فقد حظي بمكانة خاصة لدى مركز ترانيم لتطويره، وفق تعبير محمد سيدي الذي أكد للجزيرة نت أنهم عملوا على “تدوين المدح وحفظه، وذلك من خلال كتابته وتوثيقه، فقد عمل المركز حتى الآن على طباعة ما يزيد على 200 مدحة و كرزة وإعداد ألبوم مديحي عصري بمواصفات عالمية (إسكي) يحتوي على 26 مدحة وسير ذاتية للمداحة المشاركين فيه، وكذلك تعريفات للآلات الموسيقية المصاحبة لهذا الفن باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى تشجيع ممارسيه من خلال التكوينات والتدريبات والتكريمات”.

ويبقى مهرجان ليالي المديح فرصة لتسليط الضوء على ثقافة المدح وتاريخه ودوره في إحياء الترابط والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع الموريتاني المتنوع.

#ليالي #المديح #في #موريتانيا #أهازيج #تقليدية #من #الأرجاء #البدوية #إلى #الأنحاء #الحضرية

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد