“من لا يقول كلمة”… معرض باريسي حول جرائم العنف الجنسي ضد الأطفال

“من لا يقول كلمة”… معرض باريسي حول جرائم العنف الجنسي ضد الأطفال

مجسّم لغرفة نوم صغيرة الحجم. جدران زرقاء وشباك يعكس قليلاً من الضوء على طرف سرير خشبي؛ سرير صغير يتّسع لطفل. لا يحتاج الناظر إلى كثير من الذكاء لوصف المكان، أو للاستنتاج أن ما تراه العين إعادة تجسيد لغرفة طفل. ولكن في الواقع، وخلف هذه الجدران، الكثير من القصص غير المحكيّة، وهذه هي الفكرة الأصل التي يسعى إليها هذا العمل الفني؛ إعادة بناء الأماكن المؤلمة، التي يتعرّض فيها كثيرٌ من الأطفال لصدمات نفسية، سترافقهم على مدار الحياة وستكون آثارها غير محدودة.

موضوع يُخيّم عليه الصمت، على الرغم من أن الأرقام والإحصاءات تشير إلى أنه واسع الانتشار، سواء في فرنسا أو في العالم أجمع. صاحب هذا العمل، الفنان الفرنسي كاميل سارت، يروي من خلال الفن قصته الشخصية، وكذلك قصص الملايين من الأطفال من ضحايا العنف الجنسي.

وجد هذا العمل مكانه بين مجموعة من الأعمال الفنية، التي دارت حول موضوع جرائم العنف الجنسي ضدّ الأطفال والذي يُعرض حالياً في باريس. ثماني سنوات، ومنظّمة المعرض تُحاول أن تجد حاضنةً فنية لمشروعها. ثماني سنوات على الصمت التامّ الذي لاقته في كل مرة عرضت فكرتها، على أمل أن تجد اهتماماً من أصحاب معارض الفن المعاصر.

صمت أو شعور عارم بالارتباك، بهذه الكلمات وصفت المنظمة وصاحبة المشروع، ماري دوباري يافيل، ردود الأفعال التي حظيت بها قبل أن يرى مشروعها الضوء. لا أحد أراد تحمّل ثقل “الموضوع”، كأنه ما زال محرّمًا أو كأن الصمت فكرة ملازمة له في كل تفاصيله، لا سيما في الأوساط الثقافية، وتحديداً للمشتغلين في مجال الفن المعاصر، وهذا انعكاسٌ لما يجري مجتمعيًّا وسياسيًّا في التعامل مع الجريمة. تشير المنظمة بوضوح في تقديمها للمعرض، مسألة تواطؤ الفن مع هذه الجريمة، لا وبل تشجيعه عليها، وذلك في فترات مختلفة، سواء عبر الترويج أو دعم بعض الممارسات التي سيكون أثرها مرعباً على الصعيدين النفسي والجسدي للضحايا. تجميل الجريمة على مدار السنين، وإقفال تامّ لأبواب الاعتراض أو إدانة هذه الأفعال.

يحمل المعرض عنوان “من لا يقول كلمة”، وهو إحالة إلى المثل اللاتيني القائل إنّ “الصمت دليل الموافقة”. عنوان أرادت منه القائمة على المشروع دفع الجمهور إلى التفكير في مسألتين محوريتين: الرضا والصمت. أغلب الأطفال الذين تعرّضوا إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي، غالباً ما يواجههم سؤال متكرّر: “لماذا لم ترفض/ي؟”. وعندما يتحرّر الكلام، وهو ما يحدث غالباً في وقت متأخر من تاريخ وقوع الجريمة، وقت لازم لاستيعاب (أو تذكّر) الضحية لما حدث، تواجه الضحية السؤال التالي: “لماذا الصمت لكل هذه السنوات؟”. لهذا يتمحور العمل حول فكرتي الرضا والصمت؛ في المسألتين تذنيبٌ وحمولة زائدة على الضحية.

كان لا بُدّ أن يُحاكي الفن المسألة، وأن يُظهر من خلال عرض أعمال الفنانين المشاركين أهمية تحرير الكلام. هو إذاً دعوة مفتوحة وتشجيع للضحايا على كسر الصمت. كما أنه دعوة للاستماع والاعتراف بأنّ هذه الجريمة حصلت وما زالت.

هذا المشروع هو الأول من نوعه في فرنسا، الأول في عالم الفن المعاصر الذي يجرؤ على تناول موضوع العنف الجنسي على الأطفال، في معرض جماعي. في الحدث، أي المعرض، “انتصار” ما. استخدمت المسؤولة عن التنظيم هذه الكلمة، لكونها تعتبر المعرض انتصاراً على “النفاق” في عالم الفن، وكذلك هو على الصمت الذي يلفّ الموضوع، بعد أن عاندتها المتاحف وصالات العرض الفرنسية لفترات طويلة، تمكّنت أخيراً من تنظيم معرض هو الأول من نوعه في أوساط الفنون المعاصرة حول هذا الموضوع.

#من #لا #يقول #كلمة.. #معرض #باريسي #حول #جرائم #العنف #الجنسي #ضد #الأطفال

تابعوا Tunisactus على Google News
[ad_1]

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد