- الإعلانات -

- الإعلانات -

مهد الربيع العربي تشتعل مُجددا.. ماذا يحدث في تونس؟

مجددا ولقرابة أسبوع، لم تتوقف الاحتجاجات الغاضبة ضد الأجهزة الأمنية التونسية، من قبل بعض الحركات الشبابية التي يسيطر الغموض على أغلبها، ولا تعرف توجهاتها السياسية.

 

ومنذ الخميس الماضي، تشهد محافظات وأحياء عدة بالعاصمة تونس احتجاجات ليلية تخللتها صدامات مع رجال الأمن، تزامنا مع بدء سريان حظر تجول ليلي، ضمن تدابير مكافحة كورونا، من دون تحديد مدته.

 

الشارع التونسي بات أكثر ارتباكا من ذي قبل، نظرا للضبابية التي تسيطر على المشهد الذي يحمل الكثير من الغموض، ليطرح معه أكثر الأسئلة التي تحير الجميع، “ماذا يحدث في تونس؟” هذا السؤال لا تطرحه فقط وسائل الإعلام أو المتابعون للشأن التونسي من خارجها، بل التونسيون أنفسهم.

 

فهل ما يحدث “ثورة جديدة”؟ أو “ثورة تصحيح مسار” أو “ثورة جياع”؟  أو مؤامرة؟.. مسميات تصبغ على التحركات طابعا منظما واضح المعالم والمطالب، ويؤمن بها البعض.

 

فالبعض يرى أن المواجهات الليلية بين شباب، منهم أطفال أحيانا، وبين قوات الشرطة تعد “فوضى”، هدفها “التخريب” وتحدي القانون والسلطة بشكل “عشوائي”، وتستغلها أفراد وكيانات سياسية “لتحقيق مآرب شخصية” ويستمتع فيها البعض “بمغامرة” المواجهة مع الشرطة.

 

ومنهم من يحصر أسبابها في رفض إجراءات الإغلاق التي أعلنت السلطات فرضها لمحاولة الحد من انتشار فيروس كورونا، لما يسببه الإغلاق من تبعات تزيد حدة الأزمة الاقتصادية وتردي القدرة المعيشية.

 

 

بينما يقف بين الطرفين من ينادي بتأطير التحركات التي ليس لها هدف محدد وواضح، وتحويل مسارها إلى حراك اجتماعي شعبي منظم “يجبر السلطة على الإنصات لمطالبه ويرغمها على التجاوب والحوار كخطوة أولى”.

 

ومهما كان المسمى، أو الصيغة التنظيمية، فإن ما يحدث من مواجهات بين الشباب وقوات الأمن، كاشف لغضب هذه الفئة، التي عجزت عن تحقيق ما حلمت به منذ سنوات وآمنت بأنه بات قريب المنال في “تونس الثورة”.

 

اتساع رقعة هذه الأحداث، وتواليها وتصاعدها وضع الطبقة السياسية والرأي العام أمام أسئلة خطيرة، وفتح الباب أمام سيناريوهات مثيرة للقلق. فالبرلمان لم يتمكن من اتخاذ موقف مما يحدث بسبب اختلاف الأحزاب حول طبيعة هذه الاحتجاجات ومن يقف وراءها، ما جعل النواب يتبادلون الاتهامات.

 

أما رئيس الدولة قيس سعيد فقد اختار أن يتحرك بطريقته، وذلك بعد أن تعددت النداءات التي طالبته بضرورة القيام بخطوة من أجل إعادة الهدوء، فتوجه إلى الحي الذي كان يسكنه قبل انتقاله إلى القصر الجمهوري، حيث دعا الشباب إلى ممارسة حقهم في الاحتجاج، على أن يكون ذلك بوسائل سلمية، وأن يتولوا حماية الممتلكات العامة والخاصة ويمنعو الاعتداء عليها..

 

بعده مباشرة توجه رئيس الحكومة هشام المشيشي بكلمة متلفزة إلى المحتجين، دعاهم فيها إلى تجنب العنف، وأقر بشرعية مطالبهم. لكن كلمتي رأسي السلطة التنفيذية خلت تماماً من إجراءات ملموسة لصالح المحتجين، ولم يكن لهما تأثير ملموس عليهم.

 

 

وفي الوقت الذي تمسكت فيه منظمات حقوقية وأحزاب بأن هذه الأحداث كانت عفوية، وبدون تخطيط مسبق، رأى آخرون، مثل سعيد والمشيشي، وجود أطراف عملت على تغذية هذه الاحتجاجات، واستعمال هؤلاء الشباب لتحقيق أهداف أخرى، لكن من دون تقديم دليل قطعي للتدليل على ذلك، أو تحديد هوية هذه الأطراف، التي تحركت وحرضت من وراء ستار.

 

في مقابل ذلك، خافت “حركة النهضة” من احتمال ما تسميه “الانقلاب على الدولة”، وقررت التصدي لمن يريدون تحويل وجهة الاحتجاجات القائمة، من مجرد حركة مطلبية للضغط على الحكومة إلى مسار آخر سماه حمة الهمامي، الناطق السابق باسم “الجبهة الشعبية” المنحلة “ثورة ثانية”.

 

وفي هذا السياق أعلن رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني أن “أبناء النهضة سيكونون في الميدان لحماية أمن التونسيين وممتلكاتهم الخاصة والعامة وحقوقهم، ومعالجة المطالب المشروعة ومساندة القوات الأمنية في التصدّي للمخربين”.

 

وعلى صعيد آخر المستجدات داخل مهد الربيع العربي، فقد انتشرت وحدات من الجيش التونسي مساء أمس الاثنين لحماية المنشآت العامة والخاصة في مدينة سبيطلة بولاية القصرين (غربي البلاد)؛ إثر اندلاع مظاهرات احتجاجا على وفاة شاب، تتهم عائلته قوات الأمن بقتله.

 

وقال شهود عيان في المدينة إن آليات عسكرية تمركزت أمام مؤسسات إدارية ومنشآت عامة وخاصة في سبيطلة لحمايتها من أي اعتداءات محتملة.

 

 

وأضافوا أن عشرات الشباب خرجوا في المدينة، مساء الاثنين، للاحتجاج على وفاة شاب يدعى هيكل الراشدي، تتهم عائلته قوات الأمن بقتله، وذلك بعد تعرضه لإصابة حادة في رأسه خلال احتجاجات بالمدينة، الأسبوع الماضي.

 

وأبلغت أسرة هيكل الراشدي وسائل إعلام محلية بأنه أُصيب بعبوة غاز مسيل للدموع بعد المشاركة في المظاهرات التي اندلعت هذا الشهر في ذكرى ثورة عام 2011.

 

وقالت وكالة “تونس أفريقيا” للأنباء الرسمية إن مكتب المدعي العام في القصرين -أكبر مدينة قرب سبيطلة- أمر بتشريح الجثة لتحديد أسباب وفاة الراشدي.

 

وحاول المحتجون اقتحام مركز الأمن الوطني في سبيطلة ورشق عناصره بالحجارة؛ مما دفع عناصر الأمن إلى الرد باستعمال الغاز المسيل للدموع، لتنطلق عمليات كر وفر في الأزقة.

 

من جهته، حمّل حزب العمال المعارض في بيان “الحكومة ومجمل منظومة الخراب وأجهزتها القمعية كامل المسؤولية في دم الشهيد هيكل الراشدي”، واعتبر أن وفاته دقت “آخر مسمار في نعش المشروعية لمجمل المنظومة التي عليها الرحيل”.

 

 

وتأتي هذه التطورات، وسط حالة احتقان سياسي؛ حيث انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد أمس الاثنين التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء هشام المشيشي، وقال إنه “لم يحترم الإجراءات التي نص عليها الدستور”.

 

في المقابل، أصدرت رئاسة الحكومة التونسية بيانا أكدت فيه أن مجلس الوزراء صدّق في اجتماعه اليوم على إعادة هيكلة جديدة للحكومة (التعديل الوزاري) بدمج بعض الوزارات وحذف أخرى.

 

ومن المقرر أن يعقد البرلمان التونسي اليوم الثلاثاء جلسة للتصويت على التعديل الوزاري، الذي يشمل 11 حقيبة وزارية من أصل 25.

 

مراقبون يرون أن الاحتجاجات الحالية، تمثل مناسبة للنخب السياسية المؤيدة للثورة لفتح باب التساؤلات الجذرية حول البرامج الاقتصادية والاجتماعية القابلة لخلق تنمية حقيقية، فالديمقراطية، في مبناها الأعمق، هي أداة ارتقاء اقتصادي واجتماعي أكثر منها حصد أصوات وملء صناديق انتخابية ووصول ممثلين للشعب إلى البرلمان.

 

في حين يرى البعض أن مصالح ومطامع داخلية وخارجية تقف وراء ما يحدث في الشارع التونسي، واصفين الاحتجاجات بالمؤامرة الداعية لإسقاط أحد الديمقراطيات العربية بالمغرب العربي.

 

 

ورأى المؤرخ بيار فيرمورين “لعل عدم اندلاع مزيد من الاحتجاجات يشكل معجزة”، ملاحظا أنه في مواجهة التراجع التاريخي لإجمالي الناتج المحلي (-9 في المئة)، لم تعد الدولة التونسية الغارقة في الديون قادرة على الحد من الأزمة.

 

وأضاف أن “السياحة التي تشغل نحو ربع السكان باتت شبه معدومة ومن دون عائدات تعويض على غرار فرنسا”. وخلال أشهر الإغلاق الثلاثة العام الفائت، دفعت الدولة 140 يورو من المساعدات لكل عائلة فقيرة.

 

وأوضح فيرمورين أن “الطبقة السياسية تعاني الانقسام من جهة وتواجه من جهة أخرى أزمة اقتصادية غير مسبوقة”، لافتا إلى أن عليها اتخاذ “إجراءات بالغة الصعوبة” للحصول على تمويل، مذكرا بأن صندوق النقد الدولي يدفع نحو خفض الدعم على السلع الأساسية.

 

ومنذ الخميس الماضي، تشهد محافظات وأحياء عدة بالعاصمة تونس احتجاجات ليلية تخللتها صدامات مع رجال الأمن، تزامنا مع بدء سريان حظر تجول ليلي، ضمن تدابير مكافحة كورونا، من دون تحديد مدته.

 

وكانت اشتباكات اندلعت في سبيطلة الأسبوع الماضي، إثر ورود شائعات عن وفاة هذا الشاب الذي أكّدت وسائل إعلام محلية وأقارب له أنّه أصيب في 19 يناير الجاري بقنبلة مسيّلة للدموع.

 

ويومها نفت وزارة الداخلية وفاة الشاب، مشيرةً إلى أنّها فتحت تحقيقاً لجلاء ملابسات إصابته.

 

ومنذ منتصف يناير، خرجت تظاهرات في مدن تونسية عديدة للمطالبة بسياسة اجتماعية أكثر عدلاً وبإطلاق سراح مئات المحتجين الذين اعتقلتهم الشرطة بعد الاشتباكات.

 

ودعت 28 منظمة غير حكومية إلى تنظيم مسيرة يوم الثلاثاء أمام البرلمان للتنديد خصوصاً بما أسموه «السياسة البوليسية» في التعامل مع الاحتجاجات.

 

 

المصدر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد