- الإعلانات -

- الإعلانات -

مصطفى أمين وتضامن المرأة | المصري اليوم

اشترك لتصلك أهم الأخبار

لقائى الأول بالكاتبة الراحلة الدكتورة نوال السعداوى كان أثناء الإعداد لتأسيس جمعية تضامن المرأة العربية عام 1982. انضممت إلى عدد من السيدات بعضهن أساتذة ومدرسات فى الجامعة وصحفيات وشاعرات وكاتبات وربات بيوت، وأذكر أن كانت بينهن الدكتورة لطيفة الزيات والدكتورة ليلى عنان والدكتورة عواطف عبدالرحمن والدكتورة عفاف محفوظ وإنجى رشدى المحررة بالأهرام وعائشة أبوالنور الكاتبة بأخبار اليوم والأستاذات عطيات الأبنودى وشهيرة محرز ومنى حلمى (بنت د. نوال) والدكتورة سهى عبدالقادر وغيرهن. واتفقنا على تأسيس جمعية أطلقنا عليها اسم «تضامن المرأة» مهمتها النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها والارتقاء بها!.. وقد انضم إلى هذه الجمعية عدد كبير من النساء فى البلاد العربية وفى طليعتهن الدكتورة فاطمة مرنيسى، الكاتبة المغربية الشهيرة، وقمنا بانتخاب الدكتورة منى أبوسنة الأستاذة بجامعة عين شمس سكرتيرة للجمعية. ورفعت الجمعية شعار «رفع الحجاب عن العقل، المعرفة قوة، والتضامن بين النساء قوة».

كانت الجمعية تقيم ندوات ثقافية وفنية وأدبية وتناقش بعض الكتب التى ترتبط بأهداف الجمعية كما نظمت دراسات عن مشاكل المرأة العاملة ونظرة الصحافة والتليفزيون والإذاعة والسينما إلى المرأة المصرية. وأصدرت الجمعية مجلة فكرية نسوية شهرية باسم «نون» ظلت تصدر على مدار 12 شهرًا إلى أن أُوقفت، بعد الإغلاق النهائى للجمعية.
رغم كل ذلك النشاط الذى أثار إعجاب الكثير من الشخصيات العامة، ودفعهم لحضور ندواتنا فوجئنا برفض الدولة للجمعية عندما تقدمنا إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لإشهارها. والأغرب من ذلك تلقى الجمعية خطابا من إدارة مكافحة جرائم الآداب العامة ترفض قيام هذه الجمعية!.
وفى 19 أغسطس 1983م وصل الجمعية قرار من الحكومة المصرية نصه كالتالى «تقرر رفض تسجيل جمعية تضامن المرأة العربية لعدم موافقة مباحث أمن الدولة، بعد الاطلاع على رد مديرية أمن القاهرة، إدارة البحث الجنائى قسم مكافحة جرائم الآداب العامة»، وكنا نعرف أن وزارة الشؤون الاجتماعية هى الجهة المخولة بقبول أو رفض إشهار الجمعيات. أثار الخبر دهشة الكثيرين ومن بينهم الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين الذى كتب مقالا فى عموده اليومى «فكرة!» نشر فى جريدة الأخبار يوم 23 أكتوبر 1983 م. وثيقة تاريخية هامة حول رفض إشهار الجمعية: كتب مصطفى أمين:
هل الحديث عن الحرية قلة أدب؟ هل الكلام عن الديمقراطية عمل فاضح فى الطريق العام؟ هل مطالبة المرأة بمزاولة حقها الانتخابى قلة حياء؟ نفهم أن يكون عمل بوليس الآداب محاربة الفساد؟ ولكن ما علاقة بوليس الآداب بأساتذة الجامعة والمثقفات والمؤلفات والشاعرات؟ أى شىء فى أهداف الجمعية فيه قلة أدب أو قلة حياء؟!
لقد اعترض البعض بأنها حركة (عنصرية) تعمل على تكتيل النساء ضد الرجال، وتفصل بين مشاكل المرأة ومشاكل المجتمع. ولكن جمعية تضامن المرأة كانت تفادت هذا الاعتراض عندما فتحت عضويتها للرجال، وفعلا اشترك بعض الرجال فى نشاط الجمعية.
ودهشت عضوات الجمعية، ما علاقة بوليس الآداب بجمعية هدفها المساهمة فى رفع المستوى الاجتماعى والثقافى للمرأة فى مختلف المجالات وربط مشاكلها بمشاكل المجتمع. وفتح مجالات جديدة أمام المرأة فى العمل، وتنمية الشخصية الأصلية للمرأة المصرية؟
إن رئيسة الجمعية هى الدكتورة نوال السعداوى الكاتبة المعروفة وصاحبة المؤلفات العديدة التى ترجمت إلى عدة لغات، وآخر كتاب لها هو «الإنسان». اثنتا عشرة امرأة فى زنزانة واحدة. وهو مهدى «إلى كل من عرف القهر فى البيت أو فى السجن» وهى رواية عن حياة 12 سيدة قبض عليهن فى 5 سبتمبر سنة 1981 بتهمة أنهن خصوم الحكومة! وبينهن عدد من أبرز أساتذة الجامعة ومدرساتها والصحفيات والكاتبات.
فهل اعتبر بوليس الآداب أن هذا الكلام قلة أدب وقلة حياء، ولهذا رفض أن تكون جمعية رئيستها مثل هذه الدكتورة طويلة اللسان؟
يقولون إن الدولة تحيل كل شىء يتعلق بالمرأة إلى بوليس الآداب. وإذا كان هذا صحيحا، فهذا أمر لا يمكن السكوت عليه فى الوقت الذى أصبح فى مصر وزيرات وسفيرات ووكيلات وزارات وعضوات مجلس الشعب!».
وبدأت حملة صحفية ضد الدكتورة آمال عثمان وزيرة الشؤون الاجتماعية آنذاك، وضد الحكومة المصرية منذ ديسمبر 1983 حتى نهاية عام 1984، اضطرت بعدها الوزيرة آمال عثمان لأن تعترف بشرعية جمعية تضامن المرأة العربية، وأرسلت خطابا رسميا من وزارة الشؤون الاجتماعية فى 7 يناير 1985 يقر الموافقة على تسجيل الجمعية.
إلا أن الحملة ضد الجمعية لم تتوقف، وأُعيد إغلاقها مرة أخرى فى 15 يونيو 1991 بقرار من وزيرة الشؤون الاجتماعية د. آمال عثمان أصدره نيابة عنها نائب محافظ القاهرة الذى نص على إغلاق جمعية تضامن المرأة العربية، ومصادرة أموالها وتحويلها إلى جمعية أخرى اسمها «نساء الإسلام»،. كانت صدمة كبيرة لعضوات الجمعية، وانتقد الكثيرون حل جمعية قومية ومصادرة أموالها وممتلكاتها وتحويلها إلى جمعية مختصة بشؤون المسلمات فقط وليس جميع المصريات!.
وأعود إلى مقال مصطفى أمين «الأمر الغريب صدور قرار فى الوقت نفسه يحظر على الجمعيات بدائرة غرب القاهرة أن تجادل فى الأمور السياسية! قرار لا يمكن أن يصدر فى أى بلد ديمقراطى تشتغل فيه نقابة المحامين ونقابة الأطباء وغيرهما من الجمعيات والنقابات بالسياسة، ونسى من أصدره، أو جهل، أن جمعية المرأة الجديدة أثناء ثورة 1919 كانت تصدر قرارات تهاجم الاحتلال، ولم يحلها الإنجليز.
نفهم أن تحل جمعية بسبب الآداب العامة، أو لأنها تدعو إلى قلب نظام الحكم بالقوة، ولكن لا نفهم أن تحل جمعية لأن رئيستها أو أحد أعضائها يعارض الحكومة، وخاصة أن رئيسة هذه الجمعية الدكتورة نوال السعداوى كانت تلقى الخطب والمحاضرات علنا تعارض فيها سياسة الحكومة، وكانت الصحف العالمية تعتبر هذه المعارضة دليلا على أن فى مصر ديمقراطية تسمح بحرية الرأى.
هذا القرار أزعج كثيرا من الجمعيات، فإذا اعترضت جمعية ما على حالة التموين فى البلاد فهذا تدخل فى السياسة! وإذا طالبت جمعية بالإكثار من زراعة البرسيم فهذا تدخل فى السياسة! وإذا طالبت جمعية بمنع استيراد الحمير إلى مصر فهذه سياسة! بل صميم السياسة، كل شىء فى البلد سياسة، ولهذا فمن واجب كل الجمعيات فى مصر أن تسأل ما هى حدود السياسة المسموح بها. إن الذين أصدروا هذا القرار لم يعلموا حتى الآن أن مصر ديمقراطية».
هكذا علق الكاتب الراحل مصطفى أمين على قرار إغلاق جمعية تضامن المرأة العربية بشجاعة وتجرد كبيرين.
ورفعت الجمعية دعوى قضائية عاجلة أمام القضاء الإدارى، إلا أنها لم تسفر عن شىء.
هذه ومضة من حياة الراحلة العظيمة التى فقدناها ولكنها لم تفقد معالم طريقها الذى كانت تعرفه جيدا وتصر عليه مهما صادفها من عقبات. وقد اختارتها مجلة تايم الأمريكية ضمن مائة شخصية نسائية عالمية الأكثر تأثيرا فى العالم فى المائة عام الماضية. والجدير بالذكر أن جمعية تضامن المرأة العربية هى المنظمة العربية النسائية الوحيدة التى حظيت بالمركز الاستشارى لحساب المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة لعام 1985.
لقد اتخذت نوال السعداوى من القلم سيفا صوبته نحو الجهل والتعصب، ليس تعاطفا مع المرأة فقط، وإنما إيمانا بالإنسانية والحق والعدل، وعبرت عن ذلك من خلال عشرات الأعمال الأدبية، ومئات المقالات، ودافعت بحرارة عن حرية المرأة وكرامتها وحقها فى الحياة الكريمة دون قيد أو شرط، وقد رشحتها جهات عديدة لجائزة نوبل أكثر من مرة. ورغم ذلك قاطعتها جوائز الدولة. ولم تنل أى تقدير من بلدها.

الوضع في مصر

اصابات
185,922

تعافي
143,575

وفيات
10,954

الوضع حول العالم

اصابات
117,054,168

تعافي
92,630,474

وفيات
2,598,834

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد