ملحمة الخُضر أمام الأرجنتين.. الفوز سعودي والفرحة عربيّة

فجّر المنتخب السعودي لكرة القدم مفاجأة من العيار الثقيل، حين صعق المنتخب الأرجنتيني بهدفين لهدف في اللقاء الذي جمعهما، الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، على أرض إستاد لوسيل، ضمن منافسات الجولة الأولى من مباريات المجموعة الثالثة في نهائيات كأس العالم 2022 التي تحتضنها الدولة القطرية.

واستطاع منتخب الخضر السعودي المصنف 51 عالميًا وفق تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلحاق الهزيمة المدوية بمنتخب راقصي التانغو المصنف الثالث عالميًا والمرشح الأول للفوز بالبطولة في نسختها الحاليّة.

وما إن أطلق الحكم السلوفيني سلافكو فينتشيتش، الذي أدار اللقاء، صافرة النهاية، حتى ارتجت جنبات ملعب لوسيل بهتافات قرابة 88 ألف مشجع، وهي نسبة الشغور التي بلغت 100% لسعة المدرجات، فيما رفرفت الأعلام العربية يمين ويسار الإستاد وسط حالة احتفاء لم تشهدها الملاعب العربية قبل ذلك.

الفوز الذي حققه المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني بحسابات الورقة والقلم والمستويات والتقييمات الفنية التي سبقت البطولة والقدرات الفردية للاعبي الفريقين، يعد إنجازًا تاريخيًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فأكثر المتفائلين الحالمين من أبناء المملكة ما كان يتوقع هذه النتيجة، فالحلم الأسمى الذي كان يداعب الجميع أن تخرج المباراة بأقل خسارة أو على الأكثر بتعادل بمثابة الانتصار.

المباراة والأجواء قبلها وبعدها كشفت عن حالة اللحمة العربية بين الشعوب، بعيدًا عن أي مسارات خلافية أخرى، فالفرحة التي عمت الشارع السعودي لا تقل عن تلك التي عمت شوارع الدوحة والقاهرة ودمشق وبغداد والرباط والخرطوم وغزة وغيرها من العواصم العربية، وتلك قيمة كرة القدم، وسيلة التقارب بين الشعوب مهما فرقتهم الأنظمة، وتلك كانت رسالة المونديال السامية التي عبرت عنها الدوحة في حفلها الافتتاحي المبهر.

بهذه النتيجة التاريخية كسر المنتخب السعودي العديد من الأرقام التاريخية التي كانت تهيمن قبل إطلاق صافرة بدء اللقاء، الرقم الأول خاص بالمنتخب الأرجنتيني الذي كان يمني النفس بفوز يعادل به الرقم القياسي الذي بحوزة منتخب إيطاليا الخاص ببلوغ المباراة الـ37 على التوالي دون هزيمة واحدة، فخلال السنوات الثلاثة الأخيرة لم يتجرع ميسي ورفقاؤه مرارة الهزيمة طيلة 36 مباراة متتالية (25 فوزًا و11 تعادلًا)، فآخر خسارة تلقاها راقصو التانغو كانت في 2 يوليو/تموز 2019 أمام البرازيل بنتيجة صفر- 2 في نصف نهائي كوبا أمريكا.

الرقم القياسي الثاني كان من نصيب اللاعب ليو ميسي، قائد المنتخب الأرجنتيني والحائز جائزة أفضل لاعب في العالم 7 مرات، فبعد تسجيله في مباراة بلاده الافتتاحية أمام المنتخب السعودي الهدف الأول من ركلة جزاء، أصبح أول لاعب أرجنتيني يسجل في 4 نسخ من كأس العالم (2006 و2014 و2018 و2022)، كما أن هذا الهدف هو السابع له في 20 مباراة خاضها.

أما على المستوى السعودي، فكسر هذا الفوز الثمين سلسلة النتائج السلبية التي مني بها الخضر خلال مشاركاتهم الخمسة السابقة في المونديال في المباراة الافتتاحية، حيث هزموا في 4 مبارات وتعادلوا في مباراة واحدة فقط، ليصبح هذا النصر هو الأول في افتتاحيات مسيرتهم المونديالية، والرابع على مستوى المشاركة الإجمالية، فقد حققوا قبل ذلك الفوز 3 مرات، أمام المغرب (2-1) وبلجيكا (1-0) في 1994 ومصر (2-1) في 2018.

ربما من حصد نقاط المباراة الثلاثة هو المنتخب السعودي، وقد يكون لاعبوه أصحاب الهدايا والنعم، وقد يكون الشعب السعودي هم من مُنحوا يومًا إجازة مدفوعة الأجر احتفالًا بهذا الإنجاز، لكن الفرحة عربية بامتياز، فالاحتفالات التي عمت شوارع العرب والتغريدات التي كست منصات التواصل الاجتماعي باللون الأخضر وهاشتاغ #السعودية الذي تصدر بعد دقائق من انتهاء المباراة تشير إلى أن الفوز ما كان أبدًا سعوديًا وفقط.

حالة احتفاء عربية غير معتادة، وربما وجد العرب ضالتهم في مباراة كرة قدم يستعيدون بها مشاعر الانتصار، فالفرحة هنا لا تتعلق بشكل محوري في كون السعودية تحديدًا هي من فازت بهذا اللقاء، وربما لا يُكمل الخضر المشوار وهذا مستقر في يقين الجميع، لكن إحساس الفوز ولذة النصر – حتى لو كانت في كرة القدم – إحساس مفقود عربيًا، وكان البحث عنه كمن يستتبع الخطى بحثًا عن مخيط في كومة “قش” كما يقول المصريون، في ظل الفشل الذي يلاحق العرب في معظم المجالات بسبب غياب الرؤى وفقدان مقومات السلطة الحقيقية لمعظم الأنظمة الحاكمة في المنطقة.

تظاهرة حب وفرحة دشنها المغردون العرب على منصات التواصل الاجتماعي، احتفاءً بهذا الفوز، وهو ما عبر عنه السفير السعودي لدى القاهرة، أسامة نقلي، في تغريدته التي شكر فيها “‏مئات التهاني القلبية الصادقة التي تلقيتها هاتفيًا ونصيًا بمناسبة ‫فوز السعوديه في لقاء السعودية – الأرجنتين”، وتابع “‏التهنئة للرياضة العربية التي ازدانت باستضافة ‫قطر للمونديال وتعطرت بفوز السعودية”.

كما انتشرت عشرات المقاطع المصورة التي توثق احتفالات الغزاويين والقاهريين والسودانيين بهذا الفوز، هذا بجانب التغريدات المنشورة من مختلف البلدان العربية، التي تتعامل مع الحدث كانتصار عربي يمثل شعوب المنطقة وليس الشعب السعودي فقط، وهو ما أكده الناقد الرياضي محمد محمود الذي أشار إلى أن حالة الاحتفاء العربية تعكس مرارة الفشل الذي خيم على المنطقة ودفع شعوبها للبحث عن أي انتصار ولو كروي لإشباع النهم العربي والرغبة في التفوق في أي من مجالات التنافس.

وأضاف محمود في حديثه لـ”نون بوست” أن اللحمة العربية رياضيًا لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالسياسة، فالموقف من الحكومات والأنظمة شيء والتفاعل مع المجالات الحياتية الأخرى كالرياضة والفن والعلم شيء آخر، فالدول أكبر من الأنظمة والحكومات لا تمثل الدول، كما أن الشعوب أبقى من الجميع، وهو ما يفسر تلك الفرحة حتى من أبناء بعض الدول المختلفة مع المملكة سياسيًا، على حد قوله.

خاض المنتخب السعودي – قبل مشاركته الحاليّة – 5 مشاركات سابقة في بطولة كأس العالم، البداية كانت عام 1994 في البطولة التي أقيمت بالولايات المتحدة، حيث كان الظهور الأول للخضر عالميًا، وتواجدت السعودية ضمن المجموعة الخامسة التي ضمت منتخبات هولندا وبلجيكا والمغرب، وخسرت المباراة الأولى أمام هولندا ثم حققت فوزين متتاليين أمام المغرب وبلجيكا، لكنها ودعت البطولة بعد خسارتها من السويد في دور الـ16.

وكان الظهور الثاني للخضر عام 1998 في البطولة التي احتضنتها فرنسا، وحل المنتخب العربي ضمن المجموعة الثالثة التي كانت تضم منتخبات فرنسا والدنمارك وجنوب إفريقيا، لكنه خرج من الدول الأول بعد خسارته من الدنمارك وفرنسا وتعادله مع جنوب إفريقيا، فيما سجل هدفين واستقبلت شباكه 7 أهداف، ليودع البطولة مبكرًا.

وفي عام 2002 كان الظهور الثالث للمنتخب السعودي في البطولة التي نُظمت في كوريا الجنوبية واليابان، وتواجد في المجموعة الخامسة التي ضمت ألمانيا وإيرلندا والكاميرون، ليحقق أسوأ أداء له في المونديال حين خسر المباريات الثلاثة، مودعًا المونديال من الدول الأول.

استهل المنتخب السعودي مشواره في مونديال 2002 بخسارة تاريخية أمام ألمانيا بنتيجة 8-0، ثم ضاعف المنتخب الكاميروني محنة المنتخب السعودي وألحق به الهزيمة الثانية بنتيجة 1-0، ثم سقط الأخضر في المباراة الأخيرة من دور المجموعات ضد إيرلندا بنتيجة 3-0، لتستقبل شباكه في هذه النسخة 12 هدفًا في 3 مباريات فقط.

وكانت المشاركة الرابعة عام 2006 في ألمانيا، في المجموعة الثامنة رفقة منتخبات إسبانيا وأوكرانيا وتونس، لكنه ودع البطولة من الدول الأول كالعادة بعد حصوله على نقطة واحدة فقط حصل عليها أمام تونس فيما خسر مبارتيه أمام أوكرانيا بنتيجة 4 – صفر وإسبانيا 1 – صفر.

غاب الخضر عن منافسات كأس العالم لمدة 12 عامًا، ليعودوا مجددًا خلال مونديال روسيا 2018، حين تواجد المنتخب السعودي ضمن المجموعة الأولى التي ضمت منتخبات أوروغواي وروسيا ومصر، لكنه تلقى هزيمة كبيرة أمام الدولة المستضيفة للبطولة بخماسية نظيفة، تلتها هزيمة ثانية أمام أوروغواري بهدف نظيف قبل أن يحقق انتصارًا على المنتخب المصري يحفظ به ماء الوجه ليودع البطولة بعدما حل ثالثًا في ترتيب المجموعة.

في الأخير فإن الفوز على الأرجنتين ربما يكون انتصارًا تاريخيًا للكرة السعودية، لكنه وحده لن يكون كافيًا للعبور نحو الدور الثاني، وهو الحلم الذي ينشده الشارع السعودي، فأمام الخضر مبارتان على قدر كبير من الأهمية أمام بولندا والمكسيك وكلاهما من المنتخبات العنيدة التي تلعب كرة قدم جميلة وتتميز بالسرعة، فهل يحافظ السعوديون على هذا الانتصار مستغلين الروح المعنوية العالية أم ستأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟

#ملحمة #الخضر #أمام #الأرجنتين. #الفوز #سعودي #والفرحة #عربية

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد