مكافحة الفساد في تونس.. مسار متعثّر وشعارات لم تطبّق

تناول برنامج ميدي شو اليوم الجمعة 21 جانفي 2022 موضوع مسار مكافحة الفساد في تونس بعد الثورة والآليات والسياسات الضرورية للحدّ منه.

وتحدّث القاضي عمر الوسلاتي عن دور القضاء في البت في ملفات الفساد، مؤكّدا أنّ له وظيفة كشف الحقيقة لكن كثرة الملفات في السنوات الأخيرة لم تتبعها إجراءات، قائلا “القاضي ليس خبيرا اقتصاديا للبت في قضايا تبييض أموال ويجب أن يستعين بخبراء لم يقع توفيرهم لعدّ أسباب.. وبالتالي فالتشريعات موجودة والإرادة أيضا لكن هناك حلقة مفقودة”. 

وشدّد على ضرورة أن تكون السياسة الجزائية لمكافحة الفساد متكاملة العناصر لكن الإمكانيات المادية والفعلية المتوفرة لا تسمح بحماية المبلغين على سبيل المثال.

 

الآجال الطويلة للبت في قضايا الفساد ليس بإرادة القاضي

 

وأقرّ الوسلاتي بوجود قوانين متطورة لكن القضاة إلى اليوم يحكمون بقوانين تقليدية تعود إلى الستينات “ومن ثمّ يحملونهم مسؤولية الآجال الطويلة للبت في قضايا الفساد ولا يدركون أن ذلك ليس بإرادة القاضي بل بسبب عوائق داخلية” حسب تعبيره.

ولفت إلى أنّ مرفق القضاء لم يجهز فنيا ولوجستيكيا للبت في القضايا بشكل سريع والقضاة يتعرضون للاتهام يوميا دون أن يتم الاستماع الى مشاغلهم وتوفير الإمكانيات اللازمة لهم.

وفي سياق متصل، قال ضيف “ميدي شو” إنّ المواطنين الذين كانوا يتقاسمون نفس الأهداف والرؤى سنة 2011 تمّ توظيفهم سياسيا مما عرضهم لخيبة أمل شعروا بعدها أنّ الفساد أصبح وسيلة للتمعش والضغط السياسي والابتزاز والحصول على مكاسب ففقدوا الثقة في حملات مكافحة الفساد التي أصبحت مجرّد شعارات في أذهانهم. 

نحتاج إلى سياسة دولة رصينة لمكافحة الفساد

 

من جانبه، اعتبر مهاب القروي ممثل منظمة ‘أنا يقظ ‘ في مداخلته أنّ الفساد ليس المعرقل الأساسي لنمو الدول والدليل أنّ الفساد منتشر في عديد الدول المتقدمة اقتصاديا حتى أن الرشوة كانت مقننة في بعض الدول الأجنبية “وبالتالي لا يجب تحميل الفساد أكثر مما يحتمل واستعماله كشماعة لتبرير الفشل السياسي” وفقا لقوله.

وتابع “هذا ما يحدث اليوم في تونس.. الفساد أصبح الشماعة وفي المقابل نتناسى أنّ الدولة لا تملك أيّ استراتيجية للنهوض بالقطاع الاقتصادي أضف إلى ذلك يتمّ غلق هيئة وطنية لمكافحة الفساد منذ شهر أوت دون معرفة مصير المبلغين عن الفساد… رغم الثورة التشريعية في بلادنا التي ضمنت تنفيذ الحوكمة ومقاومة الفساد لكن الأمور بقيت دائما منقوصة”. 

وشدّد ممثلّ ” IWatch” على أنّ الفساد وسوء التصرّف موثق في تقارير محكمة المحاسبات وهيئات الرقابة المالية وأملاك الدولة ووزارة المالية ورئاسة الحكومة والتفقديات وما على الإدارة التونسية ممثلة في أعلى هرم في السلطة إلا إعطاء الضوء الأخضر لمتابعة هذه التقارير وتقييمها، متسائلا عن الغاية من صرف أموال للمراقبة وكتابة التقارير ثم يقع وضعها على الرفّ وهو ما يفسر تواصل انتشار الفساد.

وقال “نحن نحتاج إلى سياسة دولة رصينة تعطي الثقة للإداريين لمكافحة الفساد وإهدار المال العام وأن يتمّ التعهد بمعاضدة الجهود من خلال توفير الموارد المادية والبشرية والحماية.

سلطة تقديرية واسعة للإدارة +غياب المساءلة = انتشار الفساد

 

الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد شرف الدين اليعقوبي تطرّق أيضا إلى الفساد المؤسساتي الذي أصبح منتشرا وهو ما يتطلّب معالجة عميقة من الجذور من خلال إصلاح اداري عميق يمس كل أوجه التصرف في الإدارة. 

وأقرّ أنّ انتشار الفساد يكشف مقدار الخلل في حوكمة الدولة “لكن قبل الانطلاق في الإصلاح يجب الانطلاق في التقييم ومن الضروري أن لا تسقط الاصلاحات في الروتين اليومي والبيروقراطية لتنتهي في غضون أيام خاصّة في ظلّ غياب الإرادة السياسية”.

وقال اليعقوبي “هناك معادلة بسيطة لا ينبغي إغفالها أنه في حال تمّ منح سلطة تقديرية واسعة للإدارة وغابت المساءلة سينتج الفساد وينتشر، لهذا يجب حصر مفهوم الفساد في العمق القطاعي وتفكيكه وتجفيف منابعه مع تحديد مكامن ضعف الرقابة عبر عمل علمي حدّدته المعايير الدولية”.

وتابع ضيف “ميدي شو” أنّ الفساد مرض له أعراض ويمكن معالجته في حال توفرت الإرادة السياسية من خلال وضع أهداف عالية ومحددة من طرف رئيس الجمهورية ويجب ان تكون هذه الأهداف متبوعة بإجراءات فعلية “مكافحة الفساد أشبه بالاستثمار الذي يتطلب توفير الإمكانيات المادية وتجميع الناس حول الفكرة تنفيذ الرقابة بصفة مستمرة” وفقا لتعبيره.

كيف تكون سياسة مكافحة الفساد ناجحة؟

في سؤال ضيوف “ميدي شو” عن الطريقة المثلى لتكون سياسة مكافحة الفساد ناجعة في تونس وتعطي النتائج المنتظرة ولا تبقى مجرد شعارات أو ملفات للتشفي، أجمعوا على أنّ الحلّ يكمن في إرادة سياسيّة تكون واضحة وتوفير الإمكانيات اللازمة وخاصة المراقبة.

حيث بيّن شرف الدين اليعقوبي أنّ هياكل الرقابة لا تتمتع بالاستقلالية بل يتم توجيهها الى ملفات وقطاعات معينة لغايات وأغراض أصبحت معروفة لهذا فرئيس الجمهورية مطالب بإعطاء مؤشرات قوية أن إرادته لا تتزعزع في مكافحة هذه الظاهرة التي أضرّت بالاقتصاد الوطني، وفق قوله.

واستدرك “لا يمكن إنكار وجود مقاومة داخل الإدارة العميقة الرافضة للتجديد والإجراءات التي تقلل من التواصل المباشر بين العون والمواطن وبالتالي التقليل من ظاهرة الرشوة والمحسوبية ولهذا يجب التسريع في وضع مقاربة جديدة في التصرف والإصلاح بالإدارة التونسية تكون شفافة مع تركيز آليات رقابة داخلية قوية”.

بدوره شدّد شرف الدين اليعقوبي على ضرورة أن لا تكون مكافحة الفساد انطباعية أو تُبنى على أشخاص لأن رئيس الجمهورية سيتغير وقد يأتي رئيس جديد ليس من أولوياته مكافحة الفساد، لافتا إلى أنّهمنذ تاريخ 25 جويلية “بقينا ننتظر قرارات حقيقية وملموسة وليس فقط رفع شعارات لا تترجم في مراسيم وإجراءات ولا تعكس إرادة الشعب “.

أمّا القاضي عمر الوسلاتي فقد اعتبر أنّ استهداف رجال الاعمال والتركيز عليهم خلق بؤر أخرى للفساد أكبر، قائلا “الجميع يجب أن يشارك في مكافحة الفساد وأن لا تتم شيطنة أيّ كان خاصّة رجال الأعمال لأنّ ذلك سيؤثر على الاستثمار والاقتصاد الوطني ككلّ”.

وتابع “السياسة الحالية تتجه نحو التشفي والانتقام لهذا يجب القطع معها وإعادة بناء الثقة في مكافحة الفساد لوضع آليات معالجة حقيقية”.

 

 

أميرة العلبوشي
 

#مكافحة #الفساد #في #تونس #مسار #متعثر #وشعارات #لم #تطبق

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد