مئوية استقلال مصر.. من هي أول دولة عربية استقلت رسميا عن المحتل الأوروبي عقب الحرب العالمية الأولى؟

يحل اليوم الثلاثاء 15 مارس، ذكرى مئوية استقلال مصر رسميا عن الاحتلال البريطاني، ففي مثل هذا اليوم لعام 1922، تم الإعلان رسميا عن استقلال مصر وإنشاء المملكة المصرية، بموجب تصريح 28 فبراير الصادر من بريطانيا التي أعلنت إنهاء الحماية البريطانية على مصر، وأن مصر أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، الأمر الذي يرى معظم المؤرخين أنه كان استقلالا صوريا، لكنه في الوقت ذاته كان خطوة واسعة لتحقيق الاستقلال التام بعد نحو 3 عقود، وكذلك خلق مناخ سياسي ودستوري جديد في البلاد.

تعتبر مصر أول دولة عربية تحصل على استقلالها رسميا عن الحماية الأجنبية بعد الحرب العالمية الأولى، وبينما أصبحت مصر دولة ذات سيادة بعيدا عن الحماية البريطانية، كانت تناضل العديد من الدول العربية للحصول على استقلالها، فكيف ومتى حصلت بقية الدول العربية على الاستقلال؟

وضع خاص لسوريا

تعتبر سوريا صوريًا أول دولة أعلنت استقلالها في المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى، وحتى قبل مصر، وتحديدا في مارس 1920 عقب انسحاب الدولة العثمانية المهزومة في الحرب، لكن فرنسا بادرت لتكريس سيطرتها المطلقة على سوريا وفقا لاتفاق مكتوب بين أمير سوريا فيصل بن الحسين (نجل شريف مكة الحسين بن علي، وهو الذي سيتولى حكم العراق لاحقا) وبين رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو على إقامة انتداب فرنسي في الأراضي السورية باعتبار أن الشعب السوري لا يستطيع حكم نفسه وإدارة شئونه في تلك الفترة، كما تضمن الاتفاق منح الدروز حكما ذاتيا والاعتراف باستقلال لبنان تحت الانتداب الفرنسي.
تحدى التيار الوطني السوري في مؤتمره العام الأول في مارس 1920 هذا الاتفاق وأعلن تأسيس مملكة سورية تحت حكم فيصل بن الحسين، وتم إقرار نظام تأسيسي مختصر للدولة وعلم لها مأخوذ من علم الهاشميين.
لكن هذا الاستقلال الصوري لم يصمد بضعة شهور، ففي يوليو من العام ذاته دخلت القوات الفرنسية سوريا وألحقت بالجيش الوطني الضعيف هزيمة كبيرة وأعلنت قيام حكم انتداب فرنسي في سوريا ولبنان، ورُفع بدلا من العلم العربي علما أزرق بهلال أبيض يعلوه علم فرنسا، وبقيت الحال هكذا حتى انسحبت فرنسا رسميا من سوريا ولبنان عام 1946، وتم تأسيس الجمهورية السورية، وهو ما يعتبر الاستقلال الرسمي للدولة.

العراق ثاني دولة عربية تحصل على الاستقلال

ظلت العراق تحت الحكم العثماني لفترة طويلة، وخلال الحرب العالمية الأولى استولت بريطانيا العظمى عليها ووضعتها تحت الانتداب البريطاني وفي عام 1912 تم تنظيم حكم مملكة هاشمية في العراق تحت الحماية البريطانية، وفي 3 أكتوبر لعام 1932 تم إنشاء مملكة العراق المستقلة، مع بقاء العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين بريطانيا والعراق كما هي، مما أدى لقيام العديد من الثورات ضد البريطانيين، وفي يوليو 1958 تمت الإطاحة بالنظام الملكي في العراق، ثم تبعه سلسلة من الحكومات المدنية والعسكرية في العراق.

المملكة العربية السعودية والتأسيس عام 1932

على الرغم من مطامع القوى الأوروبية في الجزيرة العربية، إلا أنها خشيت أكثر من مرة من الإقدام ومحاولة السيطرة رسميا على أكبر مناطقها نجد والحجاز التي تمثل قلب المملكة العربية السعودية.

كلفت الدولة العثمانية محمد علي والي مصر بمهاجمة الدولة السعودية الأولى في عاصمتها الدرعية، واستطاع ابنه إبراهيم باشا احتلالها وهدمها، وحمل أئمتها معه إلى مصر، لأنه كان يعلم أنه لن يستطيع البقاء بها.

قال الكاتب الفرنسي فيلكس مانجان، الذي كان قريبا من محمد علي في كتابه مصر في عهد محمد علي، “إن دولة السعوديين ستعود أقوى مما كانت عليه” وذلك على الرغم من انتقال حكم الحجاز إلى الأسرة الهاشمية التي قادت ثورة ضد الحكم العثماني وتحالفت مع بريطانيا، ثم دخلت في صراع طويل مع الأمير عبدالعزيز بن سعود (الملك المؤسس فيما بعد).

غزا الملك عبد العزيز آل سعود الحجاز عام 1926، واستولى عليها من يد الهاشميين، ليصبح ملكا لها، وفي عام 1932 وبعد كفاح طويل شاركت فيه الأسرة السعودية وكانت المحرك لكثير من أحداثه، أعلن الملك عبدالعزيز آل سعود تأسيس دولة المملكة العربية السعودية وأصبح هو ملكها والتي أصبحت أول دولة حديثة مستقلة في شبه الجزيرة العربية.

كيف استقلت بقية الدول العربية؟

خلال النصف الثاني من القرن 19، تم نشر أفكار الاستقلال الوطني والحكم الذاتي في الوطن العربي من قبل منظمات مثل الحزب الوطني في مصر، والعثمانيون الشباب، ثم الشباب التركي في الإمبراطورية العثمانية، والجمعيات العربية السرية في بيروت ودمشق، والشباب التونسي، وخلال أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20 بدأت هذه الجماعات في تنظيم مظاهرات قومية، وتحدى البعض بشكل مباشر الحكم الإمبراطوري للبريطانيين والفرنسيين و الأتراك العثمانيين.

وفي العقود التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة ، بدأت الإمبراطوريات الأوروبية الرسمية في الشرق الأوسط في الانهيار، حيث انسحبت فرنسا من سوريا ولبنان عام 1946 بعد العديد من الاشتباكات الدامية مع شعوب البلدين المقاومين للاستعمار.

وفي العام نفسه أُعلن عن تحول إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها.

في نوفمبر 1954 اندلعت أحداث ثورة التحرير الجزائرية ضد الفرنسيين والتي سقط فيها ملايين الشهداء وانتهت بحصول الجزائر على الاستقلال في 18 مارس 1962.

أما المغرب فقد كانت تحت الحماية الإسبانية والفرنسية، وقد بدأت حركة التحرر فيها تأخذ شكلا شعبيا خاصة في الريف عام 1934 حينما طالبت الحركات الوطنية بإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية من خلال وثيقة أطلق عليها اسم وثيقة مطالب الشعب المغربي، وبعد جهود كبيرة ومقاومة شعبية أعلنت المغرب استقلالها عام 1955 بالرغم من أن بعض المناطق فيها كانت واستمرت تحت الحماية.

استقلت ليبيا رسميا عام 1951 بتأسيس المملكة الليبية المتحدة خلفا لحماية مشتركة بين إيطاليا وبريطانيا على الرغم من هزيمة روما المنكرة في الحرب العالمية الثانية، وسلمت لندن الشئون الإدارية والمالية لحكومة ليبية وطنية.

حصلت السودان والمغرب وتونس على الاستقلال عام 1956، ثم لحقت بهم الكويت عام 1961، والجزائر في العام الذي يليه، ثم عمان عام 1970، وأخيرا قطر والبحرين والإمارات آخر عام 1971.