- الإعلانات -

- الإعلانات -

نهاية التردد الجزائري في تونس | صابر بليدي

تغير موقف الجزائر من الرئيس التونسي قيس سعيد، من النقيض إلى النقيض، فبعدما كانت تدعوه إلى العودة إلى المسار الديمقراطي، باتت تعتبره الأخ والصديق الحائز على الشرعية، وهو موقف ينطوي على العديد من الدلالات الداخلية والخارجية، فإلى جانب أنه يوحي إلى تحرر من ضغوط غربية ظرفية، يبدو أن مقياس الشرعية الشعبية بين هرمي السلطة في البلدين متقارب، وبالتالي فإنه لا مجال إلى مزايدة هذا الطرف على ذاك.

إلى غاية نهاية حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ظلت حركة النهضة التونسية وعلى رأسها راشد الغنوشي، يمثلان شريكا سياسيا للسلطة الجزائرية وظلت العلاقة بين الطرفين على طبق من ذهب، فرغم توجس الجزائر من مسار الإسلاميين لديها ولدى المنطقة، إلا أن حركة النهضة ظلت تمثل نموذجا مقبولا لدى السلطة الجزائرية شأنها شأن حركة “حمس”.

لكن الفتور بدأ يدب في علاقة الطرفين منذ سقوط منظومة بوتفليقة، وبدا أن رغبة الإسلاميين العميقة في رؤية نخبة سياسية جديدة يفرزها الحراك الشعبي، قد عكّرت الأجواء مع الطبعة الجديدة للنظام الجزائري بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، وتردد حينها أن الجزائر رفضت استقبال راشد الغنوشي وهو رئيس للبرلمان التونسي.

ويبدو أن الجزائر التي قطعت حبل الود مع الإسلاميين في تونس، لم تكن مطمئنة من جهة أخرى للتحول الجديد الذي باشره الرئيس قيس سعيد، وكانت شكوكها قائمة حول إمكانية ارتماء الرجل في أحضان قوى إقليمية منافسة للجزائر في المنطقة، لذلك اتسمت مواقفها بين التحفظ والحياد.

وشكل تعمد الجزائر الإبقاء على المنافذ الحدودية البرية مغلقة بين البلدين طيلة عامين كاملين رغم انتفاء مبرر الجائحة الصحية العالمية، مؤشرا قويا على أن الجزائر غاضبة من مسار الرئيس قيس سعيد، وأنها توظف الحدود البرية بما تمثله من مصدر اقتصادي واجتماعي كوسيلة ضغط عليه، الأمر الذي ساهم في حالة من الفتور بين البلدين.

وجاءت تصريحات الرئيس الجزائري، في روما رفقة نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، حول ضرورة “عودة تونس إلى المسار الديمقراطي”، لتزيد من وضعية التشنج، رغم أن التصريح أثار موجة انتقادات داخل تونس والجزائر، ففي الأولى اعتبر تدخلا في الشأن الداخلي، وفي الثانية عوتب الرجل على سوء اختيار المكان للتعبير عن موقف رسمي للدولة الجزائرية.

شكل تعمد الجزائر الإبقاء على المنافذ الحدودية البرية مغلقة بين البلدين، مؤشرا قويا على أن الجزائر غاضبة من مسار الرئيس قيس سعيد، وأنها توظف الحدود البرية كوسيلة ضغط

وبعيدا عن تدخل وزير الخارجية رمطان لعمامرة لاحتواء الموقف مع نظيره التونسي عثمان الجرندي، فإن انتقال الموقف من النقيض إلى النقيض يوحي بمتغيرات حدثت في الخفاء، ومن المحتمل أن يكون الرئيس التونسي المحاصر بعزلة سياسية ودبلوماسية، قدم ضمانات لنظيره في الجزائر حول تحييد وصيانة علاقات البلدين من المؤثرات الخارجية المنافسة، خاصة وأن الرجل يكون قد خذل من طرف قوى تكون قد شجعته على إبعاد منظومة الحكم السابقة من المشهد. فضلا عن أن الجزائر تكون قد تحررت من ضغوط غربية ظرفية لمحاصرة الرئيس قيس سعيد، فقد سبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن وجه رسائل إلى الحكومة التونسي عبر مسؤولين جزائريين خلال زيارته إلى المنطقة، وتكون الجزائر قد فهمت الرسالة جيدا، فقد وقع تعطيل القرض المالي المعلن عنه في وقت سابق أو تغيير وجهته.

ويبدو أن الأميركيين كانوا منزعجين من دعم الجزائر للرئيس قيس سعيد، وهو ما ترجمه تصريح لمسؤول أميركي، حول ضخ الجزائر لأموال دفع رواتب موظفين حكوميين في تونس، مما يعطي الانطباع أن واشنطن ضغطت باتجاه تعطيل القرض وتمديد غلق الحدود البرية.

تغير الموقف الجزائري تجاه قيس سعيد، رسمته عدة معطيات محلية وخارجية، فهي إلى جانب أنها لم يكن بوسعها شق عصا الطاعة للضغوط الغربية، لا يمكن لها الرهان على ورقة الشرعية الشعبية، فهرما السلطة في البلدين يملكان نسبة شعبية متقاربة، لأن دستور تونس وقبله دستور الجزائر لم يمرا إلا بأقل من ثلث المقيدين في اللوائح الانتخابية، وبالتالي أيّ تلويح للجزائر بورقة الشعبية، يمكن أن يقابلها نفس الورقة من الطرف التونسي.

عبارة “أخي وصديقي والرئيس الشرعي” التي أطلقها الرئيس تبون، عن نظيره التونسي، تحمل العديد من الدلالات التي توحي بطيّ صفحة من التردد والشك، وأن توافر جملة من التغيرات الداخلية والخارجية في البلدين ساهم في موقف الجزائر الذي أدار ظهره لمخرجات المرحلة السياسية السابقة في تونس، والانفتاح كلية على قيس سعيد، كرئيس شرعي للبلاد.

وبحضور سعيد في الاحتفالات الرسمية لستينية استقلال الجزائر، يكون قد توّج بلورة مقاربة جديدة نقلت الموقف الجزائري من النقيض إلى النقيض، وحتى دعوة رئيس اتحاد الشغل التونسي نورالدين الطبوبي، لحضور الحدث هو خطوة لإذابة الجليد بين الرئاسة والاتحاد في تونس، رغم نفي الرئيس تبون في تصريحه الأخير لوجود أيّ وساطة لبلاده بين الطرفين.

العلاقة بين الطرفين تشهد مرحلة جديدة جسّدها قرار فتح المنافذ البرية بين البلدين منتصف الشهر الماضي، ورفع الإجراءات الصحية في وجه حركة المرور، والمشاورات المستجدة بين مسؤولي قطاع السياحة في البلدين، وهو ما يمهد الطريق أمام نهاية مرحلة التردد الجزائري تجاه تونس، والانحياز تماما للرئيس قيس سعيد.

#نهاية #التردد #الجزائري #في #تونس #صابر #بليدي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد