مع قرب انطلاق حملة التطعيم… نصف التونسيين يرفضون تلقي اللقاحات

تستعد تونس لبدء عملية تطعيم واسعة من المفترض أنها ستشمل 3 ملايين شخص في مرحلة أولى من مهنيي قطاع الصحة وحاملي الأمراض المزمنة، لكن دراسة إحصائية كشفت أن ما يقارب من نصف التونسيين يرفضون التطعيم من بينهم أطباء.ويعود السبب أساسا إلى المخاوف من التأثيرات السلبية المحتملة للتلقيح على المواطنين وعدم اقتناع البعض بأن كوفيد 19 يستدعي تلقيحا وأن مناعتهم الذاتية قادرة على التغلب عليه.
فعلى الرغم من مرور ما يزيد عن أسبوعيْن على فتح باب التسجيل في المنصة الرقمية “إيفاكس”، إلا أن عدد المسجلين في الحملة الوطنية للقاح ضد فيروس كورونا لم يتجاوز 450 ألف من مجموع 3 ملايين تونسي.
وبينت الدراسة التي أعدتها شركة سبر أراء خاصة بالتعاون مع وزارة الصحة، أن 46 بالمائة من التونسيين يرفضون تلقي اللقاح. والملفت للأمر أن عددا هاما من الأطباء المستجوبين أبدوا اعتراضهم على التلقيح، حيث بلغت نسبتهم 35 بالمائة.
أرقام مبدئية
واعتبر مستشار منظمة الصحة العالمية في تونس سهيل العلويني في تصريح لـ”سبوتنيك”، أن هذه الأرقام مبدئية ولا يمكن أخذها بعين الاعتبار، خاصة في ظل غياب حملة حقيقة لتوعية الناس بضرورة المشاركة في عملية التطعيم.
وقال العلويني إن وزارة الصحة تأخرت في بدء هذه الحملة بسبب تأخر وصول اللقاحات، وعدم معرفتها بالموعد المحدد لوصول الدفعة التي تحمل كمية هامة من التلاقيح والتي ستوجه لعموم الناس مع إعطاء الأولية لحاملي الأمراض المزمنة وكبار السن.
وبيّن أن الدفعة الأولى من اللقاحات التي من المفترض أن تصل في الأيام القادمة محدود وسيوجه أساسا للإطارات الطبية وشبه الطبية، مضيفا أن هذه الكمية في حدود 93 ألف جرعة، بما يعني أنها ستغطي حاجيات ما يقرب من 50 ألف شخص فقط من العاملين في قطاع الصحة.
ويتوقع العلويني أن تؤثر الحملة الوطنية التوعوية على رأي المواطنين بشأن ضرورة تلقيهم للقاح كما حصل في العديد من الدول، مستشهدا بأوروبا التي تزايد فيها عدد المقبلين على المشاركة في عملية التطعيم مباشرة بعد الحملة.
وشدد العلويني على أن التطعيم هو الحل الوحيد للحماية من العدوى بفيروس كورونا خاصة بالنسبة للأشخاص الحاملين لأمراض مزمنة والذين ترتفع  لديهم نسبة الاختطار، قائلا إن الحملة التوعوية يجب أن تستهدف بالأخص هذه الفئة.
وبيّن مستشار منظمة الصحة العالمية أن الأعراض الجانبية للقاح ليست خطيرة، وأن “ملايين الناس في العالم تلقوا التلقيحات ولم تظهر عليهم سوى أعراض بسيطة مثل ارتفاع درجة الحرارة وآلام الرأس أو ظهور حساسية في منطقة الحقن، وهي أعراض عادية تصاحب أي تلقيح”.
نقص في المعلومة
من جانبها قالت الطبيبة الباحثة في التحاليل الجرثومية عواطف بن موسي لـ”سبوتنيك”، إن الخوف من تلقي اللقاح هو شعور طبيعي يحدث لدى الإنسان عند تلقيه لأي دواء جديد.
وأضافت “الخوف ليس حالة خاصة بالتونسيين وإنما هو شعور عالمي طرأ لدى جميع سكان العالم، وتفسيره هو حداثة الفيروس وغياب المعرفة الدقيقة بنجاعة التلقيح”.
وأوضحت بن موسي أن المعلومات الخاطئة التي يتم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا في وسائل الإعلام تسهم في لخبطة الناس وتعميق مخاوفهم من اللقاحات.
وتابعت “أغلب المواطنين لا يمتلكون فكرة دقيقة على مرض كوفيد 19 وعلى أنواع اللقاحات ومدى نجاعتها وكيفية استخدامها، وبعضهم لا يثقون في مأتاها وفي الشركات التي تصنعها، وأحيانا يستمعون إلى معلومات يتم تناقلها بشكل خاطئ وينتج عن ذلك عدم الثقة في التلقيح ورفض المشاركة في عملية التطعيم”.
ونبهت بن موسي إلى ضرورة تلقي المعلومة من المختصين، داعية وزارة الصحة إلى تبسيط المعلومة للمواطنين بشأن أهمية اللقاح ونوعه وحتى تركيبته، من أجل بناء الثقة معه وحثه على التسجيل في الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا.
وحثت الطبيبة المواطنين على تلقي اللقاح، خاصة وأن الأعراض الجانبية المصاحبة له تعد بسيطة وأقل خطورة من الأعراض التي سيواجهونها عند الإصابة بالفيروس وبالذات حاملو الأمراض المزمنة وكبار السن الذين لا يمتلكون مناعة جيدة.
وأكدت بن موسي أن وزارة الصحة تعمل حاليا على إطلاق برنامج وطني لدراسة التطور الجيني لفيروس كورونا في تونس ومقارنته ببقية الأنواع الأخرى الموجودة في العالم، وذلك بهدف معرفة مدى مطابقة النوع التونسي مع اللقاحات المتوفرة حاليا.
وأوضحت أن التغير الجيني لن يؤثر في كل الأحوال على نجاعة التلقيح الذي سيحافظ على نسبة هامة من فاعليته على البشر.
مخاوف مشروعة
على الجانب الآخر، اعتبر الطبيب في الأمراض الصدرية والرئوية لطفي المرايحي في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن مخاوف المواطنين مشروعة، وهي نتيجة طبيعية لعدم توفر معلومات صحيحة ودقيقة بشأن اللقاحات وغياب تفسير جدي للوضع الوبائي طيلة فترة الجائحة.
وقال المرايحي إن الخطاب الرسمي الذي اعتمدته وزارة الصحة لم يخرج عن قاعدة “ارتدوا الكمامات وحافظوا على التباعد واستخدموا الجال المعقم”، مشيرا إلى أن هذا الخطاب لم يرتقِ إلى المستوى التثقيفي المطلوب.
وأضاف “حتى الصورة المرسومة في أذهان العاملين في ميدان الصحة هي صورة ضبابية، في ظل تضارب المعلومات العلمية والحديث عن وجود سلالات جديدة، وإلغاء بعض اللقاحات مثل لقاح “استرازينيكا” الذي وقع الاستغناء عنه في جنوب أفريقيا.
ودعا المرايحي إلى اعتماد خطاب علمي دقيق وضبط سياسة خاصة بعملية التطعيم، قائلا “ليس من المنطقي أن يقع تلقيح الأشخاص الذين سبق أن أصيبوا بفيروس الكورونا على اعتبار أنهم اكتسبوا مناعة ضده”.
وشدد المرايحي على ضرورة تحديد طبيعة اللقاح المستخدم وفقا للفئات العمرية، خاصة وأن الدراسات العلمية المختلفة أثبتت أن هناك لقاحات لا تصلح للفئات العمرية المتقدمة مثل لقاح “أسترازينيكا”.
وأضاف: “لا فائدة أيضا من تلقيح الفئات العمرية الأقل من 40 سنة والتي لا تحمل أمراضا مزمنة، فالدراسات بيّنت أن هذه الفئة لا تظهر أعراضا  لأمراض مرضية خطيرة وبالإمكان الاعتماد على مناعتها الذاتية”.
وقال المرايحي “يجب أن تحكم تونس ترشيد مواردها وأن تخصص لقاحات أثبتت جدواها مثل لقاح “سبوتنيك” الروسي الذي أثبت نجاعته في مجابهة فيروس كورونا مقارنة باللقاحات الأخرى”.
والتحقت تونس مؤخرا بمنظومة “كوفاكس” المنضوية تحت منظمة الصحة العالمية بشكل رسمي، وهو ما سيتيح لها الحصول على 4 مليون و800 ألف جرعة من اللقاحات بصفة مجانية، على أن تصل الدفعة الأولى منها منتصف هذا الشهر.

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد