من الكاميرون إلى ألمانيا.. تختلف المسارات لكن المخاطر والغاية واحدة!

مهاجرون كثر قادمون من مختلف دول إفريقية تعيش أزمات وحروب. يجمعهم “الحلم الأوروبي”، لكن طرق الوصول إليه تختلف. منهم من اختار أن يسلك الطريق التقليدية، عبر دول شمال القارة والبحر المتوسط ليصلوا إلى أوروبا. بينما اختار آخرون طريق الهجرة الجديد: الحدود البيلاروسية مع دول الاتحاد الأوروبي.

في مركز الاستقبال الأولي المتواجد بآيزنهوتنشتات، الذي يبعد عن مركز مدينة فرانكفورت أودر الحدودية بنصف ساعة، قابلنا مهاجرين قادمين من مختلف دول إفريقيا جنوب الصحراء. كان من بينهم شابين قادمين من الكاميرون، اختارا طريقين مختلفين للوصول إلى ألمانيا في عز أزمة الهجرة الجديدة.

 آلدو، شاب كاميروني يبلغ من العمر 32 سنة، اختار طريق بيلاروسيا سبيلا لبلوغ ألمانيا. يستعين آلدو بصديق تعرف عليه داخل مركز الاستقبال من أجل دفع كرسيه المتحرك. يبدو الشاب مرهقاً للغاية، غير قادر على رفع صوته كفاية. كانت مشقة الطريق أكبر من أن يتحملها شاب يعاني من إعاقة في ساقه منذ ولادته، تدهور حاله كثيراً خلال الرحلة، بسبب احتكاك جزء من الآلة التي كانت تساعده على المشي.

“دفعت للمهرب ألف يورو عن طريق شخص أعرفه، من أجل أن يتكلف بإيصالي بسهولة وأمان إلى ألمانيا. لم أكن أعلم أني سأعاني كل هذه المشقة”، يقول الشاب بحسرة. لم يتم تزويد آلدو ومن رافقوه في الرحلة من مختلف البلدان بحقيقة الأوضاع والطرقات المؤدية إلى ألمانيا.

آلدو، شاب كاميروني يستعين بصديقه بيرتراند لدفعه على الكرسي المتحرك بعد الإصابات التي سببها الطريق الصعب والمشي لمدة طويلة رغم إعاقته. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة
آلدو، شاب كاميروني يستعين بصديقه بيرتراند لدفعه على الكرسي المتحرك بعد الإصابات التي سببها الطريق الصعب والمشي لمدة طويلة رغم إعاقته. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة

تلاعب المهربين

يؤكد الشاب الكاميروني “سرنا طوال الليل في الغابة بين حدود بيلاروسيا وبولندا، لم يرافقنا أحد، أخبرنا المهرب أننا سنسير لبضع دقائق فقط لنصل إلى بولندا، لكن الدقائق تحولت إلى أيام عذاب”. كان المهرب قد اتفق مع آلدو أن يوصله من بيلاروسيا نحو ألمانيا في سيارة بسهولة، لم يخبره أن “طريق الموت” الجديدة في انتظاره.

عندما وصل آلدو إلى بيلاروسيا، اصطحبه المهرب إلى بيت أمضى فيه خمسة أيام. “كان يوم سبت، وصل خلاله أشخاص آخرين رافقوني في الرحلة، شاب ينحدر من التوغو، وأسرة صغيرة مكونة من “رجل وزوجته وطفلة”.

تم نقل المجموعة إلى الحدود، وأخبرهم المهرب أن شخصًا في الجانب الآخر سيكمل بهم الطريق نحو ألمانيا، وهو ما لم يتحقق. “لم نواجه مشاكل على طول الطريق ونحن في بيلاروسيا، رأينا دورية شرطة فعلا، لكنهم لم يعيرونا أي اهتمام”. أما في بولندا فقد كان الأمر مختلفاً، إذ يقول آلدو “بسبب الأعداد الكبيرة للشرطة، فهمنا أننا وصلنا إلى بولندا”.

“لم يكن هناك خيار، إما أن تتقدم أو يتم إعادتك بعنف إلى بيلاروسيا”، يقولها آلدو وهو ممتعض، ويسترجع الذكريات بألم “لم تشفع إصابتي والطرف الاصطناعي في قدمي وكل الجروح والندوب التي سببها المشي في الغابات لي أمام عنف الشرطة من الجانبين”.

بسبب درجة الحرارة المنخفضة، مرضت الطفلة المرافقة للأسرة كثيراً، واضطر والدها إلى تسليم نفسه لحرس الحدود. “رد فعل الشرطة تجاه الأسرة منعنا من طلب المساعدة منهم، كان رد فعلهم قاسياً للغاية ولم يهتموا بحال الطفلة”.

آلاف الأشخاص ينتظرون الفرصة للعبور إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، لكن الشرطة البولندية تصدهم.
آلاف الأشخاص ينتظرون الفرصة للعبور إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، لكن الشرطة البولندية تصدهم.

وشاية قاسية من قلب “بيت الرب”

استمر آلدو وصديقه في المشي والاختباء كلما أحسوا بدنو دورية مراقبة، إلى أن وصلوا قرية بولندية. “كان الجو شديد البرودة، قررنا أن نطلب مساعدة الكنيسة، احتجنا أكلا وماء، وشحن هواتفنا لنعلم أين نتجه”.كان رد الفعل من السيدة التي فتحت باب الكنيسة أقسى مما تخيل آلدو، فقد أخبرت الشرطة، التي قدمت فوراً لإلقاء القبض عليهما.

“وصفونا بالزنوج القذرين، وأخبرونا أنهم سيعيدوننا إلى الحدود، صدمت فعلاً”. ساعد رجال الشرطة آلدو على ركوب السيارة لأن حالته حرجة ولم يعد يستطيع المشي. لكن عندما وصل إلى الحدود، رفض الشاب الكاميروني مغادرة السيارة. يقول “صرخت بأعلى صوتي أني أريد طلب اللجوء. ألقوا بي أرضًا وضربوني، ثم دفعوني إلى الجانب الآخر”.

بعد تهديدهم بإطلاق النار، استسلم الشابان وانطلقا نحو بيلاروسيا. “اعتقلتنا الشرطة البيلاروسية عندما علموا أننا عائدون، ضربونا ضرباً مبرحاً، وأخبرونا أن لا طريق أمامنا سوى نحو بولندا، لا مجال للعودة”.

الإعاقة التي يعاني منها آلدو، صعبت عليه الطريق أكثر، فقد كانت الجروح تزداد كلما مشى لمدة أطول. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة
الإعاقة التي يعاني منها آلدو، صعبت عليه الطريق أكثر، فقد كانت الجروح تزداد كلما مشى لمدة أطول. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة

“عندما قبلنا، أعطونا طعاماً وماء، وقاموا بشحن هواتفنا. في الليل اقتادونا إلى الجانب الآخر”. هذه المرة كان آلدو محظوظا، فقد كان ضمن المجموعة التي رافقها، شاب هندي حفظ الطريق لكثرة تجارب الصد التي تعرض لها. “تم اعتقاله أكثر من عشر مرات، قال أنه سيرشدنا وقد نجح في إيصالنا إلى بر الأمان، أنا ممتن له”.

“من الثامنة مساءً مشينا دون توقف إلى غاية حلول الصباح، عندما بلغنا نقطة معينة، قال الشاب الهندي أن سائقا سيأتي لإيصاله لوجهته”. طلب آلدو منه المساعدة ومنحه كل ما تبقى من مال معه، فقام بإيصاله إلى مفترق طرق، إحداها توصل نحو فرانكفورت أودر.

هناك اعتقلته الشرطة الألمانية، وتم إيداعه بمركز الاستقبال الأولي بآيزنهوتنشتات حيث يتلقى الرعاية بعد فترة الحجر الصحي. وكل ما يردده عن مستقبله في ألمانيا هو “هدفي هو الاندماج، وتعلم اللغة الألمانية. بعد ذلك سأحاول إيجاد حلول لإعاقتي”.

المسار التقليدي لا يقل خطورة

تييري، مواطن آلدو الذي اختار الطريق الشهير والتقليدي لمهاجري إفريقيا عموماً. “لم آت عن طريق بيلاروسيا، بل اتجهت إلى شمال إفريقيا. قطعت الطريق من تونس إلى لامبيدوزا الإيطالية، من هناك إلى فرنسا ثم إلى ألمانيا.

“كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، عبور البحر الأبيض المتوسط كانت مخاطرة كبيرة. قضينا ساعات وأيام حرجة داخل البحر، لا نأكل ولا نشرب، لا يوجد أحد هناك ليساعدنا إلا الله”.

لم ينجح تييري في العبور منذ أول محاولة، بل قُبض على كل من كان داخل القارب الذي كان فيه من قبل حرس الحدود الوطني التونسي. يحكي “أعادونا طبعاً. لكن عندما تمكنا في المرة الثانية من الوصول لمنطقة النفوذ الإيطالي، قام خفر السواحل بإيصالنا إلى لامبيدوزا، دون أي تعامل مسيء لكرامتنا”.

المهاجر الكاميروني تييري، أما مركز الاستقبال الأولي حيث سيقضي فترة قبل بعثه لإحدى الولايات الألمانية ليستقر فيها. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة
المهاجر الكاميروني تييري، أما مركز الاستقبال الأولي حيث سيقضي فترة قبل بعثه لإحدى الولايات الألمانية ليستقر فيها. الصورة: مهاجر نيوز/ ماجدة بوعزة

القارب الذي دخلت به المجموعة عرض البحر، كان يحمل 50 شخص من مختلف الدول الإفريقية. يقول تييري “كان مزدحما للغاية، كنا نجلس فوق بعضنا. لمدة ثمانية وعشرين ساعة، كنا نحاول الوصول إلى المياه الإقليمية الأوروبية، كان على متن القارب 8 أطفال، كان ذلك أكثر المشاهد رعباً داخل البحر”.

ليبيا.. النقطة القاتمة في مسار شمال إفريقيا

“أسوء ما حدث لي في الرحلة، هو أني قضيت شهرين في ليبيا مرغماً. كنت في طرابلس وقد تم اختطافي، لكنني تمكنت من الهرب”. بعد الاختطاف، تطلب الميلشيات فدية باهضة للإفراج على كل فرد، تتكلف بدفعها العائلة باعتماد وسيط له صلات داخل الميليشيات.

يقول تييري “عندما كنت أتسلق السياج لمغادرة ذلك السجن سقطت بقوة. كان ارتفاع الحائط 4 أو 5 أمتار، لذلك فقدت الوعي”. لحسن حظه أنه تمكن وأصدقاؤه من إخفائه لمدة لكي لا يتم العثور عليه وإعادته، بعدها نقلوه إلى المستشفى. أصيب تييري بنزيف شديد بعد جرح معصمه. قضى أسبوعين في المستشفى، “بعدها غادرت بسرعة نحو المغرب ومن هناك إلى الجزائر ثم تونس”.

صورة للندبة التي خلفها الجرح الذي أصيب به تييري عند محاولته الهرب من سجن ميليشيا قامت باختطافه. الصورة: مهاجر نيوز/ من هاتف المهاجر تييري
صورة للندبة التي خلفها الجرح الذي أصيب به تييري عند محاولته الهرب من سجن ميليشيا قامت باختطافه. الصورة: مهاجر نيوز/ من هاتف المهاجر تييري

حمل تييري ندبته معه إلى الأبد، لتذكره بمغامرة خاضها بمحض إرادته، رغبة منه في تحسين وضعيته، واكتشاف برلين التي حلم بها منذ نعومة أظافره. يقول “الكثير من أصدقائي قرروا البقاء في بلجيكا أو فرنسا أو غيرها من البلدان التي تتحدث الفرنسية. أما أنا فقد اخترت ألمانيا لأني معجب بتاريخها”.

أسباب مغادرة بلده لم تكن بالقاسية، كانت في الأساس هروباً من الفقر والتهميش، من أجل اكتشاف العالم وتغيير حياته. اليوم أول ما يفكر الشاب الكامروني فيه هو تعلم اللغة الألمانية. يقول “بعدها سأبحث عن فرصة عمل، لقد أتيت إلى هنا لأحقق ذاتي ومستقبلاً جيداً، لا لأتسكع أو أحصل على المساعدات”.

ماجدة بوعزة

#من #الكاميرون #إلى #ألمانيا #تختلف #المسارات #لكن #المخاطر #والغاية #واحدة

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد