من الصراع إلى الاقتراع.. ليبيا إلى أين؟

حسن الورفلي (بنغازي)

ربما لا يتمكن أحد من توقع ما سيحدث في ليبيا، في ظل محاولة أطراف بعينها تجييش الشارع وإشعال فتيل الحرب مجدداً في البلاد، لكن ثمة رغبة شعبية وجماهيرية بالاحتكام إلى صندوق الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل لاختيار من يقود البلاد، بدلاً من اللجوء لصناديق الذخيرة التي ستؤدي لمزيد من إراقة الدماء والخراب.
ويأمل الليبيون، بعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر المقبل، أن يتمكنوا من تجاوز فترة عصيبة استغرقت عقداً كاملاً، عقب اندلاع أحداث 17 فبراير 2011 التي أسقطت نظام معمر القذافي.
ومع احتدام النزاع المسلح، عقب سقوط القذافي، تحول الصراع إلى احتراب بين الميليشيات التي حاولت بسط سيطرتها على المنطقة الغربية من جهة وبين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو ما أدى لصدام بلغ ذروته في 4 أبريل 2019 واستمر هذا الصراع لأكثر من عام حتى جرى التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، وتفعيل العملية السياسية، واختيار لجنة الـ75 لتحديد ملامح خريطة الطريق، التي أفضت لانتخاب سلطة تنفيذية جديدة ممثلة في مجلس رئاسي من رئيس ونائبين وحكومة وحدة تكون مهمتها الرئيسية الإعداد للانتخابات في 24 ديسمبر المقبل.
وفي حال أجريت الانتخابات الرئاسية الليبية ستكون الأولى في تاريخ البلاد بعد توحيد الأقاليم الثلاثة «برقة – طرابلس – فزان» عام 1951، وهو ما يعني أن المواطنين الليبيين سينتخبون لأول مرة منذ 71 عاماً رئيساً للبلاد.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا تسلمها أوراق 98 مرشحاً، بشكل مبدئي، خلال الأيام الماضية للتنافس على كرسي الرئاسة في انتخابات 24 ديسمبر المقبل.
وتوقع رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، عماد السايح، أن يصل عدد المرشحين في الانتخابات البرلمانية المزمع تنظيمها، في يناير المقبل، إلى حوالى 4 آلاف مرشح ومرشحة.

إجراء الانتخابات
يترقب أبناء الشعب الليبي إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، نهاية الشهر المقبل، تنفيذاً لخريطة الطريق التي حددها ملتقى الحوار السياسي الليبي في اجتماعات جنيف، ويحرص الناخبون المسجلون لدى المفوضية العليا للانتخابات على تسلم بطاقات الانتخابات الخاصة بهم من مكاتب المفوضية، لرغبة الليبيين في ممارسة حقهم الدستوري في انتخاب من يحكم البلد خلال الفترة المقبلة.
ويتمسك الليبيون بمخرجات العملية السياسية في جنيف، التي أفضت لانتخاب سلطة تنفيذية جديدة تكون مهمتها الأساسية الإعداد للانتخابات، ويحظى هذا الخيار بدعم إقليمي ودولي لا حدود له، وقد تبلور ذلك في مخرجات اجتماع باريس الدولي للسلام حول ليبيا، الذي احتضنته فرنسا مؤخراً، لكن هناك تخوفات من إشعال الميليشيات المسلحة والتشكيلات المؤدلجة البلاد خلال الفترة المقبلة، بسبب رفضهم إجراء الانتخابات خلال هذه الفترة.
ويحذر «مراقبون» من أن بديل تأجيل أو إلغاء الانتخابات الليبية هو عودة الحرب والاقتتال لكن بصورة أبشع مما كان عليه، ولن يستطيع أي طرف إقليمي أو دولي وقفها، ويمكن أن تتحول هذه الحرب إلى صراع بالوكالة بين أطراف دولية.
وأوضح الباحث الليبي ورئيس مؤسسة سلفيوم للأبحاث والدراسات، جمال شلوف لـ«الاتحاد» أن ليبيا تمر حالياً من «عنق الزجاجة» شديدة الضيق، لافتاً إلى أن الوصول إلى العملية الانتخابية المطلوب شعبياً ودولياً يلاقي عراقيل ومعرقلين يعتبرون الانتخابات شهادة وفاة سياسية لهم ولنفوذهم المالي في ليبيا. وذكر أن كل الاحتمالات مفتوحة سواء بإجراء انتخابات تؤدي إلى استقرار أو إخفاق يعود بليبيا إلى مربع الاحتكام إلى السلاح.
وسيكون أمام الرئيس الليبي المنتخب ملفات عدة أبرزها الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي، في ظل تمسك قوى خارجية ببسط نفوذها الميداني في الأراضي الليبية، سواء من خلال اتفاقيات عسكرية ليس لها أي سند قانوني، أو عبر التدخل عسكرياً بذريعة تدريب عناصر الجيش في المنطقة الغربية لبناء مؤسسة عسكرية.

تصعيد «إخواني» 
يعمل تيار الإسلام السياسي ممثلاً في تنظيم «الإخوان» الإرهابي، والجماعة الليبية المقاتلة، على عرقلة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك رفضاً لبعض الأسماء المرشحة، ومنهم المشير خليفة حفتر، وتخوف هذا التيار من نتائج الانتخابات المقبلة التي ستفرز شخصية ليس لها أي ارتباط بـ«الإخوان»، وبالتالي يتم القضاء على مشروع الجماعة في شمال أفريقيا بعد انهياره في ليبيا، وذلك استمراراً لحالة الرفض الشعبي لمشروع «الإخوان» بشكل كامل سواء في مصر أو تونس أو السودان.
وتحشد جماعة «الإخوان» الميليشيات المسلحة والتشكيلات المؤدلجة للعبث بالمشهد العسكري الحالي، وإثارة الفوضى، خصوصاً في مدن المنطقة الغربية، التي يتمركز بها الثقل الانتخابي حيث يتواجد 1.8 مليون صوت ناخب مسجل لدى المفوضية من أصل 2.8 مليون ناخب ليبي مسجلين. ولذا، تعمل «الجماعة» الإرهابية على تجييش الشارع لمنع إجراء الانتخابات، بذريعة عدم وجود دستور أو عدم التشاور مع مجلس الدولة المسيطرة عليه من جماعة «الإخوان»، في عملية وضع قوانين الانتخابات.
وتتبع جماعة «الإخوان» سياسة التشويه والترهيب للمفوضية العليا للانتخابات، ورئيسها عماد السايح، الذي يعمل على تنفيذ القوانين التي أحالها البرلمان للمفوضية، ونتيجة التهديدات المستمرة اضطر رئيس المفوضية لنقل أسرته إلى خارج ليبيا، وتغيير طرق التواصل معه نتيجة التهديدات المستمرة من «الإخوان»، لإفشال عملية إجراء الانتخابات واستمرار حالة الصراع والانقسام السياسي بين المكونات والأطراف الليبية.
بدوره، أكد المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي في تصريحات لـ«الاتحاد» أن العملية السياسية في ليبيا تتجه نحو الانفراج، رغم وجود بعض العراقيل التي تمارس من قبل «الإخوان» لإفشال الانتخابات، لافتاً إلى أن تقارب المصالح المشتركة بين الأطراف الدولية، خصوصاً في اجتماع باريس الأخير يدعو إلى التفاؤل، كون المجتمع الدولي يسعى لحل الأزمة الليبية جزئياً.
واستبعد المهداوي حدوث أي تصعيد عسكري في ليبيا، خصوصاً بعد الإشارات الواردة من قوات «أفريكوم» الأخيرة حول تأمين الانتخابات ومعاقبة المعرقلين أيضاً، لافتاً إلى دعمه للتعامل مع أي تحرك عسكري خارج إطار عمل اللجنة العسكرية المشتركة. 
وأشار إلى إمكانية حدوث مناوشات بين الميليشيات والتشكيلات المسلحة، والتي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
وذكر أن تيار الإسلام السياسي ممثلاً في تنظيم «الإخوان» والمفتي المعزول الصادق الغرياني يتحملون تداعيات اضطراب المشهد الراهن في ليبيا، نتيجة تحريضهم على الانتخابات والدعوات التي يقومون بها لإفشالها، وخلق حالة من الفوضى بالبلاد لإدخال الدولة الليبية في نفق مظلم والعودة إلى المربع الأول.
فيما أكد الباحث السياسي الليبي جمال شلوف لـ«الاتحاد» أن الدافع الأهم للهدوء الأمني في ليبيا هو ترقب الانتخابات، لافتاً إلى أن تأجيل أو إلغاء الانتخابات سيفجر الموقف الأمني وربما ستكون الأمور أسوأ من سابقاتها، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي المشرف والضامن للاتفاق السياسي، لذا عليه تحمل مسؤولية منع عرقلة الاتفاق وتخاذله عن تسمية المعرقلين بدءا من المنقلبين على المسار الدستوري في لجنة 75 بملتقى الحوار السياسي، مروراً بتلكئه في عراقيل مجلس الدولة برئاسة «الإخواني» خالد المشري، أو حتى بطلب السلطة التنفيذية المؤقتة تأجيل الانتخابات، وهو ما سيسمح للمعرقلين بالتمادي ووضع مزيد من العراقيل.

ملاحقة المعرقلين 
يقف المجتمع الدولي، بشكل حازم، خلال هذه الفترة لدعم إجراء الانتخابات الليبية في موعدها، وعدم تأجيلها مجدداً، خوفاً من عودة النزاع المسلح، واتفق المجتمعون في مؤتمر باريس الأخير على ملاحقة الشخصيات والكيانات التي تُعرقل إجراء الانتخابات في ليبيا، ووضعها على قائمة العقوبات، إلا أن الأمر بات قريباً بسبب التحركات المشبوهة التي يقودها رئيس مجلس الدولة «الإخواني» خالد المشري.
وتحرص الدول الأوروبية تحديداً على أمن واستقرار ليبيا خلال الفترة المقبلة خوفاً على أمنها الداخلي نتيجة التداعيات السلبية، التي تحدث في هذه الدول نتيجة حالة الاقتتال والاحتراب في ليبيا، فضلاً عن تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تستخدم الأراضي الليبية نقطة انطلاق للهروب إلى ليبيا، وبالتالي تحرص هذه الدول على الانتخابات لتمهيد الأرضية لوجود مؤسسات أمنية وعسكرية نظامية، بعيداً عن هيمنة الميليشيات المسلحة.
ويقول الباحث السياسي الليبي جمال شلوف: إن وجود موقف دولي حازم من المعرقلين وتنفيذ قائمة العقوبات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 1970 أمر ضروري، بما فيها الإحالة إلى الجنائية الدولية، كون هذا السبيل الأمثل لإنقاذ العملية السياسية، ومنع الانحدار نحو العودة للاحتراب.

تفعيل المخرجات
عسكرياً، تستعد اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» لعقد اجتماعات مكثفة سواء في تونس أو روسيا أو تركيا خلال الأسابيع المقبلة، لتفعيل مخرجات اللجنة الخاصة بإخراج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من البلاد، وذلك لمنع حالة الاحتراب والتصعيد التي يمكن أن تسببها هذه العناصر الأجنبية في ليبيا، بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي تحرص على المشاركة في تيسير هذه الاجتماعات لتقريب وجهات النظر بين أعضاء اللجنة والأطراف الأخرى.
وتوقعت مصادر عسكرية ليبية في حديث لـ«الاتحاد» خروج عدد من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية بحلول الربع الأول من العام المقبل.
ومع اقتراب عقد الانتخابات الليبية خلال الأسابيع المقبلة يسود التخوف والترقب أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة من حدوث انقسام سياسي في البلاد يدفع نحو عرقلة ما تقوم به اللجنة، وهو ما تخشاه بعض الدول الحريصة على أمن واستقرار ليبيا خلال الفترة المقبلة، وتضغط على المعرقلين السياسيين لمنع حدوث انقسام سياسي واجتماعي مرة أخرى في ليبيا يؤدي لعودة الصراع المسلح.
وتبقى المعادلة الليبية من أصعب المعادلات والأزمات التي تعصف بالمنطقة، نظراً للتدخلات الواسعة من أطراف أجنبية، إضافة لطبيعة الصراع خلال الفترة الماضية، لأن الوضع الراهن في ليبيا غير مقبول نتيجة للتدهور الاقتصادي وشح السيولة وعدم وجود جدول مرتبات موحد لجميع الموظفين الليبيين، إضافة لعدم وجود عدالة وشفافية في توزيع واردات بيع الثروة الليبية، سواء من النفط والغاز، والتركيز على التنمية في إقليم واحد من الأقاليم الثلاثة دون غيره.

#من #الصراع #إلى #الاقتراع #ليبيا #إلى #أين

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد